في تصعيد جديد للحرب الالكترونية المشتعلة بين اكبر اقتصادين في العالم منذ سنوات, تتجه واشنطن, من خلال مجموعة من الإجراءات والتشريعات المقترحة, الي فرض عقوبات صارمة علي القراصنة الصينيين. وذلك بعدما وصل الغضب إزاء سرقة الاسرار التجارية للشركات الامريكية الي نقطة سياسية فارقة بتصدر القضية أجندة العلاقات الامريكية الصينية. فوسط قلق متزايد من تكرار الهجمات الالكترونية بدأ المسئولون الامريكيون اخيرا في مواجهة المشكلة علنا بعدما تبين عدم جدوي الدبلوماسية الهادئة, وفي اطار سياسة التشهير والفضح اصدرت شركة مانديانت للامن المعلوماتي, في شهر مارس الماضي, تقريرا يتهم الجيش والحكومة الصينية برعاية هجمات الكترونية علي وزارة الدفاع, شركات للطاقة والبنية التحتية والبريد الالكتروني لمسئولين وصحفيين امريكيين. وفي الاسابيع الاخيرة اصدرت لجنة بقيادة المدير السابق للاستخبارات دينيس بلير والسفير السابق لدي الصين جون هانتسمان تقريرا يتهم الصين بالمسئولية في50 80% من سرقات الملكية الفكرية الامريكية كان كتاب السطو الصناعي الصيني قد تحدث عن فلسفة عدم الاعتراف بشرء وانكار كل شيء حيث تتبع بكين سياسة انكار جميع التهم. ولكن وفقا للجنرال كيث ألكسندر مدير وكالة الامن القومي فإن ما يحدث هو اكبر نقل للثروة في التاريخ. وبالرغم من صعوبة خسائر الاختراقات والهجمات الالكترونية علي الشركات الامريكية فان مجموعة سيمانتيك للبرامج الامنية قد وضعت تقديرا لخسائر الشركات الامريكية بسبب سرقات ملكية فكرية بنحو250 مليار دولار سنويا. اما تكلفة الجرائم الالكترونية علي المستوي العالمي فقدرتها مجموعة مكافي المنافسة بألف مليار دولار سنويا. ومن ثم, تدرس إدارة اوباما, اعضاء الكونجرس ومراكز الابحاث التي تقدم لهم المشورة وسائل معاقبة القراصنة الصينين وغيرهم. والبداية, كما اوضح, مايك روجرز رئيس لجنة الاستخبارات الامريكية, ستكون بارسال رسائل الي بعض الدول, خاصة الصين, مفادها ان التجس الاقتصادي عواقبه وخيمة. ولكن, بالرغم من تصاعد الضغوط السياسية للتعامل مع سرقة الاسرار التجارية, فإن هناك مشكلتين كبيرتين الاولي فيما يتعلق بقابلية الاجراءات المقترحة للتطبيق والثانية, بالنظر الي انكار الصين للاتهامات الامريكية فان محاولات العقاب كرد انتقامي تثير مخاطر نشوب حرب تجارية بين اكبر اقتصادين في العالم. وهنا يبدي مسئول تجاري سابق مخاوفه إزاء تصاعد التوتر حول القرصنة الالكترونية بما قد يلحق الضرر بالنظام التجاري العالمي ويقول ان ازمة الكساد العظيم لم تتسبب في تصاعد الحمائية, علي الرغم من توقعات الكثيرين, ولكن القرصنة الالكترونية قد تفعل ذلك. وحرب الاتهامات اشتعلت بين الولاياتالمتحدة والصين. فردا علي الاتهامات الامريكية, قالت صحفية الشعب اليومية صوت الحزب الشيوعي الصيني في تعليق لها علي القضية ان الولاياتالمتحدة هي امبراطورية القرصنة الحقيقية. يذكر ان جميع الدول تمارس اعمال التجس, سواء علي الدول الصديقة أو المنافسة, ويتركز اهتمامها علي الخطط السياسية والقدرات العسكرية. ولكن ما يثير قلق واشنطن هنا هو تجاوز الصين نطاق عمليات التجس التقليدية وسرقة اسرار تجارية وتسليمها بعد ذلك الي الشركات في شكل استراتيجية مستمرة منذ سنوات تكتسب زحما متزايدا. وما يهم الادارة الامريكية, وفقا لتقييم استخباراتي جديد, هو التهديد الذي تمثله السرقات الالكترونية للتنافسية الاقتصادية للبلاد مما دفع مؤخرا احد مستشاري الرئيس اوباما للامن القومي لاول مرة علنا اتهام بكين بتصاعد الهجمات الالكترونية علي نحو غير مسبوق. وجهود الادارة الامريكية لن تقتصر علي الضغوط الدبلوماسية واحد المقترحات التي قدمتها لجنة تدعي مهمة مكافحة سرقة الملكية الفكرية الامريكية هو تشديد قوانين التجارة بما يسمح للسطات الامريكية حظر واردات السلع المخالفة لقوانين حماية الملكية الفكرية. وذلك من اجل الضغط علي الشركات الصينية للاختيار ما بين التواجد في السوق الامريكي وبين سرقة الملكية الفكرية. وفي نفس السياق, قدم السيناتور الجمهوري جون ماكين ومجموعة من اعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين, مشروع قانون يلزم أجهزة الاستخبارات الامريكية بنشر قائمة بالتكنولوجيات المسروقة والمنتجات المستخدم فيها ملكية فكرية مسروقة وكذلك الدول المتهمة بالتجس التجاري, ومطالبة الادارة بفرض حظر علي واردات من الشركات العامة في هذه الدول او أي سلع تنتجها شركات استولت علي ملكية فكرية امريكية. ولكن من ناحية اخري, يبدي مسئولون سابقون قلقهم ازاء مثل هذه الاجراءات التي يشوبها الصعوبات. ويقول احد المحللين ان أيا من التحقيقات التي تلاحق القراصنة الصينيين لم تفصح علي الاقل علنا عن شركة صينية واحدة حصلت علي ثمار هجمات إلكترونية واذا كان المسئول عن معظم الاختراقات الالكترونية هو الجيش الصيني, كما تزعم شركات أمن ومسئولون امريكيون, فانه من الصعب تحديد الشركات المستفيدة. وهنا يقول خبراء الامن المعلوماتي ان نقص الشفافية يؤدي الي تعقيد استراتيجيات التعامل مع القرصنة ليكون الحل بالنسبة للشركات الامريكية هو حماية نفسها بزيادة مستويات الحماية والاجراءات الاحترازية. والواقع, ان الذين يعرفون بالفعل أيا من السلع والشركات المستفيدة من السرقات الالكترونية هي الشركات الامريكية التي تمت سرقة تكنولوجياتها لكن هذه الشركات تمتنع عن الدخول في مثل هذه التحقيقات خوفا من التعرض للاضطهاد من جانب السلطات الصينية, فالشركات الاجنبية في الصين تواجه عمليا تداعيات سياسات تمييز الشركات الصينية علي حساب الشركات الاجنبية. وهناك صعوبات اخري تتمثل في صعوبة التوصل الي دلائل علي ان شركات صينية محددة قد استفادت من التكنولوجيات المسروقة. وكذلك صعوبة اتخاذ الاجراءات اللازمة بالسرعة الكافية لمنع وقوع الاضرار. من ناحية اخري دخول الاستخبارات الامريكية في النزاعات التجارية قد يضعها في موقف حرج ويجعلها تكشف عن مصادرها في حين ان ابرز الوسائل الفعالة التي تستخدمها للحصول علي المعلومات هو القرصنة. اقترح اخر, هو منع منح تأشيرات للقراصنة المتهمين فهناك مشروع قانون بمنع القراصنة من دخول الولاياتالمتحدة وتجميد اصولهم فيها. وهذا الاقتراح يستهدف القراصنة مباشرة لكن تسمية وإحراج كبار المسئولين الصينين يمكن ان تثير مشاكل سياسية بوضعهم في قائمة تضم تجار المخدرات والارهابيين وهو ما سيشعل ازمة دبلوماسية في وقت تسعي فيه إدارة اوباما لتحسين علاقاتها مع الجيش الصيني من اجل ملف التنافس في غربي الباسيفيك. يري رئيس مجموعة مانديانت ان الضغوط السياسية وحدها لا تكفي لحل مشكلة القرصنة الالكترونية وان التدخل الرئاسي قد يفيد. لكن الواقع ان بكين تنفي دائما ان يكون لها علاقة بأي من الهجمات الالكترونية التي تتعرض لها الشركات الامريكية. وفي اجتماع الرئيس الامريكي ونظيره الصيني في ولاية كاليفورنيا قبل اسابيع قليلة, قلل شي جي بينغ من خطورة ازمة التجس الاقتصادي بينما اعترف اوباما بعد محادثات استمرت عدة ساعات بوجود نقاط خلافية من بينها الهجمات الالكترونية. يقول البعض ان الصين ليست وحدها المسئولة عن سرقة الافكار الامريكية, ووفقا لمسئولين امريكيين سابقيين قائمة الدول التي تمارس التجس التجاري علي الولاياتالمتحدة تشمل دولا صديقة مثل فرنسا. ويعتقد بعض الخبراء أن هناك فجوة كبيرة بين قدرات القراصنة الصينين في سرقة الملكية الفكرية للتكنولوجيا الامريكية وبين قدرة الشركات الصينية التي تحصل علي الاسرار التجارية علي استخدامها. ويشير أحد هؤلاء الخبراء الي افتقار الصينيين الي التاريخ والقدرة الابتكارية اللازمة. ويقول انه حتي اذا نجحوا في تقليد الجيل الاول من المنتج فان الجيلين الثاني والثالث سيعانيان من السطحية.