كان الخبر الاقتصادى الأهم مؤخرا هو قرار حكومة مصر بمواصلة التشاور مع صندوق النقد الدولى لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي. بعد سلسلة من المشاورات. حيث جرت جولتان كان القرض المستهدف فى أولاهما 3.2 مليار دولار. وفى الثانية كانت قيمة القرض 4.8 مليار دولار. والآن ارتفع هدف تمويل المساندة إلى 12 مليار دولار. ولا شك أن إقدام الحكومة على هذه الخطوة يكتب لها فى سجل جهود استعادة أداء الاقتصاد المصرى لمعدلات تتناسب مع تطلعات المصريين لحياة أفضل وتوزيع عادل للدخل يراعى الأبعاد الاجتماعية وحقوق الطبقات الأكثر احتياجا. وقد بدأت يوم 6 أغسطس مفاوضات بعثة الصندوق ومصر لدعم برنامج الإصلاح. ويرأس البعثة كريس جارفيس. وهو بريطانى يعمل مستشارا للصندوق من 20 سنة. وقبل زيارته كتب «جارفيس» مقالا يقول فيه إن النمو المنخفض والبطالة المرتفعة وتزايد معدلات الفقر فى مصر تتزامن مع جوانب ضعف تشوب هيكل الاقتصاد المصرى منذ ما قبل 2011 . نتيجة عدم كفاءة نظم الدعم، وقواعد تنظيم مناخ الأعمال، والبنية التحتية الضعيفة، والفرص المحدودة للحصول على التمويل، وضعف القدرة على المنافسة الخارجية. وأكد «جارفيس» فى تصريحات صحفية أن الصندوق على استعداد للتعاون مع مصر ودعمها. وتسعى مصر إلى جانب قرض الصندوق بمبلغ 12 مليار دولار للحصول على 3 مليارات دولار من البنك الدولى، ومليار ونصف مليار دولار من البنك الإفريقى للتنمية و3 مليارات دولار سندات دولارية فى أكتوبر 2016 ومليار دولار من المملكة العربية السعودية. وتكمن المشكلة الأكثر إلحاحا فى أنه الى جانب عجز الموازنة وتراجع الإيرادات بالنقد الأجنبى وأزمة السياحة وانخفاض الصادرات، وعبث المضاربين فى تحويلات المصريين بالخارج، فإن مصر أنفقت خلال السنة المالية 2013/2014، أكثر من 6٪ من إجمالى ناتجها على دعم الوقود - وهو ما يتجاوز نسبة النمو المستهدفة. وقال «جارفيس» إنه يمكن معالجة الأمر بمجموعة السياسات الاقتصادية التى بدأت مصر فى تنفيذها منذ الصيف الماضي. وتحقق وفورات كبيرة، تتيح مساندة الفئات محدودة الدخل، وزيادة موارد تحسين مستويات معيشة الفقراء، والاستثمار فى الطرق والتعليم والصحة والكهرباء، بتمويل جزئى من الوفورات الناشئة عن الإصلاح. ويضيف «جارفيس» أن هناك سياسات اقتصادية أخرى كمرونة سعر الصرف التى تعزز التنافسية، وتجذب الاستثمار والسياحة وتدعم الصادرات، وتخلق فرص العمل والنمو الطويل الأجل، ورفع مستويات المعيشة. وهنا يعتبر تحريك سعر صرف الجنيه المصرى مؤخراً بمثابة خطوة فى الاتجاه الصحيح. وهناك خطوات يمكن اتخاذها لتحسين كفاءة النظام المالي. مثل توسيع نطاق الخدمات المالية وزيادة الائتمان للأعمال الصغيرة المولدة لفرص العمل. وتحقق مصر تقدماً فى هذا المجال أيضاً. ومع تطبيق السياسات الصحيحة، ستتمكن الحكومة من تلبية آمال وتطلعات المصريين. ويمكن أن تساعد المثابرة فى تنفيذ الإصلاحات على استعادة الاستقرار الاقتصادى وإعطاء دفعة للوظائف والنمو. وسيظل الصندوق ملتزماً من جانبه بمساعدة مصر على تحقيق مستويات معيشية أفضل. وفى خضم التوقعات الايجابية للإصلاح الاقتصادى المصري، ونجاح المباحثات مع الصندوق. ألقت مجلة الايكونومست البريطانية، بحجر فى المياه الصافية بتحقيق عن مصر فى عددها الأخير، خلطت فيه الاقتصاد بالسياسة. بينما لم يوفق التحقيق فى تقديم عرض تسانده حقائق أو بيانات سليمة، فقد قفز لاستنتاج (اخواني) الهوي. ادعى فيه أن حل مشاكل مصر الاقتصادية يكون فى عدم ترشح الرئيس لفترة قادمة. وقفز مرة أخرى فى الهواء ليناقش أوضاع الديمقراطية وممارسات حقوق الإنسان. الأمر الذى يتنافى مع طابع المجلة المعتدل ذى الطابع الفنى المحترف. فادعت أن مصر على غير ما يقول به الخبراء تنهار. وعرضت وجهة نظر مساندة لموقف بلدها (بريطانيا) ولمواقف بعض الدول الأوروبية التى تنتقد أوضاع حقوق الإنسان فى مصر. وكلنا بالتأكيد نحرص على التمسك بمبادئ الديمقراطية وممارسات حقوق الإنسان من أجل مصر وشعبها. وليس أبدا لإرضاء أى طرف أجنبي. فمصر وفقا لآراء كل الخبراء والمختصين أبعد ما تكون عن الإفلاس أو الانهيار. وأقصى القول هو إننا نواجه عجزا فى السيولة (الميزانية وعمليات التجارة الخارجية). ويعنى الإفلاس أو الانهيار، العجز عن سداد المديونية. بينما مصر قادرة على سداد مديونياتها الخارجية دون أدنى تأخير. ويمثل الدين الخارجى نحو 16٪ من ناتجها القومى وهى نسبة أكثر من معتدلة. ويتطلب الأمر خفض الدين الداخلى وهو ما تعمل عليه الحكومة بخفض الإنفاق وترشيد الدعم وإدارة الواردات خاصة الكمالية. وترقية نظام التوظيف للقطاعين الحكومى والعام. وزيادة كفاءة تحصيل الضرائب. وتطوير ضريبة المبيعات لتشمل ضريبة القيمة المضافة. وتعبر مفاوضات مصر والصندوق عن ثقة المجتمع الدولى فى قدرة الاقتصاد على عبور المرحلة الحالية. ولعل الايكونومست قصدت الضغط على مصر للقبول (بنصائح) الصندوق. وهو ليس بحاجة للاستعانة بأحد فى مشاوراته مع مصر. فما الذى يمكن أن يطلبه الصندوق من سياسات لا ترغب فيها مصر ؟