أحمد سعد الدين - أبو غزالة ندم على عدم استدعاء المصورين لحظة العبور
- راضى: صورت مشهد العبور بإثنى عشرة كاميرا وخمسة آلاف جندي
- الديك: الدولة فقط هى القادرة على إنتاج هذه الأفلام والقوات المسلحة مظلومة
- الشناوى: نسىء لأنفسنا ونظلم الأجيال الجديدة بعدم تعريقهم ببطولات الجيش المصري العظيم
السينما ذاكرة الأمة فكثيراً من الأحداث الهامة فى المجتمع يرجع الفضل فى تذكرها إلى توثيقها سينمائياً، وإعادة عرضها للأجيال التى لم تعاصرها فى حينها، لذلك تحرص كل الشعوب المتقدمة على توثيق بطولاتها وأعمالها الخالدة سينمائيا حتى لا تُمحى من ذاكرة المواطن البسيط، لكن للأسف الشعوب العربية عامة والشعب المصرى خصوصا يكاد يصرخ منذ أكثر من أربعة عقود على صنع فيلماً واحداً عن البطولات الحقيقية لحرب أكتوبر فلا يجد، برغم توفر المادة القصصية بأقلام من عايشوها، فقد قدمت السينما المصرية فى حينها 6 أفلام فقط لا غير تتناول الشكل الخارجى للحرب، لكنها جميعاً كانت اجتهادات فردية، لذلك يبقى السؤال الحائر لماذا لم يتم صنع أفلام حربية تسطر لهذا الحدث الجلل فى تاريخ مصر حتى الآن؟ هل نمتلك الكتاب والمخرجين الذين يستطيعون عمل أفلام جيدة عن نصر أكتوبر؟ومن يستطيع أن ينتج مثل هذه الأفلام باهظة التكلفة؟ كل هذه التساؤلات طرحناها على عدد من الخبراء السينمائيين فى التحقيق التالى.
فى البداية تحدث المخرج الكبير محمد راضى قائلاً: خلال الفترة التى تلت حرب أكتوبر كان هناك روح عارمة داخل المجتمع المصرى تساند القوات المسلحة، وتبرز بطولاتها بشكل كبير، وعن نفسى فى هذه الفترة قدمت فيلمين هما "العمر لحظة وأبناء الصمت" وأذكر أن فيلم العمر لحظة كنا نصوره بعد قرار وقف إطلاق النار، وكانت الدولة تمنحنا كافة الإمكانات، حتى يخرج الفيلم بشكل جيد، وأذكر أن مشهد العبور شارك فيه خمسة آلاف جندى من القوات المسلحة وقبلها بيوم واحد طار النوم من عيني، حيث إن هذا المشهد لن يتم إعادته بأى شكل من الأشكال، فاتصلت بكل الزملاء مديرو التصوير، وطلبت منهم المساعدة بأنفسهم وكاميراتهم فى تصوير هذا المشهد، ولك أن تتخيل أن هذا المشهد تم تصويره بإثني عشرة كاميرا، وهو ما يوضح كيف كانت الروح المعنوية للشعب المصرى فى ذلك الوقت، وكان الفيلم يتم إنتاجه بميزانية معقولة تقدر عليها شركات الإنتاج، لكن للأسف فى الوقت الحالى هناك صعوبات كبيرة أمام إنتاج الأفلام الحربية، تتمثل فى الميزانية الضخمة التى جعلت شركات الإنتاج تهرب منها خصوصا أن المشاهد الآن يذهب إلى الفيلم الكوميدي أكثر من الأفلام الأخرى، وهو ما يخيف المنتج الذى يريد أن يضمن العائد المادي قبل أى شىء، برغم ذلك هناك بقعة ضوء فى الأفق تمثلت فى دخول القوات المسلحة كشريك فى عمل الأفلام، التى سوف تنتج عن بطولات حرب أكتوبر بجميع المعدات والمعلومات الخاصة بالحرب، وهذا يجعلنى فى حالة تفاؤل خلال الفترة المقبلة أن أرى فيلماً يجسد هذه البطولات الرائعة لرجال الجيش المصرى، الذين حققوا المعجزة بعبور القناة وتحطيم خط بارليف، الذى شاهدته بعيني وكيف كان وقتها، وعن نفسى لدي مشروعين لفيلمين عن بطولات أكتوبر تقدمت بهم للقوات المسلحة وفى انتظار الرد.
أما السيناريست بشير الديك فيلخص المشكلة فى المعوقات المادية فقط لا غير، فهو يرى أن لدينا جميع عناصر الفيلم على أعلى مستوى، بدليل أن لدينا مؤلفين كبار يستطيعون كتابة فيلم محترم، ويعرض لهم حالياً بعض الأعمال الجيدة برغم مستوى السينما الذى لا يرضى أحد، لكن هناك مؤلفين مثقفين ولديهم رؤى وأسلوب جيد وأيضاً مخرجين على أعلى مستوى ومصورين وغيرهم من العناصر الأساسية فى نجاح أى فيلم، لكن لا يوجد منتج واحد لديه الجرئة لعمل فيلم حربي يحكى عن بطولات هذا الشعب وعندما تسأل عن السبب يقولون أن الإنتاج كبير والنجاح ليس مضمونا ماديا، وهذا ليس صحيحاً لأن الشعب المصرى يحب أن يرى بطولاته على تجسد على الشاشة، لكن المنتج يستسهل ويغازل شباك التذاكر بفيلم كوميدى يجنى ثماره سريعاً على عكس الفيلم الحربي الذى يتكلف كثيراً، لذلك أرى أن الأفضل أن ننتج فيلم عن معركة واحدة، ولا نختذل الحرب كلها فى فيلم واحد، فمثلاً التخطيط للعبور من الممكن أن يكون فيلما جيدا وكذلك خطة الخداع الإستراتيجي فى حد ذاتها شهد لها العالم أجمع، فلماذا لا نوثق ذلك فى فيلم قائم بذاته.. وهكذا، ولدينا الكتاب الذين يستطيعون عمل هذه الملاحم بشكل جيد، المهم أن يكون هناك إرادة سياسية وإنتاجية لعمل أفلام عن هذه المرحلة، التى كانت من أخطر المراحل فى تاريخ مصر، وهى الحرب الوحيدة التى ربحناها نحن والعرب جميعاً ضد الكيان الصهيوني، ولا أنسى عندما قرأت مذكرات المشير عبد الحليم أبو غزالة عن لحظة العبور، حيث قال إنه ندم كثيراً لعدم استدعائه للمصورين لتصوير هذه اللحظة التاريخية، التى لم تحدث فى التاريخ من قبل وقتها سالت دموعى، وأنا اقرأ السطور وتوقفت أمام هذه الجملة كثيراً، ومع ذلك أرى أن الجيل الحالى من المؤلفين لديه ميزة الوصول إلى المعلومة بسهولة شديدة وفى وقت قليل للغاية، بسبب وجود الإنترنت على عكس الزمن السابق كنا نقرأ عشرات الكتب فى أسابيع وشهور حتى نوثق معلومة واحدة، لذلك أرى أن الدولة وليست الحكومة هى المنوطة بعمل مثل هذه الأفلام، لأنها قادرة على ذلك ولأن هناك أجيال لم تر الحرب ولم تعرف كم الجهد والتخطيط والتدريب والتضحية والبطولات، التى حدثت حتى يحدث النصر الذى انتظرناه طويلا، ويحضرنى هنا لقاء حدث بينى وبين الدكتور أسامة الباز عندما جاء ليشاهد فيلم ناجى العلي فقال لي طالما صنعتم فيلم كهذا لماذا لا تصنعون فيلماً عن نصر أكتوبر؟ فكان ردى أنا على أتم استعداد، لكن أين الجهة الإنتاجية؟ وكان هناك اتفاقاً على إيجاد جهة للتمويل، لكن للأسف لم يحدث حتى الآن، لذلك أرى أن نصر أكتوبر قد ظلم ظلم بين سينمائيا، حيث لم يتطرق له سوى أفلام قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة.
أما الناقد طارق الشناوى فقال السينما لم تقدم ما يتوافق مع قيمة الحدث الكبير فى نصر أكتوبر، فكل ما قدمته السينما عبارة عن 6 أفلام خلال الفترة من 1973 وحتى 1981 لكنها ليست أفلاماً حربية بالمعنى المتعارف عليه، وإنما أفلام اجتماعية بداخلها مشاهد للحرب ومعظمها اجتهادات شخصية من منتجين أو مخرجين، لكن عندما أرادة الدولة عمل فيلم يمجد القوات البحرية صنعت "الطريق إلى إيلات" عن طريق قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتليفزيون وخرج الفيلم بشكل جيد، لكن للأسف عندما فكرت الشئون المعنوية للقوات المسلحة فى عمل فيلم عن الحرب وتعاقدت مع أسامة أنور عكاشة وشريف عرفة، قامت حملة شعواء ضد عكاشة مما جعله يعتذر عن الفيلم ولم يخرج للنور أبدا، ثم جاء فى نهاية التسعينيات فيلم بعنوان "حائط البطولات" وكان قطاع الإنتاج شريكاً فى هذا الفيلم، لكنه تعرض للعديد من المشكلات ولم يخرج للنور سوى العام قبل الماضى، عندما عرض فى مهرجان القاهرة السينمائى وكان مستواه الفنى رديء جدا وأخيرا ظهر فيلم بعنوان "أسد سيناء" من إنتاج القطاع الخاص الذى حاول استغلال بطولات الجيش فى عمل فيلم، لكنه ظهر بشكل سيئ للغاية، من هنا أقول إن علينا أن نقدم أفلاما وطنية عن بطولات رجال الجيش لتكون باقية فى ذاكرة الشباب الذين لم يعيشوا تلك اللحظات المهمة فى تاريخ مصر فنحن نسيء لأنفسنا بعدم توثيق هذا النصر العظيم وفى نفس الوقت نظلم الأجيال المقبلة، فلماذا الانتظار؟ ونحن لدينا جميع الكوادر الفنية على أعلى مستوى فقط ينقصنا الإرادة لا أكثر ولا أقل.