مهدى مصطفى كان قلبى يرتجف. اختفى الآن عرّاب السيد إكس. تحسّست جبهتى بلا إرادة. شعرت بالجرح الكامن فى سويداء الجبهة. كنت تناسيت ذلك الشج العجيب فوق عينىّ. لكنه يعود الآن متدفقا بالدماء الحارة كما حدث فى المرة الأولى. 2 كان صوتى يجلجل بالضحك. الدماء تغطى رأسى ووجهى وجلبابى. لم أكن أشعر بأى ألم. كان أخى الأوسط يصرخ ويلطم خديه بعنف: قتلتُ أخى.قتلتُ أخى.كنت أواصل الضحك الذى وصل إلى مسامع الجيران، كانت أمى ملتاعة، وأنا فى نوبة ضحك متواصلة. 3 تجمهر الناس حولى. بالكاد تذكرت ما جرى، كنت أركض فوق جدران البيت. لاعبا ماهرا كأننى لاعب سيرك. أقفز من أعلى إلى أسفل. كان أخى يخشى وقوعى على رقبتى. راح يصرخ: انزلْ. وإلا قلت لأبيك. انزلْ. وإلا ستموت. كنت لا أسمع ولا أرى إلا لعبة القفز من أعلى الحائط، إلى ظهر الجاموسة أو البقرة أو الحمار. كانوا جميعا يرحبون بى على ظهورهم. 4 الحوائط عالية. كنت لا أخشى الصعود عليها. حاول أخى أن يثنينى عن هذه الأفعال الخطرة. أراد أن ينقذنى. رميت على رأسه تبن القمح وأنا أضحك. أمسك بى لكننى تفلّت منه. هويت إلى أسفل. كان مسمار قديم، بارز الرأس، ينام فى الحائط منذ أزمان بعيدة. تعلّقت به وأنا أسقط. شجَّ جبهتى. صار سدا منيعا بينى وبين القفز على ظهور الدواب من أعلى الحوائط. 5 فى المساء عاد أبى.عرف الحكاية. كان الألم يضرب رأسى بعنف. توقفت عن الضحك. قال جميع الأعمام والأخوال: ولد شقى ابن موت. 6 حكم الجميع علىّ بالشقاء.ارتاحوا للحكم النافذ.انصرفوا عن حكايتى إلى شئونهم. وحده أبى كان مهموما بالقضاء والقدر. نظرت إلى عينيه. كانتا تقولان: أنا مَن علّمته تسلق النخيل. أنا من عجنته بالجسارة فى جوف الظلام. شعرت للمرة الأولى بعمق الشج الذى أصابه فى مقتل. 7 كانت يدى تمر على جبهتى جيئة وذهابا. زارنى طيف أمل دنقل وهو يتلو قصيدة الجنوبى. سمعته يقول: رفسةُ من فرسْ. تركتْ فى جبينىَ شجاً، وعلَّمتِ القلبَ أن يحترسْ. 8 أيقظنى صوت عرّاب السيد إكس.كان صوته عاليا كأنه يهتف على بضاعة فى سوق. أعادنى من بعيد. نظرت إلى عينيه مباشرة. قال: صح النوم. أنت غارق فى بحر. إياك أن تستعيد الحنين. فأنت الآن آية بيضاء من غير سوء!