ميساء نواف تشهد الساحة السياسية اللبنانية حالة من القلق والتوتر على وقع قرار دول مجلس التعاون الخليجي ووزراء الداخلية العرب فى تونس تصنيف حزب الله بالمنظمة الإرهابية، الذي سبقه إعلان دول الخليج منع رعاياها من السفر إلى لبنان بعد أن قررت السعودية توقيف مساعداتها إلى الجيش وقوى الأمن الداخلي اللبناني التي تبلغ قيمتها 4 مليارات دولار. وقد جاء هذا القرار ليزيد من التباعد في المواقف بين القوى والتيارات السياسية اللبنانية، في حين اعتبرت "الوفاء للمقاومة" أن القرار يتلاقى في شكله ومضمونه مع توصيف العدو الإسرائيلي لحزب الله، فيما يرى سياسيون لبنانيون وفي طليعتهم النائب سعد الحريري رئيس تيار المستقبل أن القرار الخليجي جاء نتجية ممارسات حزب الله في الدول العربية وفي مقدمتها اليمن وسوريا. وذلك على الرغم من إجماع جميع الفرقاء "قوى الثامن والرابع عشر من آذار " على ضرورة المهادنة بمعزل عن آرائهم بحيثيات القرار. ورفض عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب الدكتور حسن فضل الله في تصريح ل"الأهرام العربي" القرار الخليجي مستنكرا البيانات التي صدرت ضد المقاومة واصفا إياها بالتحريضية. وأكد النائب عن حزب الله في البرلمان اللبناني "أن محاولات الترهيب الإعلامي والسياسي لن تثني حزب الله عن مواقفه أنه سيستمر في ممارسة حقه الطبيعي في التعبير عن آرائه والانتصار لقضايا الشعوب العربية العادلة وفي طليعتها قضية العرب المركزية" فلسطين". وقال فضل الله "لقد جرب العدو الإسرائيلي ومن ورائه الولاياتالمتحدةالأمريكية، وحاولا إلصاق تهمة الإرهاب في إطار حربهما السياسية والإعلامية ضدنا، لكن أصيبا بالفشل تماما كما فشلت حروب إسرائيل العسكرية. ورأى أن مصير "الحملة السعودية" وفقا لما سماها لن يكون مصيرها أفضل حالا على المستوى العربي ولا على المستوى الدولي. وحيى مواقف الدول والشعوب العربية التي رفضت هذا "الاتهام الجائر ضد المقاومة" على حد تعبيره، خصوصا مواقف الجزائروالعراق والمواقف الشعبية والسياسية التونسية. وتابع قائلا:"إننا نتعاطى مع ما صدر عن مجلس التعاون الخليجي ووزراء الداخلية العرب بأنه لا يمثل الموقف العربي بل يمثل موقف الجهات التي ضغطت لإصداره لأن مواقف الشعوب العربية والكثير من القوى السياسية والحكومات لا توافق على التماهي مع إسرائيل بأن من قاومها وحرر أرضه هو إرهابي بل "مقاوم". من جانبه أكد النائب الدكتور خالد زهرمان عضو كتلة المستقبل النيابية في تصريح ل"الأهرام العربي" أن القرار الخليجي هو نتيجة طبيعية لتصرفات حزب الله في الكثير من دول المنطقة، خصوصا دول الخليج العربي، من خلايا البحرين إلى خلايا الكويت وما كُشف أخيرا من مجموعات لحزب الله في اليمن تدرب الحوثيين لاستهداف المملكة العربية السعودية. وعبر زهرمان عن أسفه من انخراط حزب الله في مشروع إقليمي معاد للمجتمع العربي بحيث لم يترك أي حجة للدفاع عنه. وقال في ظل استهداف إيران أمن الخليج لم يعد بوسع المملكة العربية السعودية إلا اتباع سياسة حازمة للوقوف في وجه مشروع ولاية الفقيه التوسعي ل"إيران"، ومن هذا المنطلق مملكة اليوم هي مختلفة عن مملكة الأمس. وأضاف عضو كتلة المستقبل النيابية، أنه فيما خَص لبنان فإننا كفريق سيادي نحاول الموازنة بين ضرورة أن نكون جزء من الإجماع العربي ودون أي مواربة وبين الحرص على استقرار لبنان من أي تداعيات لقرار مجلس التعاون الخليجي. وتابع "أن هناك سطوة من قبل سلاح حزب الله على الحياة السياسية اللبنانية وبمعنى آخر لبنان هو رهينة بيد هذا السلاح. ومن هذا المنطلق هناك مسئولية على المجتمع العربي والمجتمع الدولي للوقوف الى جانب لبنان لكيلا يسقط نهائيا بيد مشروع ولاية الفقيه ويصبح ساحة لهذا المشروع. وقررت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الأسبوع الماضي في 2 مارس اعتبار ما وصفته بميليشيات حزب الله، بجميع قادتها وفصائلها والتنظيمات التابعة لها والمنبثقة عنها، منظمة إرهابية. وصرح الأمين العام لمجلس التعاون الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني بأن "دول المجلس اتخذت هذا القرار جراء استمرار الأعمال العدائية التي يقوم بها عناصر تلك الميليشيات لتجنيد شباب دول المجلس للقيام بالأعمال الإرهابية، وتهريب الأسلحة والمتفجرات، وإثارة الفتن، والتحريض على الفوضى والعنف في انتهاك صارخ لسيادتها وأمنها واستقرارها". وقال الزياني إن "دول مجلس التعاون تعتبر ممارسات ميليشيات حزب الله في دول المجلس، والأعمال الإرهابية والتحريضية التي تقوم بها في كل من سوريا واليمن والعراق تتنافى مع القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية والقوانين الدولية، وتشكل تهديداً للأمن القومي العربي". وأكد الأمين العام أنه "نظراً لاستمرار تلك الميليشيات في ممارساتها الإرهابية، فقد قررت دول المجلس اعتبارها منظمة إرهابية، وسوف تتخذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ قرارها بهذا الشأن استنادا إلى ما تنص عليه القوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب المطبقة في دول المجلس، والقوانين الدولية المماثلة". وأثار القرار الخليجي مخاوف من تداعيات محتملة على مئات الآلاف من اللبنانيين الذين يعملون في الخليج والذي جاء بعد قرار السعودية وقف مساعداتها إلى لبنان.. وكان مصدر سعودي مسئول أفاد لوكالة الأنباء السعودية /واس/في 19 فبراير الماضي أن المملكة توقف مساعداتها لتسليح الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي اللبناني، وذلك نظرا للمواقف اللبنانية التي لا تنسجم مع العلاقات الأخوية بين البلدين. وأضاف المصدر أن السعودية تقوم بهذه الخطوة في ظل مصادرة ما يسمى حزب الله اللبناني لإرادة الدولة.. و بعد هذا القرار دعت كل من السعودية والإمارات والبحرين وقطر مواطنيها إلى عدم السفر إلى لبنان. ويرى مراقبون سياسيون في لبنان أن لهذا القرار أسبابا متعددة أبرزها دعم حزب الله لجماعة الحوثي في اليمن وما يمثله ذلك من خطر على أمن الخليج خصوصا المملكة العربية السعودية المجاورة، إلى جانب استمرار حزب الله بمهاجمة دول الخليج إعلاميا وسياسيا، إضافة إلى اندراج حزب الله بالقتال إلى جانب النظام السوري الذي تقف ضده دول الخليج. وكان أمين عام حزب الله حسن نصر الله قال الثلاثاء الموافق الأول من مارس أي قبل يوم من صدور القرار الخليجي: إن السعودية دفعت لبنان إلى مرحلة جديدة من الصراع السياسي منذ قرارها وقف مساعدات للجيش اللبناني لكنه أكد أن البلاد ليست على حافة حرب أهلية. وقال نصر الله أيضا إن السعودية تسعى إلى "الفتنة" بين السنة والشيعة في الشرق الاوسط متهما إياها بإدارة هجمات بسيارات مفخخة في لبنان. ولم تكن القوى السياسية اللبنانية المتناحرة مع حزب الله حول مجرى السياسة الداخلية جراء مقاطعته جلسات انتخاب رئيس للجمهورية في البلد الذي يعاني فراغا منذ عام وتسعة أشهر وحول أجندته الخارجية بعد اندراج عناصره بالقتال في الجوار الإقليمي للبنان "سوريا" ، بمنأى عن تحليل أسباب القرار الخليجي إلى جانب تأكيدها أن هذا القرار لن ينعكس على علاقتها مع الحزب الذي يشارك بالحكومة والبرلمان. وفي هذا السياق رأى النائب سعد الحريري رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رئيس تيار المستقبل "أحد قيادات قوى الرابع عشر من آذار" أن قرار دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تصنيف حزب الله بالإرهابي جاء نتيجة الممارسات التي يقوم بها الحزب في المنطقة العربية. وقال الحريري أبرز المؤيدين للسعودية في لبنان في مؤتمر عقده الأسبوع الماضي إن الممارسات التي يقوم بها حزب الله في اليمن والسعودية أو كل المنطقة العربية أدت إلى تصنيفه بالإرهابي. وأضاف أنها ليست المرة الأولى التي يصنف بها الحزب بالإرهابي، حيث صنفته الولاياتالمتحدةالأمريكية سابقا بالإرهابي، كما صنف الاتحاد الأوروبي الجناح العسكري لحزب الله بالإرهابي وذلك بسبب الأعمال التي يقوم بها الحزب. ورأى "أن الأعمال التي يقوم بها "حزب الله" دفعت دول مجلس التعاون الخليجي لتصنيف "حزب الله" ب«الإرهابي». ورد الحريري على سؤال حول ما إذا كان يوافق على تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية بقوله:"لا علاقة لي بالموافقة أو عدمها، حزب الله مصنّف منذ زمن كمنظمة إرهابية ونحن نتحاور معه، ما له علاقة بالوضع الداخلي لا يتغيّر بالنسبة لنا. أما فيما يخص الأعمال التي يقوم بها حزب الله فتعرفون تماما أننا ضدها وأنا أصنّفها بإجرامية وغير قانونية وإرهابية أيضا، أما فيما يخص لبنان فهناك وضع داخلي وعلينا التعامل معه. ويتخوف مراقبون من زيادة التوتر على الساحة الداخلية اللبنانية على وقع التوتر القائم بين إيران والسعودية، إذ تعكس تصريحات المسئولين اللبنانيين والكتل السياسية هذه المخاوف. وقالت كتلة الوفاء للمقاومة في بيان صدر عنها عقب اجتماعها الدوري الاسبوع الماضي إن القرار الصادر عن مجلس التعاون الخليجي الذي يصنف حزب الله منظمة إرهابية هو قرار طائش، عدواني، مدان.. يتحمل النظام السعودي مسئولية صدوره وتبعاته، وهو يتلاقى في شكله ومضمونه مع توصيف العدو الإسرائيلي لحزب الله. كما أن إعلانه لم يكن مستغربا لدينا، ذلك أن تطور العلاقات السعودية - الإسرائيلية يتطلب ذلك، وهو يمثل دفعة على الحساب، لأن العدو الإسرائيلي يشترط لتطور العلاقة معه أن توضع المقاومة على لائحة الإرهاب". أضافت الكتلة:"أن هذا القرار المخز يؤكد صوابية فهمنا لخلفية المواقف السعودية السلبية والعدائية منذ عدوان تموز 2006 بالحد الأدنى، ويزيدنا قناعة بما نقوم به ولن يثنينا أبدا عن إدانة ما ترتكبه السعودية من جرائم وانتهاكات في اليمن ومن تمويل وتسليح ودعم لجماعات الإرهاب التكفيري في العراقوسوريا، ومن تواصل وتنسيق مع العدو الصهيوني الغاصب للقدس وفلسطين". وتابعت:"أننا وفي هذا السياق، ندين أيضا ما تضمنه بيان مجلس وزراء الداخلية العرب حول وصف حزب الله بأنه إرهابي، ونعرب عن ارتياحنا لاعتراض معالي وزير الداخلية والبلديات على هذا الوصف التزاما بموقف الحكومة اللبنانية. وفي هذ الإطار رفض النائب سعد الحريري رئيس الحكومة الأسبق ورئيس تيار المستقبل إدخال بلاده في صراعات سياسية مع دول الخليج جراء انتهاج بعض الفرقاء السياسيين " حزب الله" سياسة العداء تجاه السعودية مشددا على أنه لن يكون لبنان تحت أي ظرف من الظروف ولاية إيرانية. وقال سعد الحريري في خطاب له في الذكرى ال 11 لاغتيال والده رفيق الحريري رئيس الحكومة الأسبق "نحن عرب، وعلى رأس السطح، ولا أسمح بجر لبنان إلى عداء مع السعودية، ولن يكون لبنان تحت أي ظرف من الظروف ولاية إيرانية. نحن عرب وسنبقى، ومن الأفضل أن يهدأ الصراخ، وألا تستخدم بعض القيادات المنابر للصراخ وأن يتم التفرغ لإنقاذ لبنان". بين القبول والرفض للقرار على المستوى الداخلي اللبناني، يبقى السؤال كيف ستتعامل دول الخليج في المرحلة المقبلة مع الدولة اللبنانية ومع اللبنانيين الموجودين على أراضيها، الذين يفوق عددهم النصف مليون، وهل ستسحب ودائعها من البنوك اللبنانية وتغلق مشاريعها الاستثمارية؟