• أقرأ جيدا، وأعيش مجتمعى بكل هزائمه وانتصاراته وانكساراته وشموخه، ودائما أضع نفسى مكان المشاهد، ولا أعتمد إطلاقا على نجاح سابق • أعشق المسرح القومى منذ كنت طالبا فى كلية الطب، وكنت حريصا على مشاهدة عروضه بشغف وانبهار كبيرين، وحاولت تأجيره وأنا فى الجامعة • "البهلوان" أنقذت المسرح القومى عام 1987 من حالة كساد وركود كبيرين وعملت على انتعاش المسرح ككل • تعمدت أن أعيد عرض "ليلة من ألف ليلة لأنه يحمل عبق التاريخ الذى يعيد نفسه بروح عصرية ويمتلك القدرة أيضا لإضاءة المسرح من جديد • السينما المصرية طوال عمرها للنجوم الشباب، وتخضع "للموضات"!، وتجعل المنتج يقدم "رجلا ويؤخر الأخرى"، لأن رأس المال جبان • سعيد جدا بمعظم أفلامى السينمائية، لأنها كانت تجارب فنية ممتعة وغير سائدة، لكن سينما المقاولات جعلتنى أهرب من هذه الأفلام إلى التليفزيون • أشعر بتفاؤل شديد، وتفاؤلى ليس لي، ولكن لأحفادى بعدما بدأت الأمور تعود إلى نصابها الصحيح بعودة هيبة الدولة والقانون فى الشارع المصرى • أعجبت بالرئيس السادات ورفضت مقابلته • ذهبت لمقابلة مبارك لأعرف منه حقيقة توريث مصر • اندهشت لاستقالة حكومة محلب، وكانت هناك دلائل تؤكد حدوث تغييرات وزراية • مسألة الفساد لا تخيفنا أو تزعجنا، ما "يخضنا" أو يزعجنا، أن يترك الفساد بلا حساب.
صاغ من مشاعره معظم أدواره، واعتلى عرش الأداء الصعب بفرط من موهبة آسرة مكنته من كسر حدة الوسامة المفرطة فى نظر المخرجين والجمهور معا، ليثبت لنا أن أجساد الممثلين باختلاف أشكالها صالحة للظهور على شاشة السينما والتليفزيون، تماما كما الحال فى توظيفها على خشبة المسرح، طالما أن طرق المعالجة حاضرة وفى كل لحظة، وبالتالى تكون حركته طبيعية وساحرة فى نظر المشاهد، خاصة عندما يكون معبرا بشكل صادق يمكنه من إيصال ما يريد إيصاله من أفكار وعواطف إلى المشاهدين، وبحسب الخبراء لا يتحتم أن تكون ملامح الممثل السينمائى وسيمة، وإنما معبرة وخاصة العينين والفم اللذين يلعبان دورا ً أساسيا ً فى تحريك المشاعر وإيصال المضمون، ولا سيما العيون فهى لغة خاصة جدا بحد ذاتها عند نجمنا الكبير، حيث تحمل فى جوانبها كل ما يدور فى دواخل النفس الإنسانية، وتمتلك القدرة الكامنة فى التعبير الصادق من فرط بلاغة المشهد. إنه عبقرى التجسيد الدرامى المصرى "يحيى الفخرانى بقامته وقيمته الرفيعة عبر مشواره الفنى الطويل، شغل نفسه بمهمة البحث عن الطرق التى يعد بها حاله، ليصل إلى المستويات الجسدية والحسية والعاطفية فى فترة قصيرة جدا ً من الزمن، وربما كان الممثل المصرى الوحيد الذى يملك أفضل مقومات السيطرة على عواطفه وانفعالاته، لذا يستطيع فى كل أحواله أن يحلل طبيعة إشاراته التلقائية، كما يعرف جيدا الخصال النفسية والجسمانية والاجتماعية المتأصلة لدى الممثل فى تجلياته المبدعة، وبالتالى لم يسع خلال مشواره يوما لفن يخاصم القيمة، ولم يقدم عملا دون المستوى، بل راهن طوال الوقت على احترامه لنفسه باعتباره جزء أساسى من احترام الجمهور له. ومنذ انطلاقته الحقيقية فى بداية الثمانينيات من خلال دور "رأفت" الابن الأكبر لبابا عبده فى مسلسل " أبنائى الأعزاء شكرا"، مرورا ب" صيام .. صيام"، و "د. جميل أبوثريا" في"عابر سبيل"، لم يسئ أو يهين شخصية قدمها، أو لم يمنحها بعضا من روحه التواقة للإبداع ، ولعل كل دور من هذه الأدوار كان يوصله لمرحلة أو خطوة مهمة على الطريق الصعب، حتى وصل إلى حافة الانفجار المدوى بشخصية "سليم باشا البدري" فى رائعة "أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبدالحافظ" فى ملحمة " ليالى الحلمية" بأجزائها الخمسة. وهو الأمر الذى مكنه من الإبداع والتألق والذوبان فى كل شخصية من شخصياته التى قدمها بعد هذا العمل الذى يعد واحدا من أساطير الدراما المصرية، فقدم الدكتور"ربيع الحسيني" فى " نصف ربيع الآخر"، ومحجوب عبد المتعال فى " لا"، و" بشر عامر" أو "بوتشي" فى رائعة أسامة أنور عكاشة أيضا "زيزانيا". وتبقى شخصيات أخرى مثل "رحيم المنشاوي" فى" الليل وآخره"، و"سيد أوبرا" فى " أوبرا عايