تساؤلات عديدة ثارت فى الآونة الأخيرة بسوق السيارات صاحبتها حالة من التخبط فى البيانات والأرقام المعلنة استدعت فتح تحقيق مفصل وموسع حولها. تعلقت تلك التساؤلات بتراجع مبيعات السيارات %33 وتوقف البنوك عن تمويل قروض شراء السيارات وأثر ذلك على تعميق حالة الركود التى تضرب السوق حاليا، وكذلك انعكاسات القيود التى فرضتها الدولة سلبا أو إيجابا لتحجيم عملية الاستيراد وأثرها المتوقع على تعظيم المكون المحلى. التحقيق التالى يكشف حقيقة هذه البيانات من خلال حوارات أجراها مع المسئولين مباشرة ويستعرض آخر التقارير التى خرجت عن مجلس معلومات سوق السيارات «أميك». يقول عفت عبد العاطى رئيس شعبة تجار السيارات بالغرفة التجارية فى القاهرة إن ارتفاع أسعار السيارات مؤخرا تسبب فى انخفاض التمويل البنكى للعملاء لشراء السيارات وهو ما ترتب عليه حدوث حالة من الركود فى حركة الشراء بسوق السيارات خاصة فى ظل اشتراط البنك المركزى ألا تتجاوز قيمة القسط الشهرى للقرض 35٪ من راتب العميل. وبرر عبد العاطى سبب تراجع التمويل البنكى للأفراد فى مجال شراء السيارات بالتقسيط إلى أن ارتفاع أسعار السيارات لم تصاحبه زيادة فى دخول العملاء ومستهلكى السيارات، وبالتالى مع ارتفاع سعر السيارة يرتفع حجم قرض السيارة وبناء عليه ترتفع قيمة القسط الشهرى لهذا القرض بما يتجاوز 35٪ من قيمة مرتب العميل، وهو العنصرالذى كان يجب أن يتحرك انخفاضا ليتماشى مع التغيرات الجديدة فى اسعار السيارات. ويشرح عبد العاطى بشكل أكثر تفصيلا أن السيارة التى كانت قيمة قرض شرائها 100 ألف جنيه وبالتالى قسطها الشهرى على مدار خمس سنوات نحو 1600 جنيه بالنسبة لعميل راتبه الشهرى 5 آلاف جنيه أى بما لا يتجاوز 35٪ من راتبه وهو ما يتفق مع اشتراطات البنك المركزى، ولكن مع ارتفاع قيمة قرض السيارة نفسها إلى 150 ألف جنيه ليصبح قيمة القسط الشهرى 2500 جنيه أى ما يعادل 50٪ من راتب العميل الذى لم يتغير وبالتالى يتعارض ذلك مع قواعد البنك المركزى فتضطر البنوك إلى وقف التمويل حتى لا تكون مخالفة للقانون، وكل هذا بسبب ارتفاع أسعار الدولار وندرته فى السوق المصرى وهو الأمر الذى اضطر الدولة إلى تخفيض مخصصات العملة الأجنبية لاستيراد السيارات إلى النصف، وبالتالى ارتفاع أسعار السيارات المعروضة وارتفاع قسطها الشهرى بما يتجاوز ال 35٪ من الراتب الشهرى وعليه ضعفت عملية التمويل. ويرى عبد العاطى أن الاقتراح الذى يطرحه البعض لتجاوز الأزمة من خلال أن يكون مالك السيارة سواء كان وكيلا أو موزعا هو من يتولى بنفسه عملية التقسيط دون وجود قيود البنوك؛ يعتبره اقتراحا غير عملى نظرا لأن هدف الوكيل أو الموزع الأساسى هو البيع وتحصيل العملة نقدا حتى يتمكن من إعادة تدويرها مرة أخرى فى صورة شراء مزيد من السيارات وهى الميزة التى بالتأكيد سوف تتأثر لو لعب دور البنوك وانتظر تحصيل عوائد تقسيط السيارات شهريا. وفيما يتعلق بقرار الحكومة تخفيض مخصصات العملات الأجنبية اللازمة لاستيراد السيارات من الخارج يرى عبد العاطى أن هذا القرار كان من المفترض أن يشجع صناعة تجميع السيارات محليا وتوفير فرص عمل أكبر وتنشيط للحركة الصناعية فى هذا المجال ولكن كان ينبغى أن يكون مرحليا لأن كثيرا من مصانع السيارات اصابها نوع من الشلل الذى يعوق ضخ استثمارات لعملية تصنيع المكون المحلى البديل للمستورد فأصبحت هذه الميزة منعدمة، ما تسبب فى رفع أسعار السيارات المعروضة وعدم تنشيط المنتج المحلى بالفعل، وبالتالى كساد حركة البيع والشراء. وعلى عكس ما أثير حول تباطؤ البنوك فى تمويل تقسيط سعر السيارة خوفا من عدم قدرة العميل على السداد، قال عمر بلبع سكرتير المجلس المصرى للسيارات إن هذا الامر غير صحيح وما زالت البنوك مستمرة فى بيع السيارات بالتقسيط لانتشال السوق من حركة الركود التى يمر بها حاليا. مضيفا أن البنوك لديها آليات محددة لاختيار العميل وهناك دقة فى المعلومات والبيانات الخاصة به وهذا امر متعارف عليه. وأكد أن تراجع نسبة مبيعات السيارات فى السوق التى تجاوزت 03٪ سببها الرئيسى ارتفاع سعر الدولار وعدم توافره بالسوق الموازى، وهو ماتسبب فى خلق فجوة بين العرض والطلب على السيارات. أضاف