عندما نتناول هذا المشروع فنحن نتناول مشروع القرن وبالتالي كان لزاما علينا أن نتناوله بطريقة علمية تلزمنا بالموضوعية والمصداقية والشفافية وذلك عن طريق ثلاثة محاور أساسية. المحور الأول: يتناول مجموعة من الحقائق تتلخص في أن حجم التجارة العالمية الآن يزيد علي22 ألف مليار دولار نصيب قناة السويس منها400 مليار دولار فقط, هذا إن دل فإنما يدل علي أننا بعيدون عن تحقيق نصيب عادل من حجم التجارة العالمية حيث نحقق من4 5 مليارات دولار فقط سنويا والنتيجة العلمية هي أننا بعيدون جدا عن استغلال موقعنا الملاحي الأهم في العالم. كما أنه منذ افتتاح قناة السويس عام1869 تعرضت السياسة العامة للدولة عام1882 للسيطرة علي الموقع الجغرافي الفريد والعبقري الذي ربط المشرق بالمغرب علي يد المهندس الفرنسي فرديناند ديليسبس الذي أشرف أيضا علي حفر قناة بنما بدولة كولومبيا عام1881 هذا المشروع الذي ادي الي انفصال بنما عن كولومبيا عام1903 بواسطة الأسطول الأمريكي ناشفيل. كذلك فان مشروع تنمية محور القناة ليس وليد اللحظة ولكن تم التفكير فيه عام1990 وأعيد طرحه عام2007 ولكن واجهته تحديات أهمها سوء حالة الموقع وإعاقة حركة الملاحة فضلا عما قد يسببه هذا المشروع من أضرار بالغة بمشروعات دول أخري في المنطقة خاصة بعض الدول الخليجية. حيث تم اختيار موقع المشروع علي أرض سبخة لا تصلح لأعمال البناء وبالتالي ستكلف الدولة عشرات الأضعاف من التكاليف كان يمكن تجنبها لو كانت علي اراض طبيعية كما أن إنشاء ميناء داخل القناة سيعوق الملاحة خاصة عند دخول سفن عملاقة والأهم أن تكلفة المشروع الحالي حوالي50 مليار جنيه ستوفر50 ألف فرصة عمل وبالتالي تصبح تكلفة فرصة العمل مليون جنيه في وقت تمثل تكلفة فرص العمل بالمشروعات الصغيرة50 ألف جنيه فقط. المحور الثاني ويتثمل في الموارد المتاحة أمام هذا المشروع الحقيقة أن العائد من هذا المشروع لن تحصل عليه الدولة بل المشروعات والشركات التي ستقوم بتنفيذ هذا المشروع والعائد الاقتصادي التي ستحصل عليه الدولة بطريقة غير مباشرة هو عائد الضرائب وعائد اجتماعي ناتج عن توفير فرص العمل حيث اشارت بعض الدراسات إلي ان هذا المشروع قد يوفر مليون فرصة عمل حتي عام2030. وباستثمارات تقدر بحوالي100 مليار جنيه ولكن العقبة أن هذا المشروع قد يغلب عليه الجانب السياسي وبالتالي يكون فشل الحوار المجتمعي وضمان التفاف الشعب عليه هو المنتظر مما يوجهنا نحو تكرار أخطاء الأنظمة السابقة التي كانت تقيم المشروعات الكبري بقرارات ديكتاتورية فوقية لمصلحة أشخاص معينة مما يكرس مرة أخري الرغبة في اعادة تدوير المؤسسات القديمة لمصلحة نخبة مستغلة جديدة وضمان وجود مؤسسات وكيانات اقتصادية مستخلصة تغذيها مؤسسات سياسية تضمن لها الاستمرار وانتشار ثقافة التربح وبذلك نبتعد عن تحقيق الهدف من النظام الاقتصادي الذي اشارت اليه المادة27 من دستور2014 الذي يهدف الي تحقيق الرخاء في البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية. المحور الثالث: طبيعة المرحلة التي نعيشها الان وهذا المحور من أهم المحاور لأن طبيعة المرحلة التي تمر بها مصر الان جعلت أمامها العديد من التحديات والتهديدات والمخاطر الجسيمة أهمها إقامة سد النهضة الاثيوبي بما يمثله من تحد حقيقي لأمن مصر المائي بل لوجود واستمرار الدولة المصرية وهو ما يفرض علينا ضرورة تحريك المجتمع الدولي لاتخاذ موقف واضح لادانة ما تقوم به اثيوبيا الذي يمثل انتهاكا واضحا للأعراف والقوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية علي عكس ما تقوم به مصر من الالتزام بهذا والحفاظ علي العلاقات الدولية القائمة علي الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وهو ما يتجلي في توقيع مصر علي اتفاقية1888 المعروفة باتفاقية القسطنطينية والالتزام بها حتي الان خلاف إثيوبيا التي ضربت عرض الحائط باتفاقية1929 التي ينص احد بنودها لا تقام بغير اتفاق سابق مع الحكومة المصرية أعمال ري أو توليد كهرباء او اي اجراءات علي النيل وفروعه أو علي البحيرات من شأنها انقاص مقدار المياه الذي يصل لمصر او تعديل تاريخ وصوله أو تخفيض منسوبه علي وجه يلحق ضررا بمصالح مصر عبارة صريحة واضحة تعطي لمصر حق الفيتو وما نؤكد عليه هنا ضرورة التلويح بالتزام مصر باتفاقية القسطنطينية وهذا يتطلب أن تكون القناة وضفتاها تحت السيادة الكاملة للدولة. والتحدي الآخر هو عدم الاستقرار في سيناء وبالتالي فإن تبني استراتيجية لمحور قناة السويس ينبغي أن يكون ملاصقا لتنمية سيناء حتي لا نكرر تجربة بنماوكولومبيا التي تلوح في الأفق الان بظهور مصطلح الاقليم وهو بداية فصل مصر القناة عن مصر النيل. وفي هذا الاطار فان ما تقوم به أي دولة هو انعكاس للتفاعل بين أمنها القومي وقدراتها علي مجابهة كل أشكال التهديدات سواء الخارجية أو الداخلية التي تكون انعكاسا لسياسات وتوجهات خاطئة من داخل النظام الأمر الذي يحتم علينا في نهاية هذا المقال أن نؤكد ان قدرة السلطة علي اتخاذ القرارات المناسبة ستكون له اكبر الاثر في تخفيف حدة التحديات والتهديدات سواء بمواجهة جذور الصراع في المجتمع والقائمة علي تضارب المصالح أو صراع الطبقات أو ازدواج المعايير او كليهما لتحقيق حماية للمجتمع من الداخل والمساهمة في تأسيس تنظيم متكامل وتفصيلي يسهم في تقوية نسيج المجتمع من جهة ومن جهة اخري القدرة علي مواجهة التحديات الخارجية المرتكزة علي استراتيجية شد الاطراف وابعادها عن النواة بهدف تشتيت النواة واضعافها كما أننا لا نريد إذابة هذا المشروع لكن لابد أن نستغل خصوصياتنا وهو الموقع وهي الميزة النسبية الوحيدة التي لابد أن نركز عليها فيمكن لمصر أن تسهم في تقديم خدمات للتجارة المارة في القناة والمقدرة ب400 مليار دولار فإذا أسهمنا ب10% فقط من قيمة هذه الخدمات نحقق عائدا40 مليار دولار وهو أكبر من دخل القناة الحالي بعشرة أضعاف أما إذا أسهمنا ب20% فسوف نحقق80 مليار دولار كافية جدا لحل جميع مشاكل مصر المستعصية وهذا يتوقف علي وجود ميناء محوري يستطيع أن يستقبل السفن العملاقة بجانب مراكز لوجستية تقدم الخدمات مع ضرورة وجود منطقة صناعية.. كل هذا يتطلب الحفاظ علي التوازن النسبي بين الابعاد الثلاثة التي يلزم توافرها عند الشروع في هذا المشروع وهي الحفاظ علي الامن القومي, التوافق مع الشريعة والدستور والجدوي الاقتصادية. وأخيرا لتكن إرادة الحق فوق كل إرادة لأنها جزء من إرادة الله. الأمين العام لمنتدي التنمية والسلام