الجمود السياسي في تايلاند ضرب المواقع السياحية في آسيا -------------- مؤخرا, فوجئ عشرات الآلاف من الروس وهم يستمتعون علي الشواطئ الإيطالية والمنتجعات التركية بمفاجأة غير سارة وهي أنهم قد تقطعت بهم السبل بعد إفلاس وكالات سفرهم, مما اضطرهم الي دفع ضعفي التذكرة للعودة الي ديارهم. فخلال ثلاثة أسابيع فقط أعلنت أربع شركات سياحية في روسيا إفلاسها, ووجد السياح الروس أنفسهم عالقين في الخارج. تركيا مثلا, وهي الوجهة السياحية المفضلة لحوالي3.5 مليون روسي, بدأت تطردهم. إفلاس شركات السياحة الروسية مجرد صورة من صور أزمة السياحة في بلدان التوترات السياسية في العالم. ولكن ماذا يحدث عندما تصاب وجهة سياحية باضطرابات سياسية واندلاع أعمال عنف وشغب كما حدث لشبه جزيرة القرم وتايلاند مثلا؟ ربما كانت شركات السياحة الكبري في روسيا هي الضحية الأولي للعقوبات الغربية والازمة الاوكرانية. لكن الأمر المؤكد أن الازمات والاضطرابات السياسية تؤثر الي حد كبير علي السياحة. وانهيار شركات السياحة أول مؤشر علي ركوب اقتصاد روسيا قطار الركود, بعدما خفض صندوق النقد توقعاته للنمو هذا العام الي0.2% من1.3%. وتشير النتائج الأولية لهيئة الإحصاء الروسية' روستات' إلي تباطؤ نمو الاقتصاد الروسي خلال الربع الثاني من العام الجاري حيث سجل نسبة نمو تبلغ0.8% مقابل0.9% خلال الربع الأول من العام. وتوقعت وزارة التنمية الاقتصادية الروسية نمو الناتج المحلي الإجمالي لروسيا خلال عام2014 بنسبة0.5% علي أن يتسارع هذا النمو ليصل إلي نسبة2% خلال عام2015. وتقول تقارير حديثة إن التدخل السياسي لروسيا في القرم والصراع الدائر حول شرق أوكرانيا دفع السياح الأوروبيين والأمريكيين إلي إعادة النظر في خطط عطلاتهم, ومع توالي إلغاء الحجوزات لدواع أمنية وسياسية حدث انخفاض حاد في تدفق السياح الأجانب إلي روسيا. وبحسب تقرير لموسكو تايمز وصل معدل الانخفاض في السياحة الروسية إلي25% مع توقعات بمزيد من التراجع. وتعد حالة القرم نموذجا من نوع آخر لتأثير الاضطرابات السياسية علي بيزنس السياحة. فهي من المناطق السياحية الجاذبة للسياح الأوروبيين, ولكن في ظل الأزمة السياسية التي تعاني منها شبه الجزيرة منذ انفصالها عن أوكرانيا تدهورت السياحة, حتي في الموسم الرئيسي, مع توالي إلغاء الحجوزات بشكل غير مسبوق. أسعار السلع في القرم ارتفعت40% في ظل سعي التجار الي محاولة تعويض انخفاض الايرادات. ووفقا لأحد مواقع الحجوزات الكبيرة, تراجع الطلب علي الفنادق في شبه الجزيرة إلي السدس مقارنة بعام2013. وفي رأي مراقبين أن المدهش في الأمر أن يكون هناك طلب علي الاطلاق. ووفقا لبيانات رسمية, يزور شبه الجزيرة حوالي ستة ملايين سائح كل عام, الذي يدعم صناعة توفر25% من الوظائف فيها. واذا أخذ في الاعتبار صناعة الخدمات المرتبطة بالسياحة, مثل الاغذية والنقل, فإن انخفاض السياحة قد يمثل كارثة بالنسبة لنصف اقتصادها. وتأتي الازمات السياسية في أشكال مختلفة, في بعض الاحيان تكون في شكل هجوم إرهابي أو مظاهرات واحتجاجات شعبية. والجمود السياسي الذي شهدته تايلاند من بين هذه الصور التي ضربت أحد أبرز المواقع السياحية في آسيا. أما الازمة الروسية- الاوكرانية فقد أحدثت نوعا من الفوضي في السياحة الدولية. والتهديد الجديد للسياحة العالمية يأتي من الحرب الداخلية المستمرة في العراق التي ستؤدي الي ارتفاع أسعار النفط فضلا عن البيئة السياسية غير المواتية في منطقة الشرق الاوسط. وبطبيعة الحال, الفوضي السياسية التي تلقي بظلالها علي قطاع السياحة ظهرت في العديد من الأوقات في تاريخ السياحة من قبل. ولكن في الآونة الاخيرة أصبحت كالوباء الذي ينتشر من مكان الي آخر. فمنذ ثورة الياسمين, الاضطرابات مستمرة في الشرق الأوسط. ومن المواقع السياحية التي تواجه مشاكل سياسية مؤثرة ايضا جزيرة زنجبار التي تقع سياسيا ضمن إطار دولة تنزانيا, وجغرافيا علي الساحل الشرقي لإفريقيا. الجزيرة السياحية الجميلة تتوقع أزمة سياسية في ظل تصاعد الجدل السياسي في العاصمة التنزانية دودوما, حول ما إذا كانت الجزيرة ستكون دولة مستقلة ومنفصلة عن الاتحاد البالغ من العمر50 عاما مع تنزانيا. وتتوخي صناعة السياحة الحذر بخصوص تطور الاوضاع هناك. اما في الشرق الاوسط فإن الاضطرابات التي أشعلتها ثورة الياسمين لاتزال تأثيراتها ملموسة وتداعياتها علي السياحة تزداد سوءا يوما بعد يوم. وعدم الاستقرار السياسي في الشرق الاوسط يجعل منها منطقة طاردة للسياحة باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي. كان من دول المنطقة الأكثر معاناة من تضرر السياحة بسبب الاضطرابات السياسية مصر, وذلك منذ عام2001. الخوف من زيارة بلد يعاني من حرب أهلية جعل من سوريا بلدا مهجورا من السياح, والتعافي من مثل هذه الازمة الطاحنة سوف يستغرق سنوات عديدة. ومنذ سنوات قليلة, تؤثر الفوضي السياسية في اليونان ايضا علي السياحة فيها ففي2012 علي سبيل المثال تراجعت حجوزات الفنادق فيها بنسبة50% بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في ذلك الوقت. ومن يومها أصبحت الاضطرابات السياسية مصدر قلق خطير بين السياح وكذلك الصناعة. علي الجانب الآخر من العالم, تعيش تايلاند تحت وطأة الأزمات السياسية منذ عدة أشهر, مما يهدد صورة العطلة الحالمة فيها, حيث كان قرار الجيش بالقيام بانقلاب عسكري ضربة قوية لصناعة السياحة فيها. ولكن في حين تقع أهم صناعة في البلاد تحت حماية الجيش تبددت الآمال في الأهداف الطموحة للنمو للعام الحالي. فبالرغم أن معظم السياحة تتركز في الجزر بعيدا عن العاصمة بانكوك التي تئن تحت وطأة المظاهرات, فإن إحصاءات هيئة السياحة تؤكدا تراجعا حتي وان كان طفيفا في عدد الزوار من أوروبا في ذروة الأزمة في أوائل عام2014, والآن هم أعلي5% من العام الماضي. ومع ذلك, إذا لم يتم اتخاذ, ليس فقط أوروبا بل العالم كله في الاعتبار, سيكون هناك تراجع أكثر من10%. وكان قد تقلصت أعداد السياح الوافدين إليها بنحو400 ألف خلال أول أربعة أشهر بحسب بيانات رسمية, ويتوقع مراقبون مزيد ا من الانخفاض, مما قد يهدد اقتصاد البلاد الذي يعتمد الي حد كبير علي إيرادات السياحة. بل ان نمو الصادرات قد تحول الي تراجع بسبب انخفاض صادرات الخدمات, التي تشمل السياحة. والصناعة الآن في عجلة من أمرها لوضع استراتيجيات لتعويض الخسائر, كثيرون قرروا خفض الأسعار بنسبة قد تصل الي50% لجذب السياح مرة أخري. وفي محاولة لطمأنة الاوروبيين حول الوضع السياسي فيها أكد مدير هيئة السياحة لتايلاند في ألمانيا لدويتشه فيله ان بلاده آمنة للسفر قائلا: إن الوضع طبيعي تماما وان العلاقة بين الجيش والناس, بما في ذلك السياح, ودية وقد أخذت السلطة سلميا لحل الاضطرابات السياسية و الصراعات. وقال خبير ألماني في الشأن التايلاندي لدويتشه- طلب عدم ذكر اسمه نظرا لحساسية المسائل السياسية في تايلاند- انه رصد الازمة منذ بدايتها قبل شهور ورأي أن الانقلاب العسكري في22 مايو في بانكوك أمر خطير. لكن مع ذلك, يبدو أن السياح بصفة عامة لا يلاحظون أي شيء. وأضاف أن صناعة السياحة تخلق الأماكن التي انفصلت إلي حد كبير عن السياسة التايلاندية والحياة اليومية. خلال الأزمة لم يكن عمليا هناك أي تواجد للجيش, علي الأكثر, الشرطة المدنية هي فقط التي تظهر في الخدمة في المناطق السياحية في بانكوك. ولكن أولئك الذين يغادرون العالم المثالي للسياحة, يدركون بسرعة ان الصراع لا يزال محتدما تحت السطح والجيش يجب أن يضمن هدوءا لحماية الاقتصاد, مصدر شرعيته, ولكن الاقتصاد في ركود تام في الوقت الراهن. وقال الخبير السياحي: اذا انخفض دخل سائق التاكسي أو صاحب بازار فجأة, فسيكون الوضع خطيرا بالنسبة للنظام العسكري. وهذا هو السبب في انهم يحاولون بكل الوسائل إنعاش السياحة ودفع الاقتصاد. وعلي سبيل المثال, يتم حاليا دراسة امكانية تخفيف شروط حصول السياح الصينيين علي التأشيرة. وبحسب إحصاءات مجلس السياحة والسفر العالمي فإن نصيب السياحة من الناتج المحلي الإجمالي التايلاندي يزيد علي20%, ولكن علي الرغم من كل الجهود التي تبذلها الحكومة العسكرية, فمن الواضح إصابة صناعة السياحة بخيبة أمل لعدم تحقيق طموحاتها في عام2013, حيث كان لديها هدف طموح بنمو السياحة وأصبح هدف زيادتها10% في2014 حلما بعيد المنال بعد الاضطرابات السياسية والانقلاب العسكري في مايو من العام الحالي.