فرضت مشكلة العمالة البحرية المصرية نفسها علي الساحة بقوة خلال الشهور الماضية وتحديدا بعد أول وقفة احتجاجية في27 سبتمبر من العام الماضي تبعها تأسيس عدة روابط و حركات احتجاجية عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت مسمي' التراس أعالي البحار' و' رابطة البحري اليوم' و' رابطة البحرية التجارية للاصلاح و التغيير', لتشهد الاسكندرية وقفة احتجاجية جديدة, طالبوا خلالها بضرورة عودة وزارة النقل, كما طالبوا بضرورة إحياء فكرة إنشاء شركة مصرية لتوظيف العمالة البحرية وتأسيس بنك بحري يتبني مشروعات بحرية للنهوض بهذه الصناعة وانتشالها من حالة التردي التي تمر بها الآن. وفقا للبيانات التي نشرها الموقع الالكتروني لقطاع النقل البحري فإن هناك ثلاثة عشر اأف وخمسمائة ضابط بحري حاصلون علي جوازات سفر للعمل علي السفن البحرية حسب احصائية عام2009 فيما يستوعب سوق العمل علي السفن المصرية مائة وخمسين ضابطا فقط. علي هذه الخلفية يقول محمد سليمان ضابط بحري خريج الاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا و النقل البحري دفعة2005 ومؤسس رابطة' التراس أعالي البحار', إن بداية المشكلة كانت مع تحول الاكاديمية لقبول اعداد في قسم النقل البحري بشكل مبالغ فيه, فبعد أن كانت اعداد الدفعات تتراوح ما بين150 و200 طالب اصبحت2000 طالب مما يمثل ضغطا كبيرا علي سوق العمل البحري, وقد نتج عن ذلك مشكلة أخري تتعلق بالتدريب العملي, حيث تمتلك الاكاديمية مركبا تسمي عايدة منحة من اليابان لا تستوعب أكثر من150 طالبا, وكان التدريب إجباريا, ولكن بعد الزيادة الغفيرة في أعداد المقبولين أصبح اختياريا وبمقابل مالي كبير جدا, مما أفرز ظهور فئة جديدة من السماسرة يساومون الطلاب مقابل منحهم شهادات الخبرة بأموال أيضا مبالغ فيها لوضعها ضمن مسوغات التعيين. ويتفق معه في الرأي يونس عادل ضابط بحري وعضو مؤسس برابطة' البحري اليوم' مؤكدا أن الطامة الكبري التي لحقت بسوق العمالة البحرية من ضباط و مهندسين بدأت مع بداية الألفية الثالثة وبالتزامن مع تصفية الاسطول المصري وبيع وتخريد اغلب السفن المملوكة للشركة القابضة, بالاضافة الي دخول ضباط اللاسلكي سوق العمل البحري بالمخالفة للقانون وقاموا بتغيير مسارهم عن طريق عمل معادلة داخل الاكاديمية يتحول بموجبها الي ضابط بحري. ويضيف يونس قائلا إنه مما زاد الطين بلة انضمام خريجي قسم الصيد بالاكاديمية الذين يدرسون فقط للعمل علي سفن الصيد وهذا يظهر بوضوح من خلال لون جوازات سفرهم المختلف عن جواز سفر ضباط البحرية, ومايدعو للدهشة أيضا قيام الاكاديمية بتعديل مسارهم عبر معادلة يحصلون عليها من الاكاديمية للتخرج كضباط بحر. وعلي صعيد متصل يري رأفت بيشوي ضابط بحري أن المراكب السورية التي كانت تستوعب اعدادا من مهندسي وضباط البحرية المصريين لم تعد قادرة الآن علي استيعاب اي مصري خاصة أن جميع العاملين أصبحوا مطلوبين لدخول الجيش ومن ثم فهم لا يغادرون المراكب السورية. كما اشتكي بيشوي من الاجراءات العقيمة التي تفرضها البيروقراطية المصرية لاستخراج التأشيرات اللازمة لخروج أي ضابط بحري للعمل علي أي مركب بالخارج خاصة أن اغلب هذه الفرص تأتي بشكل سريع لا يحتمل الوقت الطويل لحصول أي ضابط علي التأشيرة او حتي تجديدها. ومن جانبه يري د. محمد الحداد خبير النقل البحري أن السبب الرئيسي وراء زيادة أعداد العاطلين من خريجي الاكاديمية هو انحراف الاكاديمية عن مسارها الحقيقي الذي انشئت من أجله, و يدلل علي ذلك من تغير اسمها من الاكاديمية العربية للنقل البحري الي الاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري بحيث اصبح النقل البحري في مؤخرة اهتماماتها, بالاضافة الي انها تحولت الي منشأة تجارية تسعي الي الربح, فاصبحت تقبل اعدادا كبيرة من الطلبة دون ربط ذلك بسوق العمل المصري و باعداد تفوق استيعاب الاسطول المصري المضمحل يوما بعد يوم وبشكل ممنهج حيث اصبحت الشركة المصرية للملاحة البحرية' الاسطول الوطني المصري' و التي هي اندماج شركة خطوط البوستة الخديوية' عبود باشا سابقا' وشركة اسكندرية للملاحة' يحيي باشا سابقا' و شركة مصر للملاحة' بنك مصر- طلعت حرب باشا سابقا' التي تم تأميمها بعد الثورة ليصبح هذا الاسطول حاليا عبارة عن8 سفن فقط في حاجة الي تخريد ولا يمكن بأي حال من الاحوال استيعاب هذه الاعداد من الخريجين,وأعزي عزوف الشركات الملاحية الاجنبية عن الاستعانة بالعمالة المصرية لتدنيها في المستوي التعليمي و التدريبي بسبب أسلوب الاكاديمية. ويري د. الحداد أن علاج هذه المشكلة بالاساس يكون في اعادة تأهيل هؤلاء الخريجين علي نفقة الاكاديمية حتي يتوافقوا مع متطلبات السوق الملاحي, بالاضافة الي ضرورة تعيين بعض منهم في أعمال الارشاد داخل الموانئ و عمال التفتيش البحري ومراقبة دولة الميناء ومكافحة التلوث البحري و الانقاذ البحري و برج المراقبة و ذلك بعد خضوعهم لدورات تدريب وتأهيل كما يجب إيقاف استخراج جوازات السفر البحرية ووقف قبول دفعات أخري بالاكاديمية لحين إعادة تأهيل العمالة الموجودة حاليا وتسويقها في سوق العمل العالمي*