عرفه عبده على كانت مجزرة دير ياسين نموذجا مكررا لمذابح – أريحا – التى ورد وصفها فى التوراة :»وقتلوا كل ما فى المدينة من رجل وامرأة وطفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير، بحد السيف». اعتمد قادة المنظمات اليهودية منذ العقد الثانى من القرن الماضى :»الإرهاب» كأيديولوجية صهيونية.. ومؤلفات قادة هذه المنظمات – بعضهم أصبحوا رؤساء وزارات فيما بعد – تحتشد بوصف العمليات الإرهابية التى خططوا لها وشاركوا فيها ضد الشعب الفلسطينى .. حتى أصبح الإرهاب عقيدة ومنهج وعنوان لدولتهم.
منذ عام 1945 خططت الوكالة اليهودية – السلطة الرسمية لليهود فى فلسطين – للانتقال من "الدفاع" إلى الهجوم من خلال العصابات اليهودية المسلحة، للسيطرة على المناطق التى خصصها الجيش البريطانى لليهود، ثم الاستيلاء على جميع المراكز التى يخليها البريطانيون واحتلال أية قرية أو مدينة عربية تشكل "ضرورة عسكرية" للدفاع عن المستوطنات اليهودية. كتب الإرهابى بيجين فى مؤلفه "الثورة" :"كان هدفنا السيطرة على المزيد من الأراضى".. وحدد أن خطة منظمة "الأرجون" الإرهابية التى كان يتزعمها، بالاتفاق مع المنظمات الأخرى فى يناير 1948 : احتلال القدس (التى كانت مدينة عربية بكاملها ومقررا ً لها أن تصبح منطقة دولية) ومثلث: نابلس، طولكرم، جنين، ومدينة يافا، وسهل اللد – الرملة وكلها مناطق تتبع "الدولة العربية" طبقا ً "لقرار التقسيم". تطبيق خطة "حدوة الحصان" تقع قرية "دير ياسين" إلى الغرب من القدس، تميزت ببيوتها الحجرية المعقودة وعمارتها المتوارثة، وأزقة ضيقة متعرجة.. وباعتراف الصهاينة كانت قرية هادئة وآمنة. فى فجر العاشر من إبريل عام 1948 أعطت الوكالة اليهودية الأوامر إلى قيادات العصابات الإرهابية بالهجوم على قرية "دير ياسين".. بالطبع كان قد سبقها عدة هجمات إرهابية على قرى ومدن فلسطينية، كان آخرها معركة "القسطل" فى 7 إبريل 1948 التى قُتل فيها الشهيد "عبدالقادر الحسينى". توجهت وحدات مسلحة قوامها 350 إرهابياً من منظمة "الهاجاناه" بقيادة دافيد شالتائيل، ومنظمة "الأرجون" بزعامة مناحم بيجين والمخطط للمجزرة، ومنظمة "شتيرن" بقيادة إسحاق شامير و"البالماخ" بقيادة مردخاى توفمان ويهوشاع جولد شميت ورعنان، وتنظيم "الطليعة الصهيونية"، الذى كان أحد أعضائه الإرهابى آرييل شارون .. كان احتلال دير ياسين هو أحد المراحل فى خططتهم الإرهابية، تقدمت خمس عشرة من السيارات المصفحة من الشرق، إحداها تحمل مكبرا للصوت.. اجتاح الإرهابيون القرية الآمنة فى الظلام، وقبيل ساعات الصباح احتلت القرية بكاملها وتم تدميرها على أهلها.. وفى حديثه عن المجزرة كتب بيجين :"إن العرب دافعوا عن بيوتهم ونسائهم وأطفالهم ببسالة وكان القتال يدور من بيت إلى بيت وكلما احتل جنودنا بيتا فجروه على من فيه بالمتفجرات التى أحضروها معهم لهذا الغرض". كان السلاح الذى يملكه رجال دير ياسين لا يتعدى 80 بندقية عتيقة من الطراز الإنجليزى والإيطالى، وما يملكونه من ذخيرة لم يكفيهم لأكثر من ساعة.. فواصلوا دفاعهم البطولى بالسلاح الأبيض.. على الرغم من تحذيرات مكبر الصوت :"نحن نهاجمكم بقوة أكبر منكم.. المخرج الغربى – حدوة الحصان – لدير ياسين مفتوح أمامكم إلى عين كارم، فاهربوا سريعا وأنقذوا أرواحكم". البعض من أهالى دير ياسين – إزاء هذه القوة الوحشية – آثر الفرار فتم اقتناصهم بالرصاص ومعظمهم من النساء والأطفال.. داخل القرية تم ذبح رجال القرية وشبابها (تذكروا مذابح داعش) أما نساء القرية وأطفالها قبيل ذبحهم هم أيضا، وقام الجبناء ببقر بطون الحوامل وإخراج الأجنة منها بالخناجر وبترت أصابعهن وآذانهن لانتزاع الحلى الذهبية، ثم تقطيع الأطفال وهم أحياء.. واستمرت المشاهد الدموية الرهيبة حتى ظهر ذلك اليوم مع الاستمرار فى تفجير المنازل (سياسة عهد نيتانياهو).. وقامت وحدة من الهاجاناة بقيادة "ينشورين شيف" بحفر قبر جماعى دفن فيه 250 جثة من الرجال والنساء والأطفال. كان للمجزرة أصداء عالمية.. وقام "جاك دى رينيه" رئيس بعثة الصليب الأحمر الدولى بزيارة دير ياسين وفحص القبر الجماعى وكتب تقريرا بالفرنسية، بدأه بذكر العقبات التى وضعتها فى طريقه الوكالة اليهودية لمنعه والفريق المرافق من أداء مهمته. وأشار إلى فرقة "التنظيف" التابعة للهاجاناه ، والمدججة بالسلاح، التى أحاطت به قبل دخوله إلى بعض البيوت المدمرة، وقالوا له:"إذا كان هناك قتلى فسوف نحضرهم لك". قدر رينيه سكان القرية بنحو أربعمائة، ووصف مشاهد الدمار والدماء و"ما زال عدد من الجثث الملقاة على جانبى بعض الطرقات وقد ذبحت دون تمييز وبدم بارد".. رفضوا مساعدة رينيه والبعثة المرافقة.. "بل رفضوا أن يتحملوا مسئولية ما يمكن أن يحدث له". وتجدر الإشارة إلى ما سجله الكاتبان الفرنسيان: جاك دومال ومارى لوروا فى كتابهما "التحدى الصهيونى – ترجمة نزيه الحكيم ، بيروت 1968" .. بإن مذبحة دير ياسين "هى أبشع المذابح فى العصر الحديث، ارتكبتها عصابات صهيونية مسلحة متعصبة عن سابق عزم وتصميم، وكانت الحلقة الأولى فى سلسلة أعمال إرهابية مخطط لها لبث الرعب فى قلوب الفلسطينيين، بينما ظلت السلطات البريطانية فى موقف المتفرج". وقد وصف الكاتب اليهودى "الفريد ليلنتال" فى كتابه "تاريخ الأرجون" 1951 :"فى صباح 10 إبريل 1948 قتلت عصابة الأرجون 250 امرأة وطفلا بوحشية فى قرية دير ياسين.. كانت حمام دم وعاملا سيكولوجيا حاسما فى نزوح الفلسطينيين من أراضيهم". كان أعضاء العصابات اليهودية الإرهابية يعلنون بمكبرات الصوت من فوق المصفحات فى شوارع القدس وغيرها :"يا عرب.. اختاروا بين الهرب ومصير أهل دير ياسين".. وكان أحد الشهود الجنرال البريطانى "جون جلوب" قائد الجيش الأردنى. وإمعانا فى التضليل الفاجر قامت الوكالة اليهودية بإرسال برقية اعتذار للملك عبدالله.. تستنكر فيها الجريمة وتلقى المسئولية على العصابات اليهودية. لقد خلد شارون عملا مجيدا "السيف والتوراة نزلا معا من السماء.. هذا ما تحدثت به شروح الحاخامات فى "التلمود".. والإرهاب هو أيديولوجية العصابات والدولة الصهيونية وأفكارها الانتقامية المتعطشة دوما إلى دماء "الجوييم – الأغيار" أو الآخرين. والنموذج لهذا الفكر – والتطبيق – الانتقامى الدموى كان فى لقاء بين "إسحق شامير" و"آرييل شارون" وكانا رئيسى وزارة بعد أن كانا قادة عصابات إرهابية.. جمع بينهما فى "ذكرى دير ياسين" فى العاشر من إبريل عام 1980 أمام حشد من المستوطنين اليهود فى مستوطنة "نوم تنه".. وقف الإرهابى شامير يخطب فى الحاضرين قائلا:"العرب خونة وسنعمل على إبادتهم جميعا، لقد سرقوا الأرض التى يعيشون عليها من أجدادنا اليهود".. عندها وقف الإرهابى شارون يلهب حماسة الحاضرين:"يدنا فى يدك نبيد العرب وأطفالهم، فهذا واجب دينى مقدس" !.. فأجابه شامير : "لقد فعلت كثيرا يا آريل من أجل دول إسرائيل وإننى شخصيا لا يمكن أن أنسى ما فعلته فى دير ياسين، ثم نظر إلى الحاضرين قائلا:"لقد خلد شارون عملا مجيدا وقام ببطولات رائعة، لقد فعل فى دير ياسين وحده ما فعله الآخرون جميعا فتحية لك يا آرييل". كان عمر شارون وقتها عشرين عاما، شكل تنظيما باسم "الطليعة الصهيونية" وطوال خدمته العسكرية كان يتلذذ بتعذيب وقتل الفلسطينيين.. وقد كشف "الينورى مارن" عضو التنظيم الذى أصبح ضابطا كبيرا بالموساد، عن الممارسات الدموية لشارون فقال:"لقد علمنا شارون عندما كنا صغارا كيف نفقد الإحساس بالإنسانية.. كان سعيدا جدا فى يوم دير ياسين وقرر وحده قتل عشرين من الأطفال والفتيات الصغيرات – احتفالا بعيد ميلاده – كان يتلذذ بتعذيبهم بوحشية ثم قتلهم.. قطع الأعضاء التناسلية للأطفال ثم النهود الصغيرة للفتيات وجمع كل ذلك فى جوال وضعه أمام قادته ضاحكا وفخورا بما فعله". وبنظرة سريعة على مشاهد الدم اليومية فى سوريا والعراق وليبيا، وعقب ثورة 30 يونيو.. سنتأكد أن "الإرهاب الصهيونى" شكل "المثل الأعلى" لجميع المنظمات الإرهابية – التى لم تنفذ عملية واحدة داخل إسرائيل – ممن يتاجرون بالدين والأوطان لتحقيق أهدافهم الدموية فاتخذوا من "الإرهاب الصهيونى" نموذجا وأسلوب حياة.