تسريب عن إنشاء قاعدة عسكرية جوية بشمال سوريا - المغرب تجلى 10 آلاف مواطن عن ليبيا
تتقاطع جهود التوصل لحل سياسى للأزمتين السورية والليبية مع محاولات الحسم العسكرى لأطراف الصراع الإقليمية والمحلية، وهى محاولات تتداخل فيها الأطماع الاستعمارية مع الصراعات الطائفية. وفيما دعت الإدارة الأمريكيةروسيا لدعم جهود التوصل لوقف إطلاق النار فى سوريا، كان الواقع على الأرض والتحركات الإقليمية تتجهان فى مسار مختلف ورؤية مغايرة لما تحمله التصريحات والأحاديث الصحفية.
ومع تصاعد دعوات التدخل العسكرى البرى فى المنطقة سواء على الجبهة السورية أم الجبهة الليبية، فإن المنطقة باتت على شفا انفجار كبير قد يغير معادلات القوى وتوازنات المصالح.
وقد كان لفشل مؤتمر جنيف الأخير فى التوصل لوقف إطلاق النار، وزيادة الضغط العسكرى الروسى بالتعاون مع قوات النظام السورى وحلفائه الإيرانيين والميليشيات الشيعية التابعة على المعارضة السورية المسلحة والاقتراب من الحدود التركية، عاملا رئيسيا فى توجه القوى الإقليمية لطرح خيار التدخل البرى العسكرى فى محاولة لتفويت الفرصة أمام تثبيت أركان الحلف الروسي- الشيعى فى المنطقة.
وبرغم أن الحلفاء الإقليميين يدركون أن التدخل العسكرى فى سوريا سيكون محفوفا بالمخاطر، لكنهم يؤكدون أنهم لا يستطيعون ترك روسيا وقوات النظام السورى سحق المعارضة المعتدلة، بما يصنع لهم مشكلات أكبر فى المستقبل، ومن ثم فلا مناص أمامهم من التدخل لتغيير الواقع على الأرض والقضاء على نظام الأسد وتنظيم داعش. وهناك من يرى مثل ريتشارد غوان الباحث بالمجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية، أن النتيجة النهائية التى خرجت بها محادثات جنيف هو إرسال إشارة إلى النظام السورى بأن بإمكانه الاستمرار فى الحملة العسكرية التى تدعمها روسيا من دون دفع ثمن سياسي،كما أنها إشارة إلى الشعب السورى والثوار، بأن مصلحتهم هامشية جدا بالنسبة للقوى الكبرى الآن. وربما كان هذا دافعا للمملكة العربية السعودية ومعها البحرين والإمارات وقطر للإعلان عن الاستعداد للتدخل العسكرى البرى فى سوريا، للقضاء على تنظيمى داعش ونظام الأسد معا، فيما أبدت الكويت دعمها لهذا التدخل دون المشاركة بقوات. ومن المتوقع مشاركة الأردن فى الحملة البرية فى سوريا برغم تأكيد رئيس الوزراء الأردنى عبد الله النسور عدم وجود قرار أردنى بإرسال قوات إلى سوريا حتى اللحظة، فيما ربطت تقارير بين إجراء المناورات العسكرية الضخمة "رعد الشمال" بالسعودية وبين الاستعداد لهذا التدخل. وعقد الرئيس التركى رجب طيب أردوغان اجتماعا أمنيا بمشاركة رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو ورئيس الأركان ورئيس جهاز الاستخبارات ووزير الداخلية، تم خلاله بحث سبل التعامل مع اقتراب القوات الروسية وقوات النظام السورى من الحدود التركية.
