قبل اجتماعها فى نهاية الأسبوع الماضى قال مديرو صناديق سلع أولية: إنه إذا لم تتفق أوبك على خفض الإنتاج بما لا يقل عن مليون برميل يوميا فسوف تنخفض الأسعار. وقال دانيال باث من صندوق لوبس ألفا كوموديتى انفست: «ستشكك السوق فى مصداقية أوبك وتأثيرها على أسواق النفط العالمية إن لم تخفض الإنتاج.» وذكر باث أن ذلك قد يهبط بسعر برنت إلى نحو 60 دولارا.مضيفا أن سلوك القطيع ورجحان كفة مراكز المضاربة على انخفاض الأسعار قد يؤدى إلى تسارع الاتجاه النزولي. ---------------- ونتيجة لذلك يعتقد بعض المستثمرين أن الخفض المحدود للإنتاج - بواقع نحو 500 ألف برميل - لن يكون كافيا لطمأنة الأسواق. ويتوقع دوج كينج مدير الاسثتمار فى آر. سي. إم. إيه كابيتال أن ينزل برنت إلى 70 دولارا حتى مع خفض الإنتاج بواقع مليون برميل يوميا. وقد شاعت نظريات المؤامرة فى السوق بشأن سبب إحجام السعودية عن التدخل. وألمح الكاتب توماس فريدمان فى مقال بصحيفة نيويورك تايمز إلى حرب نفط عالمية بين الولاياتالمتحدة والسعودية من جهة وروسيا وإيران من جهة أخرى. وذكر توم نلسون من صندوق انفستيك جلوبل انرجى أن السعودية سمحت بنزول الأسعار لحث صغار المنتجين فى أوبك - الذين يعتمدون غالبا على تدخل أكبر المنتجين - على الانضمام للرياض فى خفض الانتاج. وقال نلسون: تريد السعودية خفض الإنتاج ولكن لا تريد تحمل العبء وحدها، مضيفا أن خفض الإنتاج بما يتراوح بين مليون و1.5 مليون برميل يوميا سيكون كافيا لتحقيق التوازن فى السوق. ويعكس التراجع الكبير فى أسعار النفط منذ الصيف تغييرات هيكليّة هامة فى السوق النفطية التى تدخل حقبة يسجل فيها العرض نموا اقوى من الطلب. وفى وقت تراجعت أسعار النفط بمقدار ثلث قيمتها منذ منتصف يونيو يجمع كل المراقبين على الإقرار بان السوق النفطية دخلت مرحلة جديدة وتحدث مصرف كومرتس بنك الالمانى عن «تغيير فى النموذج» فيما أشار مصرف الأعمال الأمريكى جولدمان ساكس إلى «نظام نفطى جديد» ووكالة الطاقة الدولية إلى «فصل جديد فى تاريخ الأسواق النفطية». وأوضح فريديريك لاسير رئيس شركة بيلاكو كابيتال «ندخل اليوم حقبة جديدة حيث لدينا من جهة عرض تم تحفيزه، وعلى الأخص نفط الصخرى فى امريكا الشمالية، ومن جهة أخرى تباطؤ فى الطلب بسبب مستوى الأسعار المرتفع، ثم مؤخرا بسبب تدهور أوضاع الاقتصاد الكلي». وأوردت وكالة الطاقة الدولية فى تقريرها الشهرى الأخير أن «سنوات الأسعار المرتفعة (كان سعر نفط برنت يتراوح بشكل إجمالى بين 100 و120 دولارا منذ 2011) أتاحت لتكنولوجيات مبتكرة تحرير موارد هائلة فى امريكا الشمالية وربما أيضا فى أماكن أخرى قريبا». والمثال الأبرز على ذلك هو الولاياتالمتحدة التى انتقلت من متوسط إنتاج قدره خمسة ملايين برميل فى اليوم عام 2008 إلى حوالى 8,4 مليون برميل فى اليوم خلال الأشهر الثمانية الأولى من هذه السنة بفضل استغلال النفط الصخرى. ومن المتوقع أن يصل هذا الإنتاج إلى 9,5 مليون برميل فى اليوم عام 2015 وهذا النمو الهائل يوازى وفق حسابات خبراء الاقتصاد فى كومرتس بنك وصول منتج جديد للنفط بحجم العراق وقطر معا إلى السوق. وأوضح ادوارد موس من شركة سيتى غروب الامريكية إن «نمو الإنتاج الامريكى أصبح عاملا جيوسياسيا حاسما فى الأسواق النفطية» وصنفت الولاياتالمتحدة هذه السنة فى المرتبة الأولى بين منتجى المحروقات السائلة فى العالم متقدمة على السعودية التى كانت تتصدر تاريخيا هذه القائمة. وتظهر تبعات نمو الإنتاج الامريكى بشكل غير مباشر إذ تخفض بشكل حاد حاجات الولاياتالمتحدة إلى الاستيراد وترغم مزوديها على البحث عن أسواق أخرى ما يحرك الصراع على حصص الأسواق فى مواقع أخرى من العالم. وأوضح اولى هانسن