الحوار مع د. هاني سرى الدين يكتسب أهمية خاصة هذه الأيام ليس فقط كونه المسئول عن مراجعة حزمة التشريعات المنظمة للاستثمار في مشروع تنمية قناة السويس وهو المشروع الذي تتعلق بة آمال جموع المصريين والمستثمرين على السواء، ولكن أيضا كون الرجل لفت الأنظار بعد انشغاله بالسياسة بعد الثورة حتى رشحته بعض القوى لعدة مناصب رفيعة وأخيرا فإن خبرة سرى الدين الأكاديمية وشغله موقع رئيس هيئة سوق المال لعدة سنوات تمكنه من فهم مكونات الاقتصاد الوطني والتحديات التي تواجه بصورة عملية ونظرية في آنٍ واحد. وفي الحوار كشف سرى الدين عن عدم تحقيق تقدم في ملف المنازعات مع المستثمرين باعتباره محامىا في هذا المجال. كما طرح أرائه بشأن اتجاه الحكومة لإعداد قانون جديد للاستثمار فضلا عن رأيه فى الحكومة نفسها، ودافع عن رجال الأعمال ضد الانتقادات التي توجه لهم بالتقصير. قال هانى سرى الدين الشريك المدير لمكتب سرى الدين للمحاماة ان مكتبه موكل إليه حاليا مهمة المراجعة والتنسيق بين حزمتي القوانين التي أعدتهما الحكومة وهيئة قناة السويس وعلى وجهه التحديد الجوانب التشريعية منها الخاصة بإنشاء هيئة جديدة لتطوير محور التنمية بقناة السويس لتنظيم العمل حيث توجد ضرورة لإصدار قانون خاص لتلك المنطقة شأنها شأن المناطق الحرة والمناطق الاقتصادية الخاصة لتنظيم قضايا التراخيص للمناطق اللوجستيه المزمع أنشاؤها وكيفية تخصيص الأراضي وإنشاء الشركات في إطار تشريعي واحد منضبط حتى لا يغرق المستثمر في دوامة تعدد التشريعات والبيروقراطية، نظرا لدخول هذه المنطقة في اختصاصات متشابكة مع هيئة الاستثمار ومحافظات القناة وهيئة قناة السويس وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة. علاوة على أمور مرتبطة بالضرائب والجمارك والشهر العقاري. وفي النهاية يقول انه سوف يُرفع مشروع القانون النهائي حال الانتهاء من مراجعته إلى هيئة قناة السويس لأنها الجهة المسئولة عن المشروع والتي تنسق بدورها مع اللجنة الوزارية التي تضم أكثر من 9 من الوزارات المعنية. مصادر تمويل: وفيما يخص قدرة الدولة على إيجاد مصادر تمويل للمشروعات التنموية الجديدة الأخرى التي أعلنت عنها خصوصا في ظل وجود عجز في الموازنة يرى سرى الدين ان الحكومة لديها مصادر تمويل متنوعة تتمثل في إصدار سندات وأذون خزانة كما انها لجأت أخيرا إلى شهادات الاستثمار والتي يصفها بالتجربة الجيدة لأنها أثبت وجود آليات جديدة للتمويل وان السيولة النقدية متاحة. الا انه عب عن قلقه من ان يؤثر ذلك سلبا على الودائع بالذات لدى البنوك الصغيرة نسبيا مما يؤدى إلى ارتفاع سعر الفائدة في البنوك ويخلق تضخم، لذلك كانت توصيته وضع سقف للشهادات في حدود 35 مليار جنيه على الأكثر. أيضا يرى أنه لا مفر للحكومة من الاستعانة بالقطاع الخاص كشريك في مشروعات الطاقة وتشغيل البنية الأساسية للتغلب على نقص التمويل. واضاف ان الضرائب تعد أهم موارد الدولة إذ تمثل الحصيلة الضريبية نسبة 70% من الإيرادات في الموازنة العامة للدولة 2013 - 2014 وفي هذا الشأن يقول سرى الدين انة يجب على الدولة تحسين إدارة وتحصيل الضرائب وتبنى سياسات ضريبة واضحة للفترة القادمة كما انه من مؤيدي فرض ضريبة القيمة المضافة التي قد ينتج عن تطبيقها زيادة معدل التضخم على المدى القصير لكن هذا يمكن احتواءه، مضيفا أنها تطبق في كل دول العالم لانها أسهل في التحصيل والتطبيق أكثر من ضريبة المبيعات. ووصف الضريبة العقارية بالعادلة حيث سوف يتم توجيه 25% من حصيلتها لتطوير المناطق العشوائية وبالتالي لو لمس دافع الضريبة ان أمواله توظف لتنمية المجتمع بشكل فعال فلن توجد محاولات تهرب. وعن كيفية زيادة الاستثمار يقول ان مصر لا تحتاج إلى قانون استثمار جديد بل تحتاج إلى تحسين مناخ الاستثمار الناتج عن تغير السياسات الحكومية وهو ليس ناتجا بالضرورة عن تغير نصوص تشريعية. لكن استكمال مؤسسات الدولة ووضوح السياسات الاقتصادية الكلية على المدى البعيد والمتوسط فيما يخص سعر الطاقة وتخصيص الاراضى وخطة الدولة فى التعامل مع عجز الموازنة والإنفاق العام والتوجه الاقتصادي وتشجيع القطاع الخاص ووضوح السياسة الضريبية وتحديد الأولويات واحترام الدولة لتعاقداتها هو ما يخلق المناخ الايجابي. لذلك لا يحتاج المستثمر إلى مزيد من القوانين بل تطبيق القائمة مع تعديل بعضها، بالإضافة إلى القضاء على البيروقراطية والفساد سوف يحدث ثورة في الاستثمار المصري والأجنبي فى غضون ستة أشهر. واضاف ان سوق المال له دور رئيسي كوعاء لتمويل المشروعات الجديدة وآلية داعمة للاستثمار المباشر ويمثل خروجا سهلا للمستثمر من السوق كما يرفع من درجة الشفافية لذلك ينصح بضرورة تنمية سوق المال المصري الذي تأثر سلبيا خلال السنوات الماضية كونه مرآة لوضع الاقتصاد والاستثمار خلال تلك الفترة. صندوق دعم مصر. دفاع عن القطاع الخاص: وعلى صعيد العمل الأهلى وبصفة سرى الدين نائبا لرئيس مجلس أمناء صندوق. دعم مصر يوضح ان الصندوق لا يزال قائما برأس مال يبلغ900 مليون جنيه وأنه مستمر في تنفيذ المشروعات التي بدأها وهي تنمية البنية التحتية لعشر قرى مصرية ضمن أفقر 100 قرية إضافة إلى المناطق العشوائية بالقاهرة الكبرى. مؤكدا الانتهاء من غالبية الأعمال خلال الشهريين الماضيين وسوف يتم تسليمها فئ القريب العاجل. الا ان هناك قرارا من مجلس الأمناء من حيث المبدأ بالدمج مع صندوق تحيا مصر حال تكوينه. ويعتقد سرى الدين ان الصناديق كوعاء لتجميع الأموال يمكن ان يكون آلية لتسهيل اضطلاع رجال الأعمال بمسئوليتهم الاجتماعية التي لم تعد من قبيل الرفاهة بل واجب والتزام وان كان ليس بقانوني لكن من شأنه الحفاظ على الأمن والسلام الاجتماعي في ظل ما تشهده البلاد من قصور في البنية الأساسية وفقر وضعف في التنمية وارتفاع في معدلات البطالة ويمكن القضاء على ذلك من خلال تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تستهدف تنمية قرى بعينها أو تنظيم برامج تدريبية لدعم دور الدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية وبالذات في الأمور التي بها قصور في أداء الدولة. ويقول مدافعا عن رجال الأعمال ضد انتقادات البعض للقطاع الخاص المصري بعدم تحمله لتلك المسئولية الاجتماعية خصوصا في ظل تحقيقه لهامش ربح يعد الأعلى عالميا ان هذا اتهام جزافي غير محايد للقطاع الخاص مذكرا بدورة الرئيسي في التنمية وانه مسئول عن تشغيل أكثر من 80% من العمالة في مصر. معترضا على تصوير القطاع الخاص والعدالة الاجتماعية كطرفي نقيض موضحا انه يجب الوضع في الاعتبار ان هامش الربح في القطاع الصناعي اقل بكثير منة في القطاع التجاري وبالأخص قطاع تجارة التجزئة وانه يمكن الحد من بعض التجاوزات عن طريق تفعيل دور جهازي حماية المستهلك والمنافسة. ويرى ان الخدمات الرئيسية كالصحة والتعليم والمرافق التحتية ووضع سياسات من شأنها تحقيق تكافؤ الفرص هو دور أصيل للدولة لتحقيق العدالة الاجتماعية. ويضيف انه يجب على الحكومة ان تقدم كل الدعم للقطاع الخاص ليس عن طريق تبنى سياسات حمائية للصناعات المحلية لأنها تأتى بمردود عكسي وتقيد من المنافسة لكن عن طريق دعم الصادرات لزيادة القدرة التنافسية للمنتجات المصرية في الخارج وهو ليس دعم للمصدر قدر ما هو دعم للسلعة والعملية الانتاجية ككل وهو دعم صحي وهو من أفضل صور الدعم على الإطلاق وكل الدول تلجأ إليه حتى أكثرها تشجيعا للتنافسية. منوها ان الصادرات مصدر رئيسي للعملة الصعبة وإصلاح الخلل في ميزان المدفوعات. وبسؤاله عن آخر المستجدات في تسوية منازعات الشركات مع الحكومة كونه محاميا لعدد من الشركات العقارية الكبرى المصرية والعربية يجيب بأنه لم يتم التوصل إلى اى تسوية حتى الآن نتيجة عدة أسباب منها انه حتى هذه اللحظة لم تفصل النيابة العامة في المنازعات المطروحة أمامها سواء بتحريك الدعوى الجنائية أو حفظها نظرا