عبد الرحيم رجب عزيزي القارئ ما من مسلمٍ إلا ويعلم الأشهر الحُرُم؟ ولكن القليل منا من يعرف أحكامها الشرعية؟ وما يجب على المسلم فيها؟ وهل أحكامها مقتصرة على الجهاد فقط أم هناك أمور أخرى يجب مراعاتها؟ فالأشهر الحُرُم؛ هي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرَّم ورجب؛ كما جاء عن نبينا الكريم –صلوات الله وسلامه عليه- حيث قال: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا منها أربعة حُرُم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرّم، ورجب شهر مُضر الذي بين جمادى وشعبان"، وقد سمَّى النبي -صلى الله عليه وسلم- المحرَّم "شهر الله"؛ وذلك للدلالة على شرفه وفضله، وقد قال عن فضله الإمام الحسن البصري: "إن الله افتتح السنة بشهرٍ حرام، واختتمها بشهرٍ حرام، فليس شهر في السنة بعد شهر رمضان أعظم عند الله من شدة تحريمه". المحرَّم؛ سُمِّي بهذا الاسم؛ لأنّ القتال كان لا يُستحلُّ فيه مطلقًا، فكانت العربُ لا تستحلُّ فيه القتل، وأما إضافته إلى الله تعالى فذلك إعظامًا له ولمنزلته، ومن عظم منزلته ومقداره عند الله فُضِّل الصوم فيه؛ فهو من أفضل الشهور في الصيام بعد شهر رمضان المبارك، فقد صحَّ عن النبي -صلوات الله وسلامه عليه- أنه قال: "أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرَّم". ماذا يجب على المسلم في الأشهر الحُرُم؟ أولًا: اجتناب الظلم؛ حيث أمرنا الله تعالى بذلك في كتابه العزيز، فقال: "فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ" التوبة: 36، ويتحقق ذلك بترك المحرَّمات واجتناب المعاصي، وقال الإمام ابن كثير في تفسيره: "فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ" أي: في هذه الأشهر المحرّمة؛ لأنّها آكد وأبلغ في الإثم من غيرها، كما أنّ المعاصي في البلد الحرام تضاعف؛ لقوله تعالى: "وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ" الحج:25، فكذلك شهر الله الحرام تُغلَّظ فيه الآثام، كما تُغلّظ فيه الدِّية في مذهب الشافعي وطائفة كبيرة من الفقهاء، وكذا في حقِّ من قَتل في الحرم أو قتل ذا مَحرَم، ولقد نُقِل عن قتادة قوله: "إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرًا من الظلم في سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا، ولكن الله يُعظِّمُ في أمره ما يشاء". وقال الإمام القرطبي عند تفسيره لهذه الآية الكريمة: "لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب؛ لأن الله سبحانه إذا عظَّم شيئًا من جهة واحدة صارت له حُرمَةً واحدةً، وإذا عظَّمه من جهتين أو جهاتٍ صارت حرمته متعددة، فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيء، كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح، فإنّ من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام، ومن أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في شهرٍ حلال في بلدٍ حلال، وقد أشار الله إلى هذا بقوله: "يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا" الأحزاب:30". فيجب على المسلم البُعد عن كل المظالم؛ فيشمل ذلك مظالم الدماء، ومظالم الأعراض، ومظالم الأموال، وقد حذَّر النبي من ذلك، فقال: "من كانت عنده مظلمة لأحد من عرضٍ أو شيءٍ فليتحلل منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فحُمِلَ عليه"، ومن أعظم أنواع الظلم الشرك بالله تعالى، كما نرى لقمان حذَّر ولده في وصاياه منه، فقال القرآن الكريم على لسانه: "يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" لقمان: 13. كما ينبغي على المسلم أن يجتنب الظلم ومساوئ الأخلاق والمعايب، ومنها: ظلم الحاكم لشعبه، ظلم الأب أو الأم لأولادهما، ظلم الزوج لزوجته، ظلم المعلم لتلاميذه، ظلم المدير لمن هم تحته من عمالٍ أو موظفين، ظلم الإنسان للحيوان، كما ينبغي عليه الحذر من التهاون في الصلوات المفروضة، أو إهمال السنن والنوافل، البعد عن الألفاظ المحرّمة والكلمات البذيئة، حفظ اللسان عن السب والطعن واللعن والغيبة والنميمة، الحذر من عقوق الوالدين، البُعد عن الغدر والخيانة، وإطلاق النظر في المحرَّمات، وقطع الأرحام، والتبرج والسفور من النساء، وغير ذلك من المساوئ الأخلاقية التي نهى عنها شرعنا الحنيف والتي لا تليق بالمسلمين. ثانيًا: المسارعة في الخيرات؛ وذلك لقوله تعالى: "وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ" آل عمران: 133، فيجب على المسلم أن يغتنم فضل هذه الأشهر الحرم ومضاعفة الأجر والثواب فيها بالإكثار من أعمال الخير والبرّ، ومنها: الإخلاص لله تعالى في جميع أعمالنا، لزوم التوبة وتجديدها للعودة إلى المسار الصحيح، الإكثار من ذكر الله تعالى؛ وذلك لمضاعفة الأجر والثواب في هذه الأشهر الحُرًم، المحافظة على الصلوات المفروضة، المداومة على السنن والنوافل بقدر المستطاع، تعاهد القرآن بالحفظ والتلاوة والمدارسة، الإكثار من الصيام في هذه الأشهر لفضلها ومضاعفة الثواب فيها، الحرص على قيام الليل، الإكثار من الصدقات وصلة الأرحام وبرّ الوالدين والإحسان إليهما، حفظ اللسان عن فُحشِ القول، غضًّ البصر عن كل ما حرّم الله تعالى، مع الإكثار من القُرُبَات للارتقاء والحصول على جزيل ثواب الله تعالى في هذه الأشهر الحًرُم.