تجارة السيارات المستعملة فى مصر تتخطى حاجز ال 500 ألف سيارة فى العام وهو سوق خفى له دهاليز واسراره ولكن يخطئ الكثيرون حينما يعتقدون ان سوق السيارات فى مجمله لا يهتم به سوى الاغنياء فقط لأنه الآن أصبح وسيلة انتقال لا غنى عنها وللاسف فان تكلفة الانتقال التى تتغير بفعل عوامل كثيرة تكون فى النهاية عند الفقراء اعلى من الاغنياء!. اهم عامل فى تكلفة الانتقال هى السيارة والاستثمار المخصص لها واذا كانت السيارة ترتبط سعريا بالعملة الصعبة ومدى توافرها فان اسعار السيارات الجديدة تحرك السوق فى معظم الاحوال صعودا لا هبوطا ولم يخرج استثناء من هذه القاعدة سوى مرتين: الاولى عندما حدثت ازمة اسيا الاقتصادية قبيل نهاية القرن الماضى، والمرة الثانية قرار تخفيض الشريحة الجمركية على فئة ال1600 سى سى منذ عشر سنوات وتحديدا فى نهاية عام 2004 عندما اصدر الرئيس الاسبق قرار خفض الرسوم على العديد من السلع وايضا خفض الفئات من 27 فئة الى ست فئات فقط وبالتالى استفادت فئة ال1600 من خفض الرسوم من مائة بالمائة الى اربعين بالمائة فقط وتساوت مع شريحة ال1300، اما عن مواسم الصعود فحدث ولا حرج فمثلا اذا اردنا ان نقارن بين سعر موديل ما وليكن اللانسر من ميتسوبيشى بصفته من اكثر السيارات مبيعا فى السوق المصرية فسعره عام 1997 كان 60000 جنيه ثم عام 1999و2000 كان 50000 فقط بعد التعديلات التى طرأت على شركات السيارات الاسيوية نتيجة الازمة الاقتصادية هناك وحتى موديل كورولا الشهير فى عام 2001 لم يتجاوز سعره 66 الف جنيه والسيارة الجولف من فولكس فاجن الالمانية كان سعرها على الزيرو 82000 الف جنيه فقط وتعتبر تلك الفترة تحديدا من اهم الفترات التى شهدت رواجا كبيرا ليس فقط على مستوى السوق الكمى ولكن ايضا وهو الاهم المستوى النوعى فحتى السيارات الاوروبية الفاخرة شهدت رواجا كبيرا مثل البى ام دبليو بحدود اسعار للفئة الثالثة 130 الف جنيه وينافسها فى تلك الفترة الفاروميو 156 الشهيرة اوروبيا ب125000 جنيه وطبعا لا وجه للمقارنة فالان الهيونداى الاكسنت بنفس السعر تقريبا بدلا من 39 الف جنيه فى نفس التوقيت. من الممكن ان يختلف السوق كميا ونوعيا طبقا للظروف الاقتصادية السائدة ففى بدايات القرن الحالى لم تكن السيارات الصينية تشكل اى نسبة من السيارات المبيعة التى كانت إما اوروبية او يابانية واخيرا الكورية ولكن مع تغير الظروف الاقتصادية وارتفاع التقنيات الالكترونية فى المنتج الاسيوى. اصبحت الماركات الاسيوية مقبولة بعد توافر قطع غيارها ورخصها وانعكس ذلك على سوق المستعمل فأصبحت موديلات الفيات القديمة مثل 131 و 132 و 128 والريجاتا لا تحظى بالقبول بعد أن اصبحت مكلفة واستهلاكها عال للوقود فتراجعت اسعارها فى سوق المستعمل دفعة واحدة بعد قرار تخفيض الجمارك واصيب سوق المستعمل بصدمة كبيرة جدا نتيجة عدم استيعاب التجار لتلك التغيرات خاصة ان اسعار عام 2003 وتقريبا 2004 كانت قياسية فمثلا لتقريب المقارنة كانت السيارة الفيرنا الجديدة فى 2003 تتخطى المائة الف جنيه والماتريكس 124الف جنيه بينما اصبحت الماتريكس بعد القرار ب 88 الف جنيه فقط ولذا فان سوق المستعمل كاد ان يكون مثاليا بعد ان تراجع التجار الذين زادت أعدادهم اضعافا مضاعفة نتيجة المعاش المبكر وخصصة قطاع الاعمال العام وايضا خسائر البورصة الكبيرة فى بدايات القرن مما حدا بهم الى الاتجار فى السيارت المستعملة اى ان اغلاق النشاط لاقتصادى امام صغار المستثمرين كان له اثر كبير على زيادة اعداد هؤلاء التجار ولكن بعد الصدمة التى تحدثنا عنها واقتراب السوق من نقطة التعادل والسعر العادل القائم على العرض والطلب حدثت مفاجأة كبيرة اعادت الامور الى ما كانت عليه حيث اصبحت السيارات الزيرو سوقا سوداء نظرا لان المنافسة ادت لحرب سعرية بين التوكيلات فى عام 2005 واصبحت السوق المصرية تستوعب مائتى الف سيارة اى اكثر من ضعف الرقم فى عام 2003 (82000 سيارة) واستمر الطلب بقوة فاصبح دفع عدة الاف من الجنيهات اكثر من السعر الرسمى ضروريا للحصول على السيارة المطلوبة ولذا فقد دخل تجار المستعمل فى هذه الحالة من باب الزيرو ولكن لما يمكن ان يقال عنه حجز مقدمات اى الانتظار على قائمة الزبائن وعند الاستلام يتم وضع اوفر على السيارة الجديدة او الانتظار لمدد قد تصل الى سنة فى بعض الموديلات واصبح الوضع الاجتماعى لتاجر السيارات مقبولا مما حدا بالكثير ممن لا مهنة لهم للحصول على اللقب ولا يزال المجال مفتوحا لغسيل الاموال المحرمة، اما التجار الاصليون اصحاب المهنة وهؤلاء من بدأوا عند الانفتاح فى نهاية عصر الرئيس السادات والسماح باستيراد السيارات المستعملة من الخارج فكثير منهم تركوا المهنة او لا يزالون فيها على استحياء نظرا لان الكيانات الجديدة ليست من المهنة اصلا فالمشكلة الحقيقية فى انتشار معارض المستعمل هى عدم التفتيش عليهم وفحص اوراق السيارات وتغاضى الاجهزة الرقابية عن بعض المخالفات. مناقشة اسباب ارتفاع اسعار السيارات بوجه عام والمستعملة بوجه خاص تستدعى الدخول الى مناطق اخرى بعيدا عن السيارات فانتشار الورش الصغيرة بكثافة وبناؤها على اراضى الدولة خاصة اراضى الرى وهى التى تقع على الطرق مباشرة جعل السيارات التى انتهى عمرها الافتراضى منذ وقت طويل قابلة للاصلاح فى تلك الورش وثانيا وجود بنزين رخيص مثل 80 يجعل تكاليف تشغيلها محتملة وطبعا عندما يصبح لتلك السيارات سعر فلابد من رفع سعر الافضل منها فقط للمقارنة سيارة بيجو 504 مضى على انتاجها اكثر من خمسة وثلاثين عاما ولكن بسبب انتشار هذه الورش وتلك النوعية من البنزين فهناك من يبالغ فى سعرها لتصل الى اكثر من ثلاثين الف جنيه. وسائل الاتصال وخصوصا الانترنت أسهمت فى رفع السعر اكثر! فمثلا ثورة الدوت كوم جعلت مواقع كثيرة تقوم بالاعلان عن السيارة المستعملة مجانا على الموقع لجلب اكبر عدد من الزائرين مما جعل تجار السيارات يقومون بعمل اعلانات كثيرة للسيارة وبالتالى طلب اى سعر فيقوم بائع اخر يريد ان يقيم سيارته ويرى تلك الارقام المبالغ فيها فيطلب رقما ليس اقل كثيرا وفى اعتقاده ان هذا سيؤدى الى سرعة البيع وفى سوق السيارات المستعملة بمدينة نصر يتحدث اسامة فاروق عن الاسعار فيقول انه باع سيارته اللادا بمبلغ عشرة الاف جنيه بعد شهور من عرض السيارة وعندما جاء للسوق للبحث عن سيارة اخرى وجد ان هناك من يطلب ضعف المبلغ فى سيارة شبيهة لسيارته المبيعة بل ربما الحالة اقل ويضيف انه لا يعتقد ان هؤلاء تجار فمظهرهم لا يوحى بذلك ولكن نظرا لأن اسواق السيارات اصبحت تحت سيطرة التجار ويقومون بحجز اماكن بعينها وهى افضل الاماكن اصبح الزبون الحقيقى فى حيرة من امره فهو لا يستطيع الفكاك من التجار سواء فى حالة البيع او الشراء فحتى مزادات بيع السيارات يسيطر عليها التجار حتى لا يستطيع الزبون الحصول على السيارة بسعر مناسب وطبعا الجهة التى تبيع تستفيد من هذا الوضع وفى النهاية يحجم الزبون الحقيقى عن حضور المزادات نظرا لزيادة اسعار كراسات الشروط لارقام غير مبررة فقد كانت فى السابق ومنذ بضع سنوات فقط فى حدود 30 جنيها الان اصبحت الكراسة ب200 جنيه واخيرا وليس اخرا دخول البنوك وشركات التمويل فى تمويل المستعمل نظرا للركود فى سوق الزيرو. وأخيرا يمكن القول بأن اسباب ارتفاع اسعار السيارات المستعملة فى مصر هو مؤشر للنشاط الاقتصادى بشكل عام وحق المواطن فى الحصول على سلعة ضرورية وبسعر مناسب.