لأن بعضها له جوانب فنية يصعب حسمها والبعض الآخر تنتظر قرارات الجهات التنفيذية وهو ما أدخلنا في حلقة مفرغة. ثانيا استنفار الرأي العام ضد رجال الأعمال في الفترة السابقة يصعب على الحكومة أو اى مسئول تنفيذي التسوية خارج القضاء خشية ان يتهم بالمحاباة أو الإدانة ليس فقط مع القطاع الخاص بل حتى مديونيات الحكومة مثلما الحال مع الهيئة العامة للبترول مما ترتب علية توقف الكثير من الاستثمارات في مجال البترول. ويضيف ان ذلك الوضع نتج عنة طلب بعض رجال الدولة من المستثمرين اللجوء إلى التحكيم أو القضاء على أساس ان هذا هو الوسيلة الوحيدة لحل الأزمة. ويعتقد ان الحل يكمن في تفعيل دور اللجنة الوزارية لتسوية منازعات الاستثمار وتعديل المواد الخاصة بالتربح في قانون العقوبات وأخيرا يجب عدم تحريك الدعوى الجنائية في هذا الشأن إلا بعد الحصول على أذن من مجلس الوزراء. وبالنسبة لتقييم أداء الحكومة يرى انها تبذل قصارى جهدها لكنها تعتمد على نفس الأدوات لذلك النتائج المحققة لا ترتقي إلى مستوى التوقعات أو الجهد المبذول نظرا لأن الحكومة أرجأت إجراء إصلاح مؤسسي جذري واكتفت بالعمل على إطفاء الحرائق وتحقيق قدر اكبر من الاستقرار والهدوء حتى يرى الناس بعض الانجازات فى مشروعات البنية التحتية والتموين والتجارة الداخلية وبالتالي فهي لا تتبنى رؤية إستراتيجية محددة لحل مشكلة عجز الطاقة وإيجاد بدائل مضيفا انة حتى مشروعات مثل البورصة السلعية ومدينة التسوق بالرغم من كونهما أفكار جيدة لكن لن تؤخذ مأخذ الجد من قبل المستثمرين قبل تحسين مناخ الاستثمار. ويما يتعلق بقراءته كأكاديمي مصري متخصص في الإستثمار والتنمية الاقتصادية للهوية الاقتصادية في دستور 2014 يقول انة ليس من دور الدستور تحديد التوجه الاقتصادي للدولة وقولبته الاقتصاد في نظام اقتصادي بعينة اشتراكي أو رأسمالي أو ما إلى ذلك لكن سياسات الحكومة المنتخبة هي التي تحدد ذلك في برنامجها الانتخابي. وما نص علية دستور 2014 هو تحديد أسس اقتصادية واجتماعية محددة من أهمها في اعتقاده التأكيد على حرمة الملكية الخاصة ودور القطاع الخاص وتحديد قواعد رئيسية لحماية المنافسة كما حمى الملكية العامة بنصوص واضحة إضافتا إلى تنظيم طرق التصرف في أصول الدولة واعترف بالملكية العامة والتعاونية جنبا إلى جنب. علاوة على وضع أسس واضحة للعدالة الاجتماعية تتمثل في الحد الأدنى وحقوق العمال وتنظيم العمل النقابي. فوق هذا، انشأ الدستور المصري هيئات وجهات ومفوضيات رقابية جديدة مثل المفوضية الخاصة بمكافحة الفساد ونص على استقلالية بعض الهيئات القائمة مثل هيئة الرقابة المالية مما يتطلب إصدار تشريعات جديدة ليعكس المبادئ التي تضمنها الدستور. ويرى ان المسئول الأول عن إعداد القوانين الجديدة هو الحكومة لأنها تمتلك آليات من خلال وزارتي العدل والعدالة الانتقالية ولجنة الإصلاح التشريعي التي أنشئت بقرار من رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى لكنه يرى ان كل تلك الآليات لم تفعل ولم تستغل بالشكل الجدي حتى هذه اللحظة رغم مرور 3 أشهر لعدم تعاون الحكومة مع اللجنة بالشكل الكافي لأنها لم تتم احالة اي من مشروعات القوانين لها. ويضيف أنه كان يجب على الحكومة من خلال رئيس الوزراء باعتباره رئيسا للجنة ان يحدد أولويات القوانين الأساسية المكملة للدستور أو في مجال التشريعات الإدارية والاقتصادية والاجتماعية وهذا ما لم يحدث وهذا ليس من مهام اللجنة التي تتكون من قانونين ليس من دورهم تحديد الأولويات كما ان اللجنة وواجهت بعض العقبات الإدارية بعدم توفير موارد مالية للأمانة الفنية للجنة مما عرقل عملها لكن بالرغم من ذلك فالمستشار إبراهيم الهنيدي وزير العدالة الانتقالية مصمم على نجاحها ويبذل مجهودا ضخما مع عدد من الوزراء في الحكومة لإقناعهم بالتفاعل الجدي باعتبارها مهمة قومية، لأن مصر تحتاج إلى ثورة تشريعية يتمنى ان تُؤخذ على محمل الجد.