عصام خماخم: غياب رئيس الوزراء عن تونس أدى إلى تفاقم الوضع - ياسين اليونسى: الاحتجاج حق للمهمشين شريطة أن يكون سلميا - وائل درويش: الشعب التونسى ليس مستعدا لثورة ثانية عبدالواحد المكنى: العبث بممتلكات الشعب وسيادة الجيش يفتحان الباب أمام المجهول تحت شعار «شغل.. حرية.. كرامة» خرج مئات التونسين من بيوتهم للإعلان عن احتجاجاتهم ورفضهم لأوضاع معيشية واقتصادية صعبة، كانت المحرك الأساسى لثورة تونس فى عام 2011والتى كانت بمثابة الشرارة التى اندلعت بعدها ثورات الربيع العربي، لكن بعد مرور خمس سنوات كاملة لم يلمس الشعب التونسى أى تغييرات على جميع الأوضاع، ومن هنا خرج ثائرا من بيته يبحث عن أحلامه واحتياجاته الأساسية التى لم تختلف عما سبق وقوع الثورة، «الأهرام العربي»، التقت عددا من الشخصيات التونسية لتفسير ما حدث بتونس وأيضا توقعاتهم للأحداث المقبلة .
عصام خماخم، المحامى التونسى يقول: هذه الموجة من الغضب الذى عبر عنها الشباب التونسي، جاءت نتيجة عدم الالتفات لمطالبهم التى أدت إلى اشتعال انتفاضة 14يناير2011ألا وهى التهميش والمحسوبية والبطالة والفقر الذى زادت معدلاته بعد الانتفاضة، وزادت بذلك حالتهم تعقيدا مع شعورهم بعدم الاستماع لأصواتهم وعدم تنفيذ الوعود التى قطعتها عليهم 6حكومات ما بعد 14يناير 2011. ويرى خماخم أن الذين يشاركون فى هذه الموجات الاحتجاجية هم من قاطعوا الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة لعدم ثقتهم فى السياسيين وعدم قناعتهم بالخطاب السياسى الذى ساد تونس منذ ما يزيد على خمس سنوات. فقد عاشوا خلالها عراكا حزبيا حول مواضيع جانبية لا علاقة لها بأهداف الحراك الذى قلب نظام الحكم فى تونس ولا يمت لمطالهم الاجتماعية بصلة. زد على ذلك عجز السلطة الحاكمة التى انبثقت عن الانتخابات التشريعية والتنفيذية الأخيرة والتى تعرضت لعديد من الانتقادات نتيجة عدم وجود روح حقيقية لدى الحكومة لإعلان حرب حقيقية على الفقر والبطالة واقتصارها على اتخاذ ردود فعل لا ترقى أن تكون قرارات إستراتيجية فى إطار سياسة كاملة، تهدف للنهوض بالحالة الاجتماعية والاقتصادية للشباب. إضافة إلى هذا، وبالرغم من اندلاع الاحتجاجات بطريقة سريعة وعنيفة، فقد فاقم الوضع غياب رئيس الوزراء الحبيب الصيد الذى لم يقلقه الوضع وبارح تونس إلى سويسرا ثم فرنسا، إلى جانب غياب العديد من الوزراء الآخرين من بينهم وزير التشغيل المسئول المباشر عن الأزمة الحاصلة الآن، وهو عضو حركة النهضة الذى يقوم بزيارة مجاملة لجمعية لندنية والوزير الناطق الرسمى باسم الحكومة الموجود بالشقيقة المملكة المغربية. كل هذه المعطيات أسهمت فى تغذية الاحتجاجات وصولا إلى إعلان حظر التجوال بكامل الأراضى الجمهورية نظرا لأعمال العنف التى رافقتها. الرأى نفسه عبر عنه ياسين اليونسى المحامى ورئيس لجنة العلاقات الدولية بالجمعية التونسية للمحامين الشبان قائلا: أؤكد حق أبناء كل الجهات المهمشة فى الاحتجاج السلمى المشروع طلبا للشغل والتنمية، كما أنبه إلى ضرورة تجنب اعتماد التعاطى الأمنى كحل، وفتح قنوات الحوار مع المحتجين والاستماع إليهم. وأحمل رئيس الجمهورية باعتباره الساهر على احترام الدستور والحكومة، كذلك مسئولياتهما فى رسم إستراتيجية مدروسة وناجعة لرفع التهميش عن الجهات وتحقيق العدالة الاجتماعية. كما أطلب من الحكومة التعجيل فى إيجاد الحلول المتأكدة لفائدة الشباب المهمش والعاطل عن العمل بالجهات على قدم المساواة. كما أدعو المحتجين إلى التمسك بالمنهج السلمى لاحتجاجاتهم بعيداً عن كل توظيف سياسى، والحفاظ على مؤسسات الدولة وممتلكات المجموعة الوطنية. أما المؤرخ التونسى عبد الواحد المكنى، رئيس جامعة صفاقس والمؤرخ المختص فى التاريخ المعاصر، فقد حذر ممّا سماه العبث بالخطوط الحمراء فى الظرف الحالى، الذى تمر به البلاد التونسية عقب الاحتجاجات الأخيرة التى تعيش على وقعها العديد من ولايات ومناطق الجمهورية، مقترحا حلا عمليا للخروج من المأزق الراهن ويضيف قائلا: إنّ الخطوط الحمراء تتمثل فى مكتسبات الدولة وممتلكات الشعب والمواطنين وسيادة الجيش والأمن الجمهوريين، خصوصا أنّ من يحاول العبث بها بالدعوة إلى ثورة ثانية يمكن وصفه بالمغامر الذى قد يفتح الباب أمام المجهول، خصوصا إزاء غول الإرهاب الذى يترصدّ البلاد. وأضاف المكني إنّ التحوير الوزارى الأخير لم يكن على مقاس الوطن بل كان على مقاس بعض الأحزاب أو شقّ يمثّل بعضها، مبينا أن الحل الذى من شأنه الخروج بالبلاد من شبح المجهول هو الإنصات والحوار وتكوين لجان مشتركة فى كلّ ولاية بين الحكومة والاتحاد العام التونسى للشغل والمجتمع المدنى والتشكيلات ذات المطلبية لتسطير جملة من المطالب القابلة للتحقيق عاجلا أو على المستويين المتوسط والبعيد. وأشار المكنى إلى وجود بعض المزايدات السياسية من أطراف تريد أن تبيّن ضرورة إعادة خلط الأوراق، مقرا بأنّ ذلك من حقّها شريطة أن يتمّ بطريقة ديمقراطية وفى حدود قوانين اللعبة أى احترام الدستور والقانون. لأنّه وفى حقيقة الأمر لا يوجد فى الانتخابات حكم نهائى ولا أغلبية نهائية، خصوصا أنّه لا يجب فقط الاكتفاء بدراسة الملفات من قبل الولاة والمعتمدين والوزراء، لأنّ ذلك لن يقنع الجماهير المنتفضة والتى فيها من هو صادق ومن تمّ توظيفه. ودعا المكنى إلى ضرورة التعجيل بالتعمق فى معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية القائمة دون التفريط فى المكاسب السياسية التى تحقّقت، وذلك من خلال بعث لجان للحوار فى كلّ ولاية تسطّر برامج قابلة للتحقيق ولا تذعن لأضغاث الأحلام. وقد اعتبر المؤرخ عبد الواحد المكنى أنّ حصر المشاكل فى لعبة الشطرنج السياسى هو الذى أدى إلى حصول الانفجار الاجتماعى الحالي. وبخصوص مشروعية دعوة البعض للتعجيل بالنظر فى إمكانية تغيير النظام السياسى الحالى، وهو برلمانى معدّل كما أقره دستور 2014، قال المكنى إنّنا نعرف أنّ النمط الذى اخترناه هو صعب فى البداية ويتطلب طول نفس واستقرارا اقتصاديا. ونحن نشدّد أن على أسباب اندلاع التحركات الاحتجاجية الاخيرة تعزى إلى الأسباب ذاتها التى كانت وراء ما حصل بين ديسمبر 2010ويناير2011، ومن بينها مطلب تشغيل أصحاب الشهادات العليا والحدّ من نسبة البطالة ومقاومة التهميش وإضفاء التوازن بين الجهات والتمييز الإيجابى بين المناطق الداخلية والأقل حظا من الناحية التنموية. وقد كانت الحكومات المتعاقبة على السلطة سواء فى عهد الترويكا أو مهدى جمعة أو حاليا الحبيب الصيد، لم تنكب بالصفة الكافية لمعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية بعد تفشى كارثة الإرهاب التى حلّت بالبلاد، وهى نتيجة التهافت الخارجى على تونس ومحاولة إفشال نمطها المجتمعى وتساهل نسبى فى فترة الترويكا مع جذور وحواضن الإرهاب. لأن الاقتصار كان فقط على التغيير فى مستوى الاستحقاقات السياسية ولم يتم الالتفات إلى ضرورة العمل على تحقيق ثورة ثقافية، لاسيما فى أن الوضع الحالي هو فى الأساس مأزق حقيقى فلا أحد بإمكانه إلجام صوت المطالبين بالكرامة والتنمية والشغل والتمييز الإيجابى فى المقابل، فإنّه لا أحد يمكن أن يوفر ضمانة لهذا الحراك الذى تحوّل إلى هيجان فى بعض الأحيان ويمكن أن تنفلت الأمور فى اتجاه غير محمود العواقب إذا ما حاولت استغلاله الأطراف الإرهابية وبعض الصقور المختصة فى النهب والحرق. أما السياسى التونسى وائل درويش فيؤكد أن هذه الانتفاضة كانت متوقعة وجائت نتيجة لتوجه سياسى خاطئ أدّى إلى التمادى فى منظومة الفساد التى يدفع المواطن ضريبتها، فالائتلاف الحكومى لا يملك برامج واضحة للتنمية، وانتهج مبدأ الولاءات على حساب الكفاءة، وبدت التوافقات فيه غامضة.. ويمضى فى الحديث قائلا: هى مؤسسات تحمى المجرمين وتعمّق جراح الدولة. فالشعب ضاق ذرعا من الوعود الزائفة وبات ينتظر الفرصة للانفجار، وهذا ما حدث. ولم تستطع الدولة السيطرة على هذه الاحتجاجات التى كانت سلمية فى أولها للمطالبة بالتشغيل ومكافحة الفساد لتتحول إلى أعمال عنف وسرقة ونهب وإقتحام لمقرات السيادة بعد أن استغلّتها عصابات مارقة عن القانون لبث الفوضى وجاءت. تصريحات الحكومة وزادت فى تأجيج الوضع بعد أن وعدت بتشغيل 5آلاف عاطل عن العمل فى مدينة القصرين، فأثار ذلك حفيظة بقية الولايات التى طالبت بالمعاملة بالمثل. ويبقى موقف الشعب التونسى متضارباً بين مؤيد لهذه الاحتجاجات كونها ستجبر الحكومة على مراجعة سياساتها والعمل على تفعيل التنمية ومكافحة الفساد، وبين متخوف من تداعياتها على الأمن والاقتصاد، خصوصا أنّ الإرهاب يترصد بتونس، وقد تستغل الجماعات الإرهابية حالة الفوضى لتضرب فى العمق. شخصيا أستبعد أن تؤدى هذه الاحتجاجات لثورة ثانية لأنّ نتائج الثورة الأولى كانت كارثية والشعب التونسى لم يعد مستعدا لإعادة التجربة. أما المذيع التونسى سعيد زورى، فيستبعد وجود انتفاضة تونسية قادمة قائلا: القول بأن تونس تعيش انتفاضة ثانية هو أمر مبالغ فيه، لأن ما يحدث الآن من احتجاجات توسعت رقعتها الجغرافية على كامل تراب الجمهورية ليس إلا استكمالاً لثورتنا التى لم ينل منها أفراد الشعب مطالبهم التى ثاروا من أجلها وغيرها نظام حكم بن على الذى طغى لسنوات، هرب بن علي، لكن للأسف من تعاقبوا على الحكم بعده لم يلتفتوا إلى هذا الشعب، وكل ما قدموه لا يعدو أن يكون سوى وعود واهية لم يتحقق أى منها وبقيت حبرا على ورق بل مجرد وعود انتخابية واهية، والدليل أن مطالب اليوم هى نفسها التى كانت مرفوعة فى 2011. الحكومة التونسية اليوم فى مأزق حقيقى، خصوصا مع توسع رقعة الاحتجاجات وبلوغها العاصمة تونس. لكننا نراها مازالت ماضية فى تقديم الوعود الصعب تحقيقها وكل قراراتها ارتجالية، خصوصا ما يتعلق منها بتوفير مناطق الشغل بأعداد كبيرة. ويضيف زورى قائلا: ما يحدث الآن هو عبارة عن احتجاجات مشروعة تعبر عن مطالب مقبولة ومنطقية فرغم مضى 5سنوات على الثورة فإن الشباب بقى معطلا عن العمل وازداد تهميش الجهات المحرومة وارتفعت نسبة البطالة خاصة فى صفوف خريجى الجامعات. والشباب فى تونس لم يعد بإمكانه الصبر أكثر وهو يشاهد الثورة تسرق منه يوميا وقد ركب عليها من لم يشاركوا فيها، وحتى محاسبة المسئولين السابقين وناهبى أموال الشعب الذين لم تتم محاسبتهم إلى الآن وليس هذا فقط بل إن عناصر من نظام الحكم ممن قامت ضدهم الثورة بدأوا يتسللون شيئا فشيئا نحو سدة الحكم من جديد، والحكومة كان عليها أن تعرف أن صبر الشعب سينفد يوما وسينقلب عليها. ويضيف السياسى الهشيرى أحمد، الخبير فى التسويق والاتصال السياسى قائلا: التحركات الاحتجاجية، الهدف منها إيصال كلمة الفئات المهمشة من أبناء المناطق الداخلية التى لم تحظ بالقدر الكافى من التنمية، غير أن هذه التحركات شهدت دخول مجموعات من دعاة الخراب والفوضى على الخط، فتحولت بعض التحركات السلمية إلى مواجهات مع قوات الأمن واقتحام لمقرات سيادة الدولة، وفى رأيى إن لم تتدارك الحكومة ونواب الشعب الأمر من خلال الاتصال المباشر مع المحتجين، سوف تتعقد الأمور وتتأزم خاصة مع وجود تهديدات إرهابية جدية نظرا لقرب تلك الجهات من مناطق تموقع المجموعات الإرهابية المتمركزة أساسا فى جبل الشعانبى الذى يوجد فى جهة القصرين، المنطقة التى اندلعت فيها الاحتجاجات. وعن الربط بين هذه الحركات وبين تمركز داعش ووجوده فى المنطقة يقول: لا أعتقد أن هنالك ارتباطاً، لكن هناك مخاوف جدية من الدخول لحالة الفوضى، وهى فرصة سانحة للجماعات الإرهابية للتحرك.