وأشارت مصادر مطلعة تحدثت ل«الأهرام العربي» إلى أن تركيا لن تجد مناصا من التدخل العسكرى البرى بغطاء جوى للقضاء على مجموعات تنظيم داعش على حدودها، وعلى قوات النظام السورى التى تقترب منها لكن هذا قد يصطدم بالوجود الروسى هناك مما قد يشعل الأمور. وتحاول تركيا حاليا إحراج المجتمع الدولى ووضعه أمام مسئولياته من خلال فرض قيود على دخول المدنيين السوريين الذين فروا من حلب إثر القصف الروسى لها، وهى محاولة على ما يبدو من تركيا للحصول على دعم أممى لحملتها العسكرية المرتقبة. وكشفت دوائر تركية أن أنقرة تدرس خيارين على الأرجح الأول التدخل بقوات مشتركة مع المملكة العربية السعودية بدعم غير مباشر من الولاياتالمتحدة أو التدخل العسكرى من جانب واحد، وهذا الاحتمال مستبعد فى هذه المرحلة. وفيما تحاول روسيا درء الاتهامات لها باستهداف المدنيين، أظهرت الإحصاءات الجديدة أن الغارات الروسية والسورية أسفرت عن مقتل 1382 مدنيا فى يناير 2016 فقط منهم 679 قتلوا على يد القوات الروسية، بينما قصفت روسيا 25 مدرسة منذ تدخلها فى سوريا بجانب الهجوم على أكثر من 23 مستشفى. وثمة من يرى أن التدخل البرى سيكون من خلال التحالف الإسلامى العسكرى الذى أعلنت عنه المملكة العربية السعودية، والذى سيستهدف إقامة منطقة عازلة فى الشمال السورية، وهو تدخل سيحظى بدعم ومباركة أمريكية. وتحدثت تقارير عن اعتزام السعودية الدعوة لعقد اجتماع للدول المشاركة فى التحالف العسكرى الإسلامى خلال شهر مارس المقبل لبحث قضية التدخل العسكرى فى سوريا، لاسيما أن هذه الدول المنضوية للتحالف تملك 2500 طائرة حربية و44 ألف مركبة قتالية و21 ألف دبابة. لكن الدول الخليجية نفسها ربطت التدخل البرى فى سوريا بقيادة الولاياتالمتحدة لهذه الحملة، بما يعنى أن الأمر سيكون مختلفا عن السيناريو اليمني. وما يزيد من احتمال اكتمال الحلف المعنى بالتدخل العسكرى البرى فى سوريا تأكيد كل من تركيا والسعودية الحصول على إشارات إيجابية من الإدارة الأمريكية فى هذا الصدد، بجانب إعلان روسيا أنها رصدت حشودا عسكرية فى تركيا تمهيدا للتدخل فى سوريا. وهناك أنباء تسربت حول اعتزام الولاياتالمتحدة إنشاء قاعدة جوية فى شمال سوريا، وبالتحديد فى محافظة الحسكة شمال شرق سوريا وأن هذا قد يكون تمهيدا لتدخل برى أمريكي، ذلك ردا على إنشاء روسيا قاعدة جوية ثانية فى سوريا، وهو ما أكده الرئيس التركى أن بلاده لن تتسامح معه وتبعه تأكيد نائب الرئيس الأمريكى جو بايدن، أن الحل العسكرى للولايات المتحدة فى سوريا قائما إذا تعذر العثور على حل تفاوضى وهو ما أكده مصدر دبلوماسى عربى فى القاهرة ل«الأهرام العربي» بأن الحرب ربما تكون الرهان الأخير الذى يتم اللجوء إليه وبموجب قرار أممى تبقى روسيا العقبة الرئيسية أمامه من خلال الفيتو وأن أى حل سياسى سيكون المنقذ للمنطقة كلها من حرب مدمرة. كما أعلن وزير الدفاع الأمريكى آشتون كارتر أن الفرقة 101 ستنشر قريبا فى الموصل بالعراق وفى سوريا برغم أن هذه الفرقة هى فرقة مشاة خفيفة ليست مناسبة لغزو أراض.
وعلى الصعيد الليبى فيما أسفرت جهود الوساطة الأممية عن التوصل لتشكيل حكومة وحدة وطنية، فإن هذه الجهود تحطمت على صخرة رفض أطراف عدة لها خصوصا الحكومة المدعومة من البرلمان الذى يتخذ من طبرق مقرا له ومن اللواء خليفة حفتر. وقد تصاعدت فى الأونة الأخيرة الدعوات الغربية للتدخل العسكرى فى ليبيا، لاسيما من قبل الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا بعد أن تركت هذه القوى ليبيا تعيش فى فوضى وتناحر واقتتال داخلى على مدى 5 سنوات. وكان لظهور تنظيم داعش فى ليبيا وتمدده فى سرت مبررا للتدخل العسكرى فى ليبيا مع التنسيق مع دول جوار ليبيا كتونس ومصر والجزائر لكن الأخيرة تبدى تحفظا فى هذا الإطار خشية تعقيد الأمور. المغرب من جانبها أجلت نحو 10 آلاف من مواطنيها بليبيا تحسبا لأى عمل عسكرى محتمل، مما قد يشير إلى أن التدخل بات وشيكا. وقد كشفت مصادر مقربة أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما طلب تحديدا فى 29 يناير الماضى من مستشارين رئيسيين وضع خيارات لتصعيد القتال ضد مجموعة تنظيم داعش، بما فى ذلك فتح جبهة جديدة لتدخل عسكرى فى ليبيا. وكشفت أن الخيارات التى وضعت تتراوح بين الغارات الجوية المكثفة إلى المشاركة فى قوة برية مدعومة من الأممالمتحدة للقضاء على 3000 مقاتل ينتمون لداعش هناك. كما كشفت صحيفة نيويورك تايمز أن القوات الأمريكية والعمليات الخاصة البريطانية أجرتا مهاما استطلاعية سرية فى ليبيا لتحديد قادة المسلحين ورسم شبكاتها مع تحديد الميليشيات الليبية التى لا تزال يمكن الاعتماد عليها والتى تنقسم حسب المنطقة والقبيلة. وقال مسئولون فى المخابرات الأمريكية إن مجندين تابعين لداعش يتدفقون على ليبيا أسبوعيا بعدما أصبحت الرحلة إلى العراقوسوريا أكثر صعوبة مع تشديد تركيا حدودها مع سوريا.
وتوقعت مصادر دبلوماسية وعسكرية غربية مقيمة بتونس، أن تبدأ أولى الضربات الجوية فى ليبيا منتصف شهر مارس المقبل مع بدء وصول بوارج حربية أمريكية إلى المنطقة. لكن محللين غربيين يحذرون أن من شأن التدخل العسكرى الجديد فى ليبيا، أن يمثل تطورا كبيرا من الحرب التى يمكن أن تنتشر بسهولة إلى بلدان أخرى فى القارة. وشدد المحلل الأمريكى ستراتفور سكوت ستيوارد، على أنه مع استعداد الولاياتالمتحدة وحلفائها الأوروبيين والإقليميين للتدخل فى ليبيا فإنها يجب أن تكون قادرة على الحد من قدرة الجهاديين فى السيطرة على الأراضى علنا، ومع ذلك فإنها سوف تواجه نفس التحدى الذى واجهته فى عام 2011 والخاص ببناء نظام سياسى مستقر من بقايا بلاد محطمة.
وتحولت ليبيا حاليا إلى خليط من الأراضى التى تسيطر عليها مجموعة متنوعة من أمراء الحرب العرقية والقبلية والإقليمية، حيث أنشأت ثلاث ولايات منفصلة (محافظات) منذ أواخر 2014هى طرابلس على طول الساحل الغربى وفزان فى الجنوب الغربى وبرقة فى الشرق. وهناك من يرى أن التدخل العسكرى الروسى والأمريكى فى المنطقة سيكون له نتائج عكسية، ذلك أن الحروب فى الشرق الأوسط تبدأ ولا تنتهى فالحرب فى أفغانستان، بدأت ولا تزال صداها متواصلة وكذلك الأمر فى العراق، وهو ما ينطبق على سوريا وليبيا، لأنها منطقة تتداخل فيها الأبعاد الدينية مع القبلية مع الأطماع الاستعمارية، بحيث يجعل النار دوما فيها خامدة تحت الرماد حتى لو ظن المحللون أنها انطفأت تماما.