عبد الرحيم رجب قيم وأخلاق كثيرة قد تغيب عن البعض، وقد تختفي عند البعض في خضم حياتنا القاسية، والضغوط الكثيرة التي يقع البشر فريسة لها في هذا الزَّخم الهائل مِن الأحداث؛ ولكن تأتي صفة كالعطاء لتتجلَّى بكل وضوح في لحظات الابتلاء والشدائد؛ لتنير لنا الطريق وتؤكد أن الخير مطبوع في النفس البشرية في أيِّ زمان ومكان؛ فالعطاء.. أن تقدم لغيرك ما تجود به نفسك من غير سؤال، وهو بذل الخير لمن تحب ومن لا تحب، فالعطاء.. أن لا تعيش لأجل نفسك فقط، العطاء الحقيقي حينما نعطي ولا ننتظر المقابل، فهو نهر لا يتوقف، وبحر لا ينضب. ولقد ضرب لنا رسولنا الكريم أروع الأمثال في العطاء والكرم والجود، فكان أجود النَّاس، وقد بلغ -صلوات الله عليه- مرتبة الكمال الإنساني في حبِّه للعطاء، إذ كان يعطي عطاء مَن لا يحسب حسابًا للفقر ولا يخشاه، ثقة بعظيم فضل الله عليه، وإيمانًا بأنه هو الرزَّاق ذو الفضل العظيم، فكان -صلوات الله عليه- لا يُسأَل عن شيء إلا أعطاه للسائل، فمما روي عنه أنه جاءه رجلٌ فأعطاه غنمًا بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: "يا قوم أسلموا، فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة". ومما روي عنه أنه قال: "لو كان لي مثل أُحدٍ ذهبًا ما يسرُّني أن لا يمرَّ عليَّ ثلاث، وعندي منه شيءٌ إلَّا شيءٌ أرصدُهُ لدينٍ"، فقدَّم -صلوات الله وسلامه عليه- النَّموذج المثالي للقدوة الحسنة في العطاء، فربّى بذلك المسلمين على خُلُق العطاء، إذ يريهم مِن نفسه أجمل صورة للعطاء وأكملها، فكان الصحابة الكرام ينفقون أموالهم في سبيل الله، ويجودون بما عندهم، كلُّ على حسب استطاعته، فقد أنفق أبو بكر الصديق ماله كله في سبيل الله، والدفاع عن الإسلام، وتحرير الأرقاء من المسلمين، وجهّز عثمان بن عفان ثلث جيش المسلمين في غزوة "تبوك"، وكان يتكون من ثلاثين ألفًا مقاتل، وها هو أبو الدحداح يتبرع بحديقته ذات ال600 نخلة وقصره وبئره من أجل نخلة في الجنة!!. وصور العطاء كثيرةٌ ومتنوعة، وأجملها ما أخبرنا به رسولنا الكريم قائلًا: "مَن نفَّس عن مؤمِن كُرْبة من كُرَب الدنيا نفَّس الله عنه كُربةً مِن كُرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسِر، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخِرة، ومَن ستَر مسلمًا ستَره الله في الدنيا والآخِرة، والله في عوْن العبد ما كان العبْد في عون أخيه"، ووعد الله تعالى الذين ينفقون أموالهم بالأمن والسعادة، فقال: "الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ" البقرة: 274. ولقد كان العطاء والكرم مضرب الأمثال في العصر الجاهلي، فكانوا يتباهون بالكرم والجود والسخاء، حتى اشتهر بعض العرب بهذه الصفة من بينهم حاتم الطَّائي فكان ممن يُضرَب بهم المثل في الكرم، ومما روي عنه في ذلك أنه سأل رجل، فقال: يا حاتم هل غلبك أحد في الكرم؟ قال: نعم، غلام يتيم، نزلت بداره وكان له عشرة رءوس من الغنم، فذبح لي رأسًا منها وقدَّمه إليَّ، فأعجبني منه الدِّماغ، فخرج الغلام من بين يدي، وجعل يذبح غنمه رأسًا رأسًا، ويقدِّم إليَّ الدِّماغ وأنا لا أعلم، فلمَّا خرجت من عنده نظرت حول بيته فوجدت دمًا عظيمًا، فإذا به قد ذبح الغنم كلها، فقلت له: لِمَ فعلت ذلك؟! فقال: يا سبحان الله! تستطيب شيئًا أملكه فأبخل عليك به، إنَّ ذلك لسُبَّة على العرب!!. فقيل يا حاتم: فما الذي عوَّضته؟ قال: ثلاثمائة ناقة حمراء وخمسمائة رأس من الغنم. فقيل: أنت إذًا أكرم منه، فقال: بل هو أكرم؛ لأنه جاد بكلِّ ما يملك، وجُدت أنا بقليلٍ من كثير!!. كيف تكتسب العطاء والكرم؟ · اطلب من الله تعالى توفيقه وحُسن عونه للقدرة على البذل والعطاء. · التخلص من الصفات المذمومة كالأنانية وحبُّ الذات، والتحلي بالصفات الطيبة كالكرم والجود. · درِّب نفسك على العطاء مرَّة بعد مرَّة حتى يصبح عادة لك. · حُب الأعمال الخيِّرة، والسعي دومًا لمساعدة الناس والوقوف إلى جوارهم في الشدائد. · التأسي بأهل الخير الذين يبذلون كل غالٍ ونفيس لمساعدة غيرهم دون انتظار المقابل. · قراءة سيرة رسولنا الكريم والسلف الصالح والوقوف منها على مواطن العطاء والكرم للتأسي بهم. ثمرات العطاء والكرم.. · الفوز بحبِّ الله ومحبة الناس. · لا يكمُل الإسلام ولا يحسُن إلا بالعطاء والكرم. · الكريم قليل الأعداء والخصوم؛ لأنه محبوب من جميع الناس. · العطاء يزيد البركة في الرزق والعمر. · بالعطاء يحدث التكافل المجتمعي، والتكامل بين أفراده وجماعاته. · العطاء يُولِّد الحبّ والمودة بين الناس.