المحلل لدى ساكسو بنك أن ارتفاع الإنتاج الامريكى تأخر حتى يؤثر فى أسعار النفط لأنه بقى لفترة طويلة محجوبا بفعل انقطاع الإنتاج فى أنحاء مختلفة من العالم ولاسيما فى ليبيا. لكن منذ الصيف انحسرت هذه الانقطاعات فى الإنتاج بشكل كبير فيما اتضح بشكل متزايد أن الطلب لم يعد قادرا على تسجيل نمو بمستوى العرض. وأوضحت وكالة الطاقة الدولية أن «التنمية الاقتصادية لم تعد تحفز بالقدر ذاته تزايد الطلب على النفط ولاسيما فى غياب زيادة فى الرواتب. ودخلت الصين، المصدر الرئيسى لزيادة الطلب على النفط فى السنوات الأخيرة، مرحلة من النمو اقل طلبا للنفط». وقال خبراء مكتب كابيتال ايكونوميكس «نعتقد أن أسعار النفط المتدنية ستدوم». غير أن هذه المرحلة الجديدة «لن تستمر عشرين عاما» برأى رئيس بيلاكو كابيتال الذى أوضح اننا نرى منذ الآن بوادر المرحلة التالية، مع تراجع الأسعار سنشهد ظاهرة تكيف معاكسة تماما للظاهرة التى نشهدها فى مرحلة الارتفاع، اى تباطؤ فى الاستثمارات فى القدرات الجديدة ثم انتعاش الطلب بفضل أسعار أدنى بكثير. من ناحية أخرى يطرح تراجع أسعار النفط مشكلة بالنسبة إلى العديد من الدول المنتجة التى تحتاج إلى سعر مرتفع من اجل تمويل نفقاتها. وقد حذرت الوكالة الدولية للطاقة فى تقريرها الشهرى الأخير من أن «العديد من الدول المنتجة لديها أسعار توازن للميزانية أعلى بكثير من الأسعار الفعلية للنفط. ومع أن ذلك لا يجعل بالضرورة إنتاج النفط غير مربح إلا انه يمكن أن ينطوى على آثار سلبية بالنسبة للاستقرار الاجتماعى ويؤثر بالتالى بشكل غير مباشر على آفاق الإنتاج». وعلى سبيل المثال، تم احتساب الموازنة الإيرانية للسنة الجارية (التى بدأت فى مارس 2014) على أساس سعر مائة دولار لبرميل النفط، بينما تتراوح الآن أسعار برميل برمت تحت عتبة الثمانين دولارا. وهذا التراجع سيؤثر على الموازنة المقبلة مع «عجز فى العائدات النفطية بين 8 و10٪»، بحسب غلام رضا تاجكردون رئيس اللجنة النيابية للتخطيط والموازنة فى إيران. وفى العراق، فان سعر التوازن قريب أيضا من مائة دولار للبرميل. وبحسب وزارة النفط فان «أكثر من 27٪ من عائدات الموازنة المتوقعة» لن يتم الحصول عليها فى نهاية المطاف بسبب تراجع الأسعار. وفى روسيا، حيث يشكل النفط نصف عائدات الموازنة، أعلنت موازنة 2015 على أساس توقع سعر 93 دولارا للبرميل. وفى فنزويلا، أعدت موازنة 2014 على أساس سعر متدن نسبيا لبرميل النفط (60 دولارا) لكن ذلك لن يحول دون تراجع العجز فى الموازنة، إذ يقدر عدد كبير من الخبراء أن سعر التوازن فى فنزويلا يفوق المائة دولار للبرميل بكثير. من جهتها، أعدت الاكوادور موازنة عام 2014 على أساس سعر 86,4 دولار للبرميل. وقال وزير الطاقة السابق رينيه اورتيز: إن البلاد بحاجة لسعر 80 دولارا للبرميل لتحقيق التوازن المالي. وستضطر نيجيريا حيث يشكل النفط 70٪ من عائدات البلاد إلى مراجعة السعر المرجعى لبرميل النفط لموازنة 2015 من 78 إلى 73 دولارا للبرميل. ومنذ سنوات، تعد الجزائر موازنتها على أساس سعر 37 دولارا للبرميل بحيث يذهب الفائض إلى صندوق لتنظيم العائدات يتم من خلاله تمويل العجز وكل البرامج الخاصة للدولة. إلا أن خبراء يرون أن الاقتصاد الجزائرى مهدد بسعر 80 دولارا للبرميل فقد اعتبر وزير المالية السابق كريم دجودى أن الموازنة بحاجة إلى سعر 110 دولارات للبرميل لتحقيق التوازن. من جهتها، تحدد السعودية وقطر والإمارات أسعار توازن اقل من غالبية الدول الأعضاء فى منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) مما يجعلها فى موقع اقوى إزاء تراجع طويل الأمد لأسعار النفط الخام، بحسب خبراء الاقتصاد فى «كومرتس بنك» فى تقرير صدر مؤخرا.