السيد حسين عبر الروائي والشاعر المغربي طارق بكاري عن رضائه الكامل لكل ردود الأفعال، حول وصول روايته الأولي «نوميديا» للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية، وأكد أن عموم المثقّفين المغاربة فرحوا لأنَّ «نوميديا» حجزت للأدبِ المغربي حضورا في القائمة القصيرة. ويري بكاري أن المشهد الأدبي في المغرب بالغ التعقيد.. وأن الساحة الأدبية تكتظ بأشباه المبدعين شعراً وسرداً. وأن الشعر هو الخاسر الأكبر بعد أن تقهقر دوره وتجرَّأ عليه كلّ من هبَّ ودبَّ.
روايتك "نوميديا" أول عمل لك كيف استقبلت صعودها للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية؟ بالطبع بكثير من السعادة والفرح لأني كنتُ أثقُ في "نوميديا" لكنني لم أقرأ جميع أعمال القائمة الطويلة، و إن كانَ لديَّ شعورٌ عميقٌ بأنَّ نوميديا تستحقُّ أن تكونَ بين الأعمال الستة الأفضل. هل أنت راض عن ردود الأفعال عن نتائج الجائزة؟ طبعاً راض عن كل ردود الأفعال، عشّاق "نوميديا" ومحبُّوها سرّوا لهذا الترشيح، عموم المثقّفين المغاربة فرحوا لأنَّ "نوميديا" حجزت للأدبِ المغربي حضوراً في القائمة القصيرة. ماذا أضاف لك وصول الرواية للقائمة القصيرة؟ طبعاً أضافَ لي الكثير، ليسَ يسيراً أن يصلَ المرء بعملهِ الأول إلى القائمة القصيرة لهذه الجائزة المرموقة، إنّهُ انتصارٌ للنص الأدبي، وانتصارٌ للأدب. تدري أنَّ "نوميديا" عملي الروائي الأول، وكنتُ حريصاً على دخول الساحة الأدبية بنص قوي. حدثنا عن روايتك "نوميديا"ولماذا اخترت لها هذا الاسم؟ "نوميديا" كما هو معلوم هي أكثر الممالك الأمازيغية عراقة وشهرةً، عبر التاريخ، لكن في الرواية هي اسمُ بطلتها، التي استبدَّ بالبطلَ جمالُها الأمازيغي الباذخ واستوداه إلى مزيد من الانكسار، نوميديا تختزلُ ( إغرم ) القرية الأمازيغية التي علقتْ بها طفولةُ البطل، ويختزلُ خرَسُها القضيَّة الأمازيغية، لكنها في سياق الرواية مجرَّد هلوسة اقتيدَ إليها البطل بسببِ أعطاب نفسيَّة لا حصر لها وكذلك بسبب الحقن التي حاولتْ بها (جوليا) أن تحرّضهُ على البوح، فكانتْ نوميديا ردَّ فعل نفسيا وعاطفيا يعتقُ رقبةَ البطل أمام مقصلة جوليا المهووسةْ باستنطاق أوجاعه. القارئ لرواية "نوميديا" يجدها مليئه بالخيبات والانكسارات والخيانات والسعادة والقلق والشخصيات البائسة والمكسورة وبها أيضا جانب مبهج ماذا قصدت من ذلك؟ في الحقيقة الرواية مهما بالغتْ في الرومانسية، لا يجدرُ أن تخونَ واقعها أو تتمرَّدَ عليه مهما تفنَّنتْ في تقديمه، لا بدَّ من إدانة، ورواية " نوميديا " إذ تتوغَّلُ في تخومِ الوجع والانكسار والخيبة وضيق الأفق، فإنما تعبّرُ بذلك عن البؤس والخيبة التي ترزحُ تحتَ وطأتها المجتمعات العربية، أما قليلُ البهجة في الرواية فأساسه الحب، هي بهجة لحظية وزائفة لأنَّ كلَّ بهجةٍ إلى زوال، حبُّ قرية إغرم برغمَ أنها تنكَّرتْ له ودفعه بعيداً عنها أهلوها، أما حبّ خولة فقد أفضى إلى ألمٍ وهزيمة نفسية وصراع داخلي مرير، كلُّ حبّ في روايةِ نوميديا يفضي بالضرورة إلى مزيدٍ من الألم والانكسار. هل "نوميديا" تروي الواقع المغربي بعين المثقف والكاتب؟ خصوصا الواقع الأمازيغي؟ البطل مثقف وأكاديمي مغربي، بدأ حياته باستثناءٍ مرير أنه لقيط، لا عائلةَ له ولا هويَّة، طبعاً حياةٌ تبتدأ بجرحٍ في الهويّة، لا بدَّ أن ينفقَ صاحبها حياةً كاملةً من أجلِ ترميم هذا الجرح، لا بدَّ أن يسائلَ الواقع وأن يحاكمه بمنظار خيبته، ولا بد أن يحاكمه واقعه على أساس هذه الخيبة كذلك، من هذا المنطلق لا تقدمُ عينُ المثقف صورة حقيقية للمجتمع إلا بالقدر الذي تسمحُ به مأساته الشخصية، ولا يفوتنا أن نلاحظ أن الثقافة لعبتْ دوراً سلبياً وحاسماً في إيضاح خيبة البطل وتضخيمها. بالنسبة للواقع الأمازيغي فلا بدَّ أن الرواية قدَّمتْ عنه تفاصيل عدة، لأنه يؤثّث فضاء الرواية لكنْ تبقى الإضاءات المقدَّمة دائماً في إطار ما يخدم المأساة الشخصية للبطل. شخصيات الرواية مراد، جوليا، خولة، وغيرها من الشخصيات كم اقتربت من الحقيقة؟ طبعا رهانُ الروائي التمويه بأنَّ شخصياته الورقية حقيقية، وكلما اقتربت الشخصيات من الحقيقة كلما كانت الرواية أكثرَ إقناعا، أعتقد أن شخصيات رواية نوميديا بدءا من بطلها مراد وصولا إلى باقي الشخصيات كانت تقترب من الحقيقة، وحدها نوميديا بطلة الرواية كانت شخصية خرافية بمقومات أسطورية طبعا كانتْ كذلك بحكم أنَّها وليدة مخاض نفسي عسير مرَّ به البطل. لماذا انهيت الرواية بانهيار شخصية مراد؟ ولماذا كان التركيز بها على إشكاليات الهوية والإنتماء في المغرب؟ طبعا شخصية مراد في الرواية لها حمولة رمزية مكثفة تتصل بمشكلة الهوية والانتماء في جانب من جوانبها لكنها كذلك تعبر عن الإنسان حين يتحالف الحظ والقدر والمجتمع المريض في اقتياده نحو اندحارٍ مأساوي، أن أنهيَ الرواية بانهيار البطل فذلك يعني انهيار ما يرمزُ له، انهيار المثقَّف وانهيار الثقافة في مجتمع لا يعترف بهما ويسعى إلى نبذهما، كما أنّ انهيار البطل كان نتيجة حتمية لمسلسلٍ من التعذيب الممنهج الذي مارستْه في حقه الحياةُ والأحياء. أمَّا بالنسبة لإشكالية الهوياتية فقد طرحتْها الرواية من زاوية مختلفة، فالبطل في الرواية لقيط بمعنى أو بآخر أنه ليس عربيا ولا أمازيغيا وأنه بدون هوية وبالتالي فهو ينتمي للإنسان ولا شيء غير ذلك. هل تنحاز إلى الرأي القائل إن مهمة الرواية رصد ما استعصى على النسيان من الأحداث والأماكن والأسماء؟ نعم، مهمة الرواية أن ترصد ما استعصى على النسيان وأماكن وغيرها.. لكنَّ ذلك ليس ذلك كل مهامها، الاشتغال الروائي يكونَ على مجموعة من الأصعدة، الذاكرة و ما يعلقُ بها ويستعصي على الإمحاء هو حقل مهم في الاشتغال الروائي، لكن دونَ تثقيف هذه المعطيات بالتقنيات الروائية ودون تعهُّدها بأسلوب فذ تبقى مجرد أخبار و ذكريات عادية. شخصياتك الروائية، هل تتمتع بحالة من الانعتاق من سلطة الكاتب اللغوية والفكرية؟ أحرصُ على إبقاء مسافة بيني وبين شخصياتي الروائية، وأتركُ لها أن تنمو بعيداً عن سلطتي اللغوية والفكرية ما أمكن، لكنَّني لا أدعي الحياد التام، في كلُّ شخصيةٍ قليلٌ منّي وكثيرٌ مما تمليه ظروف نموّها داخل سياق النص. كيف ترى الساحة والمشهد المغربي شعرا وسردا؟ المشهد الأدبي في المغرب بالغ التعقيد.. الساحة الأدبية تكتظ بأشباه المبدعين شعرا وسردا. المشهد الثقافي المغربي (وأعتقد أننا قد نسحبُ هذا الرأي على مجموعة من الدول العربية) يغرق كل يوم بنصوص هشة وواهية وأخرى كارثية، الكارثة أنَّ هذه النصوص تقابلُ في كثيرٍ من الأحيان ببهرجةٍ واحتفال من باب النفاق الأدبي أو التملق الثقافي بينما المبدع الحقيقي يجري عليه قولُ المتنبي "غريبٌ كصالحٍ في ثمود". الشعر هو الخاسر الأكبر بعد أن تقهقر دوره و تجرَّأ عليه كلّ من هبَّ ودبَّ، الشعر الذي يتطلَّبُ مؤهلات بلاغية وإمكانات عروضية عالية وتحكم قوي في اللغة أضحى اليوم مطيَّة كلّ متطفّل، ينثرُ شطحات خياله على البياض محتجاً بكلمات من قبيل (الحداثة الأدبية/ القصيدة النثر.. وغيرهما) وكلُّ تلك المفاهيم منه براء.. هو موضوع ذو شجونٍ يضيقُ المقام بالحديث عنها كاملة. كيف تقيم الحركة الأدبية الأمازيغية حاليا؟ الحركة الأدبية الأمازيغية ضعيفة جداً ولا يلوح في الأفق إلا مزيد من الضعف، أنت تعلم أن اللغة الأمازيغية ترزح تحت وطأة مشاكل عدة على رأسها أنها ضحية الصراع اللغوي في المغرب من جهة ومن جهة أخرى صعوبة نقلها من النمط الشفهي إلى النمط المكتوب، صدقاً هناك نماذج أدبية شامخة شفهية تستحق الخلود و هناك مبادرات طيبة لتوثيقها.. لكن أعتقد أن وضع اللغة الأمازيغية حاليا يدفعها صوب الانقراض. ما مشكلات الكتابة الأمازيغية ولماذا لا تحظي باهتمام الكتابة العربية؟ تعاني الكتابة الأمازيغية من مشكلات عدَّة، أولاها أنَّ الأمازيغية تتوزَّعها لهجات مختلفة، كما أنها لم تجد من النخب المثقَّفة من يلمُّ شتاتها ويرقى بها من مستوى الثقافي والفكري، على مستوى الكتابة زاد اختيار حرف "تيفيناغ" الوضع تعقيداً واستحالتْ الأمازيغية إلى مجرَّد طلاسم لا يجيدُ قراءتها إلا المتخصّصون في الثقافة الأمازيغية. ما إشكاليات كتابة رواية تاريخية من وجهة نظرك؟ هناك عدة إشكاليات نذكرُ منها، أن الرواية التاريخية في كثيرٍ من الأحيان تقوضُ خيال الروائي، وتتطلبُ قراءات عدَّة، وتعسرُ على كاتبها مقاربة الموضوعات بمصداقية عالية دون الوقوع في ميل إيديولوجي ما. الحريات العربية هل تري أنها ما زالت تعاني من القيود؟ طبعاً، هناكَ قيود عدّةَ على الحريات، كثيراً ما نسمعُ عن محاكمة أديبٍ هنا أو سجن صحفي هناك أو مصادرة كتابة أو قمع رأي. ما أبرز التحولات التي طالت الرواية المغربية عامة والرواية الإمازيغية بشكل خاص؟ بالنسبة للرواية المغربية المكتوبة باللغة العربية فأعتقد أنَّ تحولاتها لا تختلفُ كثيراً عن تحولات الرواية العربية بشكل عام. أمَّا الرواية الأمازيغية فأظنُّ أنها تقتصرُ على محاولات تأسيسية جنينية تعوزها التجربة والخبرة اللازمتان. ما جديدك في الفترة المقبلة؟ أعتكف حاليا على تنقيحِ ديواني الشعري الأول وأواصلُ رحلتي السردية مع رواية ثانية.