سهير عبد الحميد - إسرائيل نهبت تراثنا الوثائقي لتزيف التاريخ .. والرئيس «أبو عمار» أول من نبه للحفاظ على ما تبقى
- وثائق «الطابو» العثمانية تساعدنا فى النزاعات القضائية حول الأراضى الفلسطينية
ليس مستغربا على كيان اغتصب الأرض، زيف التاريخ والجغرافيا ، قتل البشر وانتهك الأثر، أن يسطو على تاريخ بأكمله ويسعى جاهدا لانتحاله.. فكما فعل الصهاينة،الذى يحلو لى دوما أن ألقبهم ب»لصوص الحضارات»، بالتاريخ المصري، وحاولوا محاولة بائسة فضحتها الحفريات والثوابت التاريخية المنطقية، نسب فضل بناء الحضارة المصرية القديمة والزعم بأنهم بناة الأهرامات، عملوا بكل السبل على تزييف التاريخ الفلسطيني، فنبشوا الأرض بحثا عن قطعة أثر أو شطفة فخار تثبت حقا تاريخيا مزعوما لهم فى الأرض، وسرقوا كل وثيقة يمكن أن تدحض من بعيد أو قريب أكاذيبهم. كان هذا محور لقائى مع د. محمد بحيص عرامين رئيس الأرشيف الوطنى الفلسطيني، الذى بدا حزينا وهو يروى لى عن حجم الوثائق الفلسطينية الموجودة فى الأرشيفات العالمية، التى يحاول الأرشيف الفلسطينى الحصول عليها. بينما الوثائق الفلسطينية نهبت من الكيان الصهيونى المحتل.. ودار بيننا حوار حول الوثيقة ودورها فى حفظ الحقوق الفلسطينية ، جاء كما فى السطور التالية:
متى بدأ الاهتمام بجمع الوثائق فى الأرض المحتلة؟ لقد أنشئ الأرشيف الوطنى بمقتضى قرار مجلس الوزراء الصادر عام 2004 . وقبل ذلك التاريخ كانت هناك مرحلة تحضيرية استطعنا خلالها بدأ عمل مسوحات لوثائقنا، وكان الرئيس الفلسطينى أبو عمار مهتما بالأمر للغاية فى ظل ما تعرضت له مكتبات فلسطين من عمليات نهب من جانب الاحتلال الإسرائيلي. ولحسن الحظ لدينا تقليد فلسطينى عتيد جعل العائلات المقدسية وفى نابلس تهتم بحفظ الوثائق والأوراق وتوارثها، إضافة إلى الدور الكبير للمؤسسات الدينية والأوقاف الإسلامية والكنائس والأديرة. وقد أمدتنا العديد من العائلات الفلسطينية بمكتبات كاملة من الوثائق منها مكتبة الخالدى وآل النشاشيرى ومن نابلس «آل تفاحة « ومكتبة أبو السعود. ما عدد الوثائق التى استطعتم إنقاذها وشكلتم منها أرشيفا فلسطينيا وطنيا؟ يوجد لدينا 4000 وثيقة أقدمها يعود إلى العصر المملوكي. وبالطبع لا نستطيع الإفصاح عن أماكنها خشية أن تسطو عليها قوات الاحتلال، وللسبب نفسه لا نحاول نشرها إليكترونيا حتى لا يتم استغلالها بأغراض التزييف والتزوير. وهناك العديد من الجهات الأجنبية التى تسعى بزعم الحق فى المعرفة، جمع الوثائق، وقد اكتشفنا أن أحد الباحثين الأمريكيين كان يحاول جمع الوثائق من المواطنين لقاء مبلغ من المال. وهل هناك اهتمام بترميم الوثائق داخل رام الله؟ لدينا بالفعل مختبر للترميم. وقبل سنوات استضفنا أستاذا تونسيا أقام دورة تدريبية حول الترميم فى القدس وأنشأنا مركزا لترميم المخطوطات فى المسجد الأقصى المبارك. وماذا عن الوثائق الفلسطينية فى الأرشيفات العالمية؟ اكتشفنا وجود 20 ألف وثيقة فى كندا. وقد أوفدنا أحد الباحثين الذى أعد ببليوجرافا كاملة لها. كما عثرنا على وثائق خاصة بمعركة الكرامة فى «ويلز» من بينها شريط بصوت الرئيس أبو عمار وأرسلنا أحد الباحثين لإعداد رسالة ماجستير حولها. كما أن الأرشيف العثمانى ملىء بالوثائق الخاصة بالقضايا العربية بصفة عامة.. وقد حصلنا بالتعاون مع الأرشيف التركى على ملفات «الطابو» التى تخص وثائق تمليك الأراضى وهى مهمة للغاية لنها تثبت ملكية الفلسطينين لأراضيهم من قرون، ونلجأ إليها فى حالة النزاعات القانونية على الأرض. وهناك مبادرة قام بها إخواننا فى المغرب لإعادة إحياء قرار اللجنة الدولية حول الإدارة العربية للمسجد الأقصى المبارك المطل على حى المغاربة الذى تم نهبه ونسفه بالكامل أعقاب حرب 1967، وأقدم الآن مشروعا لتوسيع حائط البراق ليشمل أوقاف المغاربة فى فلسطين وحارة المغاربة التى أضحت بوابة دخول المستوطنين للقدس. وقد عثرنا على وثائق جديدة تخص اللجنة التى تشكلت بعد ثورة البراق التى شكلتها اليونسكو لبحث الخلاف الفلسطينى – الإسرائيلى حول حائط البراق الذى يسميه الكيان المحتل حائط المبكى وفى نهاية الأمر أكدت أحقية العرب فيه. وماذا عن الوثائق فى الأرشيف البريطانى، نظرا لأن فلسطين وقعت تحت الانتداب البريطانى لفترة زمنية طويلة؟ وزارة المستعمرات البريطانية لديها وثائق عديدة. وقد حصلنا على دليل فهرس كامل لما لديهم من وثائق تخص فلسطين. ونزور دوما الأرشيف البريطانى بحكم عضوية الأرشيف الوطنى الفلسطينية فى المجلس الدولى للأرشيفات، وبصفة عامة هناك محاولات لعمل عربى مشترك تحت مظلة جامعة الدول العربية للحصول على نسخة من تلك الوثائق. واليونسكو كلف المجلس الدولى بالعمل على استعادة الأرشيفات العربية من الأرشيفات الأجنبية، التى أعتقد أنها تحتاج إلى وضع إستراتيجية عربية موحدة. هل تعتقد أن المعركة الوثائقية حول حائط البراق قد تجدى نفعا مع عدو يخوض حربا استيطانية من منظور ديني؟ الحقيقة واضحة وضوح الشمس. فمع أول هجرة يهودية لفلسطين وهى التى كانت تضم جولدا مائير، كان اليهود يقيمون شعائرهم عند «باب الرحمة» أى الجدار الشرقى للمسجد الأقصي. ومن باب التسامح الدينى سمح لهم السلطان عبد الحميد الثانى بالصلاة عند الحائط الغربي. وفى عام 1920 بدأت المناوشات بين العرب واليهود وتأججت ثورة البراق وقتلت جماعة عز الدين القسام 50 يهوديا. واستولى اليهود على الحائط الغربى والآن أقاموا بوابة إلكترونية على اليمين واليسار ولا يسمح لنا بالعبور، وإذا عبرنا بشكل استثنائى لا يمكن لنا الاقتراب من المصلين اليهود الذين يكتبون رسائل إلى الله وفق عقيدتهم ويضعونها فى جسد الجدار ظنا أنه من بقايا هيكل سليمان. أما المعركة الوثائقية فهى عنصر مساعد نحاول من خلاله مخاطبة الرأى العام الدولى وقد ينجح قضائيا كما حدث مع مصر فى استعادة طابا.