في استطلاع رأي أجرته غرفة التجارة الألمانية- الروسية ل300 شركة ألمانية بروسيا, رفضت80% من الشركات استخدام آلية العقوبات الاقتصادية للضغط السياسي, وأقرت58% من هذه الشركات بأن الصراع في أوكرانيا و ما تلاه من توتر سياسي بين روسيا و الاتحاد الاوروبي أضر كثيرا بمصالحها الاقتصادية. ويوم الاثنين الماضي ناقش لاتحاد الاوروبي فرض جولة جديدة من العقوبات الاقتصادية علي روسيا, وذلك علي خلفية اتهام القادة الأوروبيين لروسيا بالتدخل في الصراع الدائر بين الحكومة والانفصاليين في أوكرانيا. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا, هل تؤثر هذه الجولات المتعاقبة من العقوبات علي الاقتصاد الروسي لدرجة تجبر فيها روسيا علي تغيير سياستها في أوكرانيا ؟ وهل تتأثر روسيا وحدها بهذه العقوبات أم ترتد في وجه الاتحاد الاوروبي لتؤثر سلبا علي اقتصاده المترنح في دوامة الأزمات الاقتصادية؟. وتمثلت العقوبات المفروضة علي روسيا في تجميد الأصول وحظر السفر- لبعض الشخصيات الروسية القريبة من دوائر السلطة بروسيا- بالإضافة إلي استهداف القطاعات المهمة مثل الطاقة والتسليح والتمويل وحرمانها من استخدام أسواق المال الأوروبية لعقد قروض طويلة الأجل. كما تم إلغاء صفقات تجارة الأسلحة بين روسيا والاتحاد الاوروبي, وهو ما بدا جليا في رفض فرنسا لتسليم حاملة الطائرات التي كانت روسيا قد دفعت ثمنها من قبل. وكان من نتاج قيام الاتحاد الاوروبي بذلك أن فرضت روسيا عقوبات مضادة, كان أشدها فرض الحظر علي واردات روسيا من الاتحاد الاوروبي من الفاكهة والخضراوات واللحوم ومنتجات الألبان. وقد واجهت روسيا عقوبات الاتحاد الاوروبي بالبدء في التوجه إلي الدول الصاعدة وعلي رأسها الصين, حيث عقدت مع الصين صفقة ضخمة تقدر بنحو400 مليار دولار لتصدير الغاز الطبيعي إلي الصين علي مدار30 عاما. وهو ما أعطي لروسيا قوة تفاوضية كبيرة في مواجهة الاتحاد الاوروبي الذي يستورد نحو30% من احتياجاته من الغاز الطبيعي من روسيا. كما اتجهت لتدعيم علاقاتها بدول الاتحاد السوفيتي السابقة وإنشاء اتحاد جمركي بينها باسم الاتحاد الاوراسي حتي تضمن بقاء هذه الدول في فلكها وعدم خروجها عن النفوذ الروسي. وهذا التوجه الروسي إلي تنويع العلاقات الاقتصادية ومحاولة إيجاد بدائل للاتحاد الاوروبي أدي إلي تقليل الخسائر الروسية إلي الحدود القصوي. وهنا تجدر بنا الإشارة إلي أن صندوق النقد الدولي قام بتخفيض معدل النمو المتوقع لروسيا في عام2014 ليصل إلي2,0% مقارنة بنحو3,1% في عام.2013 ولكن هذا الانخفاض في معدل النمو يرجع في معظمه إلي حالة عدم التيقن السائدة والتي أثرت بدورها علي بيئة الاستثمار وليس إلي العقوبات المفروضة علي روسيا. أما الاتحاد الاوروبي الغارق في أزماته الاقتصادية فإن العقوبات المفروضة علي روسيا أثرت علي كثير من دوله, خاصة أن حجم التجارة بين روسيا والاتحاد الاوروبي كانت قد تضاعفت ثلاث مرات خلال العقد الماضي لتصل في عام2012 لنحو336 مليار يورو.ومن الطبيعي أن تتأثر بعض دول اليورو أكثر من غيرها علي حسب مدي الاعتمادية المتبادلة بينها وبين الاقتصاد الروسي.فعلي سبيل المثال ستتأثر ألمانيا أكثر من غيرها نظرا لاعتمادها علي روسيا لتلبية أكثر من30% من احتياجاتها من الطاقة بالإضافة إلي أن روسيا كانت واحدة من اكبر الأسواق المستقبلة لصادراتها السلعية خلال العقد الماضي, حيث بلغت صادراتها لروسيا في عام2013 نحو30 مليار يورو. وطبقا لمجلة الايكونوميست انخفضت معدلات النمو في ألمانيا بنحو-2,0% في الربع الثاني من عام2014, متأثرة بالاضطرابات الجيوسياسية التي خيمت علي المنطقة عقب الأزمة الأوكرانية وما سببته من انخفاض للصادرات الألمانية لروسيا, بالإضافة إلي حالة عدم التيقن التي تسببت في أحجام المستثمرين عن ضخ استثمارات جديدة خوفا من المستقبل. ومن الجدير بالذكر أن قرار روسيا بحظر استيراد المواد الغذائية من الاتحاد الاوروبي اثر بشدة علي كثير من دوله, خاصة وأن حوالي10% من الصادرات الزراعية للاتحاد الاوروبي تذهب لروسيا. وعلي ذلك فإن الاتحاد الاوروبي لابد أن يكون مدركا تماما لأن العقوبات الاقتصادية من الممكن أن تؤثر علي اقتصاده المأزوم بشكل سلبي قد يفوق حتي تأثيرها علي الاقتصاد الروسي.كما يجب أن يعي أن العقوبات الاقتصادية لن تكون بالضرورة الحل الأمثل للتعامل مع روسيا. فإذا كانت دولا مثل كوبا وكوريا الشمالية صمدت في مواجهة العقوبات لسنوات طويلة دون أن تغير في سياستها, فإنه من الأحري أن تتفهم دول الغرب أن دولة بحجم العملاق الروسي لن تؤثر العقوبات الاقتصادية عليها كثيرا لدرجة تثنيها عن سياستها تجاه الأزمة الأوكرانية.خاصة أن روسيا تعتبر أوكرانيا بمثابة الفناء الخلفي لها وإن اي تمدد للاتحاد الاوروبي والناتو بها هو تهديد للأمن القومي الروسي. --------------------- باحثة اقتصادية بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية