أسرار وحكايات أغانى الحج التى تألق فيها الراحلون

أحمد أمين عرفات


ستوديو مصر منع ليلى مراد من أداء الحج فأصرت على غناء «يا رايحين للنبى الغالي»

اختلفت أم كلثوم مع زكريا أحمد فسحبت منه «القلب يعشق كل جميل» ليلحنها السنباطى وهو يبكى

محمد فوزى صاحب أول اغنية سينمائية عن الحج، وموسيقار الأجيال اختتم حياته ب «لبيك اللهم لبيك»

منذ زمن طويل والأغانى والمواويل ترتبط بالحج، خصوصا عند وداع الحجاج واستقبالهم فى العودة، حيث تتناول هذه الأغانى رحلة الحج وكيفية أداء أركانه ووصف الكعبة وماء زمزم بجانب أغانى كثيرة فى مدح النبى صلى الله عليه وسلم، وزيارة قبره، والفولكلور الشعبى مليء بهذه النوعية من الأغانى التى هى فى أغلبها مجهولة المصدر لا يعرف من قائلها أو ملحنها .
وفى عصر السينما والتسجيلات احتلت أغانى الحج مكانة كبيرة، من كبار المطربين والمطربين، وإن كان القليل منها فقط هو الذى نال شهرة كبيرة وظل باقيا برغم مضى السنوات .
وتعد أغنية «يا ريحين للنبى الغالى» للمطربة الراحلة ليلى مراد من أشهر أغانى الحج برغم مرور سنوات طويلة عليها، وقد تغنت بها فى فيلم «بنت الأكابر « الذى تم إنتاجه عام 1953 وقامت ببطولته مع أنور وجدى وإسماعيل ياسين وزكى رستم، وهذه الأغنية لم تكن ضمن سياق الفيلم عند كتابته، لكن تم صنعها ووضعها فيه بناء على رغبة ليلى مراد، وحسبما أكد بعض المؤرخين أنها أصرت عليها لترد على من شكك فى صحة إسلامها. وهناك من يقول إن ليلى كانت ترغب فى أداء فريضة الحج، لكن تعارض ذهابها مع تصوير الفيلم، حيث طلبت منها إدارة ستوديو مصر ضرورة الانتهاء من تصوير الفيلم، فاضطرت أن تبقى فى القاهرة لكنها طلبت من المؤلف أبو السعود الإبيارى أن يكتب لها أغنية تودع فيها المسافرين لأداء فريضة الحج، فكانت هذه الأغنية التى لحنها رياض السنباطى بناء على طلبها أيضا، خصوصا أن قصة الفيلم كانت تسمح بوجود هذه الأغنية، حيث كان «الباشا» جد البطلة الذى جسد دوره زكى رستم مسافرا إلى الحجاز لأداء الفريضة، وبالتالى لم تكن مقحمة بل جاءت معبرة بصدق عن فرحة الحجيج عند ذهابهم لأداء فريضة الحج، ولتظل باقية بعد ذلك ليرددها الملايين كلما جاء موسم الحج» يا رايحين للنبى الغالى .. هنيالكم وعقبالي.. يا ريتنى كنت وياكم .. واروح للهدى وأزوره.. وابوس من شوقى شباكه .. وقلبى يتملى بنوره..واحج واطوف سبع مرات .. والبى واشوف منى وعرفات..واقول ربى كتبهالى .. يا رايحين للنبى الغالي».
لوحة فنية
ومن ينسى كوكب الشرق وغناءها للحج، فقد تغنت بأكثر من أغنية منها قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقى، «إلى عرفات الله» ولم يكن شوقى قد كتبها للحاج العادى بل لخديو مصر وقت كتابتها «عباس حلمى الثاني» فى مناسبة أدائه للفريضة، وتعد هذه القصيدة آخر ما تغنت به أم كلثوم لشوقى، حيث تغنت له بعشر قصائد، وهذه القصيدة تحديدا يعتبرها كثيرون أجمل لوحة فنية تصور حالة الشوق لمن يتمنى زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وأداء فريضة الحج، ومنهم من لم يتمالك دموعه وهى تغنى «وقدمت أعذارى وذلى وخشيتى».
ورغم أن عصر الفيديو كليب لم يكن قد عرفه الناس بعد لكن من يستعيد تصوير هذه الأغنية يجد أنها تمت على طريقة الفيديو كليب ولكن بالأبيض والأسود،حيث تظهر فيه أم كلثوم وقد وضعت حجابا على رأسها، وقام بإخراجها أحمد بدرخان، وأذيعت فى التليفزيون لأول مرة عام 1963
وقد تغنت أم كلثوم بهذه القصيدة مرات عديدة على المسرح خصوصا أيام الحج، وتم توظيف هذه القصيدة سينمائيا بوضعها ضمن أحداث فيلم «رابعة العدوية» الذى قامت ببطولته الفنانة نبيلة عبيد.
استقبال باهر
أيضا من ينسى رائعة كوكب الشرق «القلب يعشق كل جميل»، كلمات بيرم التونسى، وألحان رياض السنباطى صاحب لحن « إلى عرفات الله «، الذى كان يبكى وهو يقوم بتلحينها بناء على رواية زوجته كوكب عبد البر، واستطاع إنجازها بعد اعتكافه أسبوعا فى صومعته بالفيللا التى كان يسكن بها، واستغرقت البروفات أسبوعين فى ستوديو 35 بالإذاعة، بحضور أم كلثوم والفرقة الموسيقية التى كانت تتكون من45 عازفا، ليتم التسجيل بالفعل يوم28 مارس1971، وما أن تغنت بها كوكب الشرق حتى استقبلها الجمهور استقبالا باهرا، وبالتصفيق المدوى، وأمام النجاح الكبير لهذه الأغنية طبعت شركة صوت القاهرة آلاف الاسطوانات وبعثت بها إلى السعودية لتكون بين أيدى حجاج بيت الله الحرام الذين عاشوا مع عالم الحب الإلهى الذى تناولته الأغنية، وعايشوا حالة السلام مع النفس وكيف أن هذه الحالة لا تتحقق إلا بزيارة بيت الله الحرام ومسجد رسوله الكريم.
وقد لا يعرف الكثيرون أن هذه الأغنية كان بيرم التونسى قد سلمها لأم كلثوم بعد أن كتبها ولكنها لم تخرج إلى النور إلا بعد وفاته بعشر سنوات حيث توفى عام 1961، وقد لا يعرف الكثيرون أيضا أن هذا الأغنية كانت أم كلثوم قد أعطتها لزكريا أحمد لكى يلحنها, وبالفعل قام بتلحينها لكن كوكب الشرق طلبت بعض التغييرات على اللحن، وهو ما لم يوافق عليه زكريا، فأعطتها لرياض السنباطى، ويؤكد ذلك أن زكريا سجل اللحن بصوته مستخدما الكورال بينما تغنت أم كلثوم بها دون الاستعانة بالكورال.
مداح النبي
وتعتبر أغنية « عليك صلاة الله وسلامه» للمطربة أسمهان من أقدم الأغانى التى تناولت عالم الحج والحجاج، خصوصا أن صاحبتها توفت فى منتصف الأربعينيات، وهذه الأغنية من كلمات بديع خيرى ولحن فريد الأطرش، ومن كلماتها « كرامة لله يا قاصد مكة .. ونيتك بالكعبة تطوف .. تبوس لى فيها تراب السكة أمانة من مؤمن ملهوف.. سالت دموعه وسال دعاه فى يوم خشوعه ينول مناه.. دى قبلتك يا نبى قدامه عليك صلاة الله وسلامه».
ومن الأغنيات الرائدة فى هذا الإطار أغنية محمد فوزى «ياللى زرت البيت» التى قدمها عام 1948 لتكون أول أغنية تقدم فى السينما المصرية, وذلك من خلال فيلم «حب وجنون» إخراج حلمى رفلة وتقول كلماتها «ياللى زرت البيت.. ومن زمزم اتوضيت .. وعلى النبى صليت»
ولأنه حمل لقب مداح النبى، فقد غنى أيضا محمد الكحلاوى للحج مثل «يا ساكن أرضك الطاهرة» ويقول فيها: ركبنا البحر والصحرا عشان نوصل لأعتابك.. نبينا رسول ربك أنا جيت لك أزور وأطوف.. وطمعان يا نبى فى حبك وطمعانة معايا ألوف»، وهناك بالطبع أغنيته الشهيرة «مدد يا نبي» وفيها: أنا جيت أزورك يا نبى وأقول مدد؟ شاهدت نورك يا نبى زاد المدد» التى تتحدث عن زيارة النبى فى الحج والعمرة .
وعلاوة على ما سبق فهناك العديد من الأغانى التى جعلت الحج موضوعا لها، منها أغنية «يا مسعد الحجاج» لكارم محمود، و«لبيك اللهم لبيبك» لموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وكانت من أواخر ما قدمه فى مسيرته الفنية، والمطربة فايزة أحمد وأغنيتها «الله أكبر كبيرا»، من كلمات عبد الوهاب محمد، تلحين جمال سلامة، وقامت بأدائها قبل أسابيع قليلة من رحيلها.
ومن المطربين الحاليين, إيمان البحر درويش الذى قدم أغنية للحج باللهجة الخليجية، والفنان وائل جسار بأغنية «حج حجيج»، ومحمد فؤاد الذى قدم التكبيرات المرافقة لشعائر الحج، وأحمد سعد بأغنية «ادعولى فى الحرم» تتر مسلسل» شارع عبد العزيز»، والإماراتى حسين الجسمى العام الماضى قصيدة «يا إلهي».