آن الأوان لتقييم ما نقوم به حاليا من خطوات لتحقيق الاصلاح الاقتصادى من حيث العائد والتكلفة وذلك بهدف دعم الاثار الايجابية لهذا الاصلاح ومواجهة الاثار السلبية لتصحيح المسار اولا باول بما يكفل خروج مصر من عنق الزجاجة والانطلاق فى افاق التنمية التى تحقق للمصريين جميعا بشكل متكافئ فرص معيشة افضل. فلا شك ان المشروعات القومية الكبرى التى تبناها الرئيس السيسى من حيث الطرق والاسكان ومواجهة العشوائيات ومحور قناة السويس واصلاح 1.5 مليون فدان انما يحمل لمصر مستقبلا واعدا، ولكن كيف يتم تحقيق التوازن بين اثار المشروعات على المدى القصير والمتوسط والطويل؟ لقد شجع معظم الاقتصاديي ن الاتجاه الى تحرير سعر الصرف وذلك لجذب الاستثمار الاجنبى وتحديد التكاليف بشكل سليم وللاثار المحتملة على نمو الصادرات وخفض الواردات ،الا ان التعويم الذى تم بشكل مطلق وليس مدارا --كما كنا نتمنى- كانت له اثار سلبية خطيرة لم تتم دراستها من قبل الحكومة بشكل سليم يكفل اتخاذ الاجراءات والسياسات المطلوبة لمواجهة هذه الاثار، وسنتناول فيما يلى اهم هذه الاثار. الآثار السلبية لتعويم الجنيه: تتمثل اهم الآثار السلبية فيما يلى: - الارتفاع الكبير للاسعار الذى طال اهم السلع التى يستهلكها المواطن المصرى وعلى راسها الدواء ووفقا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء فقد ارتفع معدل التضخم مؤخرا الى 20٪ ولا شك ان للتضخم آثارا سلبية على اداء الاقتصاد وفرصه فى النمو بالاضافة الى الاثار السلبية على محدودى الدخل. - وتبدو الاثار السلبية الاكثر ايلاما فى التاثير على تكلفة الانتاج لقطاعى الزراعة والصناعة وهما الامل فى رفع معدلات النمو الاقتصادى وخلق فرص العمل وقد واكب تحرير سعر الصرف ارتفاع اسعار الكهرباء والغاز وتطبيق قانون القيمة المضافة وغيرها من مشكلات البيروقراطية والفساد التى تهدد الامال المعقودة على هذين القطاعين فى زيادة الصادرات وانتاج السلع التى تحل محل الواردات. - تلازم مع انخفاض قيمة الجنيه المصرى تجاه السياسة النقدية لرفع سعر الفائدة لمواجهة التضخم والدولرة ولا شك ان لذلك آثاره السلبية على تكلفة الاستثمار من ناحية ومن ناحية اخرى ارتفاع اعباء الدين العام المحلى واذا اضفنا الى ذلك الضغوط الناشئة عن ارتفاع التكاليف والمطالبة بمشاركة الحكومة فى ذلك وانخفاض مشاركة القطاع الخاص فى النشاط الاقتصادى (41٪)، فان هذه المؤشرات انما تهدد بشكل كبير استقرار الاقتصاد الكلى وهو من اهم اهداف الاصلاح الاقتصادى ويتطلب ان تكون هناك ادارة اقتصادية كفؤة على مستوى مجلس الوزراء لمتابعة هذه المؤشرات وتحليل اثارها حتى يمكن استباق وقوع الازمات بتجنبها من خلال سياسة اقتصادية رشيدة. الآثار الإيجابية: تتمثل اهم الاثار الايجابية لتحرير سعر الجنيه فى وضوح الرؤية لدى المستثمرين لتحديد تكلفة الانتاج بشكل واضح والقضاء على المضاربة على الدولار واتساق هذا التحرير مع المتطلبات الدولية لجذب الاستثمار الاجنبى المباشر والحصول على القرض الميسر لصندوق النقد الدولى وما يرتبط بذلك من المصداقية العالمية للاقتصاد المصرى. ولكن الاثار الايجابية الاكثر اهمية واستدامة هى الاستثمار الاقتصادى لانخفاض قيمة الجنيه، وتشجيع الصادرات والانتاج المحلى بديلا للواردات وجذب السياحة والاستثمارات الاجنبية. واذا كانت قرارات المجلس الاعلى للاستثمار انما تعضد هذا الاتجاه، فإن أداء الحكومة والمجتمع المدنى يبدو اقل من المأمول حتى الآن. فلم نجد حشدا للطاقات التصديرية فى مصر ورفع قدراتهم التنافسية، ما ينعكس على معدل نمو الصادرات حيث لا يتم ذلك فقط بسياسة دعم الصادرات التى تنتهجها الحكومة ولكن باستغلال الطاقات التصديرية الكامنة سواء لدى القطاع الخاص او قطاع الاعمال العام او القطاع غير الرسمى وفتح طاقات جديدة للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر فى مجالات الصناعات المغذية، وكذلك يتطلب الامر تنويع الهيكل الصناعى والزراعى ليس فقط طرح مجمعات للمشروعات الصغيرة - على الرغم من اهميته - ولكن توفير نماذج حاضنات وعناقيد صناعية لانتاج السلع التى تحل محل الواردات لكسر احتكار الصناعات القائمة ودعم الهياكل الانتاجية المصرية بما يسهم فى مواجهة التحديات الاقتصادية التى سبق التعرض لها، كذلك يتطلب الامر تحسين مناخ الاستثمار لجذب الاستثمار الاجنبى المباشر مع وضع تصور لدور هذا الاستثمار فى خدمة اهداف التنمية فى مصر. اما بالنسبة لاثر خفض قيمة الجنيه المصرى على السياحة فإن تنويع مصادر السياحة وكسر احتكار الشركات الاجنبية فى التسويق تعتبر مطالب اساسية لتحسين الاستفادة من السياحة كمصدر مهم للعملة الاجنبية. الآمال المعقودة على دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى مواجهة التحديات التى تعانى منها مصر ما زالت غير مستدامة حيث ان دراسة وتحليل وتقييم مبادرة الرئيس السيسى الخاصة ب 200 مليار جنيه بفائدة 5٪ تشير الى عدم نجاح هذه المبادرة حتى الان فى تحقيق اهدافها وذلك على الرغم من الجهود المميزة التى تقوم بها البنوك العامة وخاصة البنك الاهلى فى هذا المجال ويرجع ذلك لعدم وجود رؤية قومية خاصة بدور هذه المشروعات والقصور فى آليات استهداف الشباب وانخفاض نسبة المشروعات الجديدة بالنسبة للمشروعات القائمة ما يتطلب اهمية تفعيل هذه المبادرة لتحقيق اهدافها. وبعد فإن العرض السابق انما يشير الى ان الادارة الاقتصادية فى مصر تحتاج فى هذه المرحلة ما يأتى: - المراقبة الفعالة للمؤشرات الاقتصادية الكلية لتحقيق الاستقرار الاقتصادى الكلى (تضخم، بطالة، عجز الموازنة، عجز ميزان المدفوعات، استقرار سعر الصرف). - بناء نظام للمتابعة والتقويم لتفعيل الطاقات الانتاجية المصرية فى اتجاهين اساسين: تشجيع الصادرات والاحلال محل الواردات، وهو ما يتطلب التعاون بين الحكومة والمجتمع المدنى، وفى هذا الاطار ارى ان الاعتماد على الذات يجب ان يمثل ركيزة اساسية للتحرك فى ظل متغيرات اقليمية ودولية شديدة التغير والحدة، ولا يتناقض ذلك مع بذل كل الجهود لتشجيع الاستثمارات الاجنبية ولكن فى المجالات التى تتسق مع اولويات الدولة المصرية الاقتصادية. - ويجب ان يحقق هذا التفعيل فرصا متكافئة لكل افراد الشعب للاستفادة منه. وهذ هو مفهوم النمو الاحتوائى الذى لم نجد له على ارض الواقع حتى الان اثارا مباشرة. إن مصر انما تحمل آفاقا هائلة للنمو ولكن الامر يتطلب تكاتف الجهود والكفاءة فى الادارة الاقتصادية