بلبع أنه طلب من رئيس جهاز حماية المنافسة والاحتكار -الدكتورة منى الجرف- ضرورة أن تكون هناك مراقبة لحماية الوكلاء والمنتج المحلى.. فضلا عن ضرورة فتح باب الاستيراد من بلد المنشأ وبالتالى يكون له أثره على تنشيط مبيعات سوق السيارات. وللخروج من أزمة ارتفاع سعر الدولار وعدم توافره فى السوق السوداء يقترح بلبع أن تلجأ الدولة لاعادة »الدولار الجمركى« بمعنى أنه اذا كان سعر الدولار 08.8 جنيهات والدولة اعطت الاولوية للسلع الغذائية باعتبارها سلعا اساسية فمن الممكن أن تضع للدولار سعر 01 جنيهات للدولار الواحد المستخدم فى استيراد السلع الترفيهية مثل السيارات شريطة أن يكون متوافرا بهذا السعر فى أى وقت وبأى كمية وذلك سيكون له مردود ايجابى على حركة السوق. وأوضح أن رسوم الجمارك والضرائب سبب من أسباب ارتفاع سعر السيارة فالشراكة الاوروبية على سبيل المثال من شأنها تخفيض رسوم الجمارك على السيارات المستوردة 01٪ بشكل تدريجى حتى تصل إلى صفر٪ عام 9102 وبالتالى تصبح السيارات المستوردة ليس لها رسوم جمركية وفى المقابل السيارات المجمعة محليا لها رسوم جمركية ومن الممكن أن يصبح سعر السيارة أعلى من المستوردة وبما إن المصريين لديهم عقدة الخواجة فسيقبلون على شراء السيارات المستوردة على حساب المجمعة محليا.. وبالتالى فلا بد أن يقابل تخفيض الرسوم الجمركية على المستورد تخيفيض ايضا فى الرسوم الجمركية الخاصة بالمكونات المحلية المستخدمة فى تصنيع السيارة. ويرى حسين سليمان رئيس رابطة مصنعى السيارات أن شهر رمضان من كل عام يشهد انخفاضا فى مبيعات السيارات وصاحبت ذلك مجموعة من القرارات الخاصة بترشيد الاستيراد وارتفاع سعر الدولار ما أثر على استيراد المكون المحلى وبالتالى ارتفعت اسعار السيارات بنسبة تتراوح بين 02٪ و52٪ وهو ما كان له مردود سلبى على القوى الشرائية لسوق السيارات.. فالسيارات التى كان سعرها حوالى 001 ألف جنيه أصبح سعرها 521 ألف وفى بعض الاحيان يصل إلى 051 ألف جنيه. ويقترح سليمان أن يبادر الموزعون والشركات ببيع السيارات بالتقسيط مع أخذ الضمانات الكافية أو استبدال السيارات القديمة بأخرى جديدة لتنشيط حركة المبيعات بالسوق. أضاف أن البنوك كانت تفتح اعتمادات مستندية لاستيراد كامل المكون الاجنبى لتغذية الصناعة المصرية دون أن نلجأ للسوق الموازى قبل قرار تقييد الاستيراد الذى أطلقته الحكومة منذ 3 أشهر الا أنه بعد القرار تبدل الحال وأصبحت البنوك فى حالة خصام تمويلى معنا، وأصبح اعتمادنا على استيراد مكون الصناعة على السوق الموازى الذى يشهد تذبذبات سعرية لا يمكن من خلالها إعمال عقود بأسعار ثابتة أو توقع السعر النهائى فى سوق يشهد حالة ركود ضخمة تزيد من اوجاع صناعة السيارات فى مصر. من جهته اختلف الدكتور مصطفى بدرة خبير التمويل مع ما يثار حول تراجع التمويل البنكى لشراء السيارات، مؤكدا أن البنوك ما زالت مستمرة فى تمويل قروض شراء السيارات إلا أن إقبال المستهلك نفسه للحصول على قروض السيارات قد تأثر بشكل نسبى نتيجة ارتفاع أسعار السيارات كنتاج غير مباشر لارتفاع سعر الصرف. ويقترح بدرة سبيلا للخروج من هذا المأزق من خلال لجوء الدولة إلى تشجيع الاستثمار المباشر من قبل مصنعى السيارات داخل مصر على أن تتجاوز نسبة المكون المحلى 30٪ من مكونات السيارة وهو ما سيرفع عن كاهل الدولة الكثير من أعباء هذه الصناعة. لكن بدرة يتخوف مما أسماه ب»البيروقراطية» التى قد تعوق من وجهة نظره هذا المقترح لأن الاستثمار المباشر يحتاج إلى تيسيرات إدارية مثل إتاحة الأرض والعملة الأجنبية اللازمتين لهذه الصناعة، داعيا مصنعى ماركات السيارات العالمية إلى تحويل نحو نصف مكونات هذه الصناعة إلى دورة الإنتاج المحلى خاصة فى ظل وجود نشاط اقتصادى جيد قادر على تنفيذ هذا المقترح. ويتوقع بدرة أن يستمر الركود فى حركة البيع والشراء بسوق السيارات فى الربع الثانى من العام كما كان الحال فى الربع الأول وذلك نظرا لوجود عوامل مضادة خارجة عن إرادة الحكومة مثل ارتفاع سعر الصرف، مقترحا فى سبيل تجاوز هذه المشكلة التفاوض مع المستثمرين لزيادة الاستثمارات الممولة من الخارج بما يساعد على تثبيت سعر الصرف بصورة أفضل.