عبد الرحيم رجب في رحلة حياتنا نتعرض كثيرًا للأذى والإساءة من الآخرين فهذا يؤذينا بكلمة وآخر بفعلٍ، بل قد يتجاوز الأمر ذلك باتهام في الأهل والعرض والدين! وقد يكون ذلك الشخص من أقرب الناس إلينا، وقد لا نتصور أن يأتي الأذى منه! ولكن وللأسف الشديد يأتي من أقرب الناس إلينا فيكون الجرح عميقًا بعمق هذه الصلة بيننا وبين هذا الشخص، فنجد أنفسنا محصورين بين أمرين: إما أن نرد الصاع صاعين آخذين بالثأر، وإما أن نعفو ونصفح عمن أخطأ في حقنا؛ فالعفو: هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه، وكل من استحق عقوبة فتركته فقد عفوت عنه، فإذا أردنا أن نحيا حياة سعيدة هنيئة فعلينا بالعفو والتسامح. وصف الله تعالى العافين عن الناس وفضلهم، فقال: "وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" آل عمران: 133، وقال سبحانه: "وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" الشورى:40، وأقسم نبينا الكريم -صلوات الله عليه- بأن العفو يزيد صاحبه عزةً ومكانةً عند الله وعند الناس، فقال: "ثلاث والذي نفسي بيده إن كنت لحالفًا عليهن: لا ينقص مال من صدقة فتصدقوا، ولا يعفو عبد عن مظلمة إلا زاده الله بها عزًّا يوم القيامة، ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر"، وقال أيضًا: "ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم". مشاهد من عفو النبي –صلوات الله عليه- ومن أعظم مشاهد العفو التي سجلها التاريخ البشري موقف رسولنا الكريم –صلوات الله وسلامه عليه- يوم فتح مكة، والمشركون حينئذٍ ينظرون إليه وقلوبهم مرتجفة خائفة خشية أن ينتقم منهم، أو يأخذ بالثأر قصاصًا جزاء ما صنعوا به وبأهله وأصحابه، فيقول لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر قريش، ما تظنون أني فاعل بكم؟ فيردوا؛ قائلين: خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم.. فيقول: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". ويتجلى عفوه -صلوات الله عليه- في مشهدٍ آخر حينما ذهب إلى الطائف ليدعو أهلها إلى الإسلام، ولكن أهلها رفضوا دعوته وسفهوها، وسلَّطوا عليه صبيانهم وعبيدهم وسفهاءهم يؤذونه، فظلوا يقذفونه بالحجارة حتى سال الدم من قدم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذا بالمولى عز وجل يرسل إليه جبريل ومعه ملك الجبال، ويستأذن النبي في أن يهدم جبال الطائف على رؤوسهم، لكن نبينا الكريم يعفو عنهم ويصفح، ويقول مقولته الشهيرة لملك الجبال: "لا بل أرجو أن يُخرِِج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، ولا يشرك به شيئًا". وعندما يملأ الغل والحقد الصدور فيعمى الإنسان عن رؤية الحق والصواب رغم جلائه ووضوحه؛ فها هو النبي نائمًا تحت ظل شجرة، فإذا برجل من الكفار يهجم عليه، وهو ممسك بسيفه يريد قتله، فيوقظه ويقول: يا محمد، من يمنعك مني؟. فيقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- بكل ثبات وثقة: "الله"، فيضطرب الرجل ويرتجف، ويسقط السيف من يده، فيمسك النبي السيف، ويقول للرجل: "ومن يمنعك مني؟"، فيقول الرجل: "كن خير آخذ". فيعفو عنه النبي –صلوات الله وسلامه عليه-. كيف تكتسب العفو والتسامح؟ - بمدارسة الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تحث على العفو والتسامح. - بالاقتداء برسولنا الكريم وأهل الصلاح والخير من أرباب العفو والتسامح. - بمعرفة الأثر الإيجابي للعفو على النفس حتى لو كان الإنسان مظلومًا. - بالتدريب على العفو والتسامح، فنعود أنفسنا مرة بعد مرة على العفو والتسامح. فوائد العفو والتسامح.. - بالعفو والتسامح تكتسب الرفعة ومحبة الله والناس. - بالعفو والتسامح يشعر الإنسان بالراحة النفسية. - العفو يرتقي بصاحبة إلى منزلة العزة. - العفو والتسامح طريق إلى الألفة والمودة بين الناس. - بالعفو والتسامح يحصل الإنسان على الطمأنينة والسكينة.