العزب الطيب الطاهر شهدت تركيا فى الآونة الأخيرة سلسلة من التفجيرات والحوادث الإرهابية كان آخرها يوم السبت الماضى بمدينة إسطنبول، والذى أودى بحياة خمسة أشخاص وإصابة 36 آخرين، بينما شهدت مدينة أنقرة"، فى 13 مارس الجاري، تفجيراً إرهابياً باستخدام سيارة مفخخة أسفر عن مقتل 37 شخصاً وإصابة 125 آخرين، وهو التفجير الثاني الذى تشهده فى أقل من فقد وقع بها تفجير مماثل فى 17 فبراير الماضى، مُستهدفاً آليات تابعة للجيش التركي، ما أسفر عن سقوط 29 قتيلاً وهو ما يعكس عددا من الدلالات والمؤشرات -وفقا لرؤية عبداللطيف حجازي الباحث المتخصص فى الشئون الإقليمية بالمركز القومى لدراسات الشرق الأوسط -وتتمثل فيما يلى: - ضعف أداء أجهزة الأمن التركية خاصةً أجهزة الاستخبارات ومكافحة الإرهاب، ويظهر ذلك بوضوح فى أن التفجير الإرهابى الذى وقع فى أنقرة والذى استهدف منطقة حيوية هى ميدان "كيزيلاي"، والذى يضم محطة للحافلات ومحطة مترو، ويبعد مئات الأمتار عن وزارتى العدل والداخلية والمقر السابق لرئيس الوزراء، كما أن هذا التفجير الإرهابى هو الثانى من نوعه فى أقل من شهر بالمدينة ذاتها، وفى منطقة قريبة من التفجير السابق له، حيث استهدف تنظيم "صقور حرية كردستان"، المنشق عن حزب العمال الكردستانى المحظور، فى 17 فبراير الماضي، آليات عسكرية تابعة للجيش التركى بالقرب من مقر البرلمان ومبان حكومية أخرى، مُستخدماً سيارة مفخخة، ما أدى إلى مقتل نحو 28 شخصاً؛ أغلبهم من الجنود. وعلاوة على ما سبق، شهدت تركيا أيضاً منذ مطلع العام الجارى هجومين إرهابيين آخرين؛ الأول وقع فى 12 يناير 2016 بمدينة إسطنبول، ونفذه انتحارى تابع لتنظيم داعش الإرهابي، مُستهدفاً وفداً من السياح الألمان، ما أدى إلى مقتل 10 سياح وإصابة 15 آخرين. والهجوم الأخر وقع فى 3 مارس الجارى عندما شنت امرأتان تنتميان إلى "الجبهة الثورية لتحرير الشعب" المحظورة، هجوماً على مركز للشرطة فى مدينة إسطنبول، ما أسفر عن جرح شرطيين ومقتل المرأتين بعد مطاردة الشرطة لهما. ثانيا : تعدد مصادر التهديد لأمن تركيا، فالهجمات الإرهابية التى شهدتها البلاد منذ مطلع العام الجارى تكشف عن وجود تنظيمات مُصنفة إرهابية من جانب السلطات التركية، مثل حزب العمال الكردستانى الذى يخوض مواجهات ضد قوات الأمن التركية، وتنظيم "صقور حرية كردستان" الذى أعلن انشقاقه عن حزب العمال الكردستاني، فضلاً عن تنظيمات يسارية مُمثلة فى "الجبهة الثورية لتحرير الشعب"، بالإضافة إلى تنظيم داعش الإرهابي. ثالثا : فشل الإجراءات الحكومية المتبعة فى مواجهة التهديدات، وبصفة خاصة ضد حزب العمال الكردستاني، فتفجيرات أنقرة الأخيرة تشير إلى فشل سياسة التصعيد والمواجهة التى اتبعتها الحكومة التركية، منذ يوليو 2015، فى مواجهة حزب العمال الكردستاني، وذلك على أمل أن تنجح حكومة حزب العدالة والتنمية فى القضاء على القدرات العسكرية للحزب الكردى وإخراج مسلحيه من تركيا، بدلاً من سياسة التفاوض والحل السلمى للمشكلة الكردية التى اتبعتها حكومات أردوغان منذ وصولها للسلطة .وقد مثَّل هذا الفشل إحراجاً للحكومة التركية التى تتحدث بصفة مستمرة عن النجاحات التى تحققها قوات الأمن فى مواجهة حزب العمال الكردستانى بمناطق جنوب شرق تركيا ذات الأغلبية الكردية، وإحراجاً للرئيس أردوغان الذى تعهد بالقضاء على ما سماه "الإرهاب الكردي"، الأمر الذى جدد مطالبات من داخل مؤيدى حزب العدالة والتنمية بضرورة العودة للحوار مع حزب العمال الكردستانى لإيجاد حل للمشكلة الكردية بدلاً من المواجهات. رابعا : التحول فى الاستراتيجية القتالية لحزب العمال الكردستاني، فى حالة ثبوت تورطه فى هذه العمليات الإرهابية، من قِصر عملياته على قوات الأمن التركية إلى استهداف المدنيين الأتراك والمواقع الحيوية ذات الأهمية الإستراتيجية، ونقل المواجهات من مناطق جنوب شرق تركيا ذات الغالبية الكردية إلى قلب العاصمة أنقرة، وذلك بهدف التأثير سلباً على صورة الأمن فى تركيا، وما لذلك من تداعيات سلبية على شعبية حزب العدالة والتنمية، وأيضاً الاقتصاد التركي.
كما يهدف حزب العمال الكردستانى إلى تشتيت قوات الأمن التركية، وتخفيف الضغوط عن المناطق الكردية، وإرسال رسالة مفادها بأن الحزب لا يزال محتفظاً بقوته ولديه القدرة على الرد فى أى وقت وأى مكان بما فى ذلك العاصمة أنقرة، وهو ما ظهر بوضوح فى تصريح "جميل بابيك"، القيادى بحزب العمال الكردستاني، بأن المعارك ضد الجيش التركى كانت تدور فى الجبال فقط، لكنها الآن انتقلت إلى المدن وستمتد إلى كل مكان لإسقاط أردوغان وحزبه الحاكم.
التصعيد القادم فى السياسة التركية ويلفت الباحث إلى أنه على الرغم أن التفجيرات الإرهابية المتكررة، تعد فشلاً لحكومة حزب العدالة والتنمية على المستوى الأمنى، ولسياسات أردوغان فى التعامل مع القضية الكردية، إلا أنه من المرجح استثمار أردوغان وحكومته لمثل هذه الحوادث لتحقيق مجموعة من الأهداف تتمثل فى الآتي: 1- اتخاذ مزيد من الإجراءات التصعيدية لإحكام الحكومة سيطرتها على وسائل الإعلام وإسكات الأصوات المعارضة لسياسات أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية، بدعوى مكافحة الإرهاب، وهو ما يظهر بوضوح فى دعوة أردوغان إلى توسيع مفهوم الإرهاب ليشمل صحفيين وكتَّاباً وأكاديميين وشخصيات عامة يقدمون دعماً للإرهاب من وجهة نظره، وهو ما انعكس فى اعتقال الشرطة التركية عدد من المحامين وثلاثة أكاديميين فى مدينة إسطنبول بتهمة نشر الدعاية الإرهابية، حيث كانوا قد وقعوا على بيان فى شهر يناير الماضى نددوا فيه بانتهاكات قوات الأمن التركية بالمحافظات ذات الغالبية الكردية، خلال عملياتها ضد حزب العمال الكردستاني. 2- الدخول فى مرحلة جديدة من التصعيد فى مواجهة أكراد تركيا، سواء على مستوى المواجهات العسكرية بتصعيد العمليات العسكرية ضد عناصر حزب العمال الكردستانى فى محافظاتجنوب شرق تركيا، حيث أطلقت قوات الأمن التركية عقب الهجوم عمليات أمنية ضد مسلحى الحزب فى محافظة شرناق جنوب شرق تركيا، وفرضت حظراً للتجوال بالمدينة، أو على المستوى السياسى والقضائى بملاحقة حزب الشعوب الديمقراطى الكردى الذى يمثل امتداداً لحزب العمال الكردستانى بتهمة دعم الإرهاب وارتباطه بحزب العمال الكردستانى المحظور، بما يهدد بحله وسجن زعيمه صلاح الدين ديميرطاش الذى يواجه، ومعه نواب آخرين من حزبه، احتمالية رفع الحصانة عنهم، تمهيداً لمحاكمتهم بتهم التحريض على العنف والانتماء لتنظيم إرهابى مسلح، بناءً على مذكرة صادرة من وزارة العدل التركية فى 11 مارس الجاري.
3- التصعيد عسكرياً ضد حزب الاتحاد الديمقراطى الكردى فى شمال سوريا والذى تعتبره تركيا منظمة إرهابية تمثل امتداداً لحزب العمال الكردستاني، وتقوم بقصف مواقعه فى شمال سوريا، فعادة ما تتهم تركيا الحزب الكردى بتقديم دعم عسكرى لأكراد تركيا فى مواجهة الدولة التركية، وهو ما ظهر فى إعلان وزارة الداخلية أن الفتاة المتورطة فى الحادث الأخير تلقت تدريباً على يد حزب الاتحاد الديمقراطى الكردي، فضلاً عن التصعيد السياسى فى مواجهة الحزب لعدم إشراكه فى مفاوضات حل الأزمة السورية، والسعى لإيقاف المساعدات التى يحصل عليها من بعض القوى الدولية، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة، فى مواجهة تنظيم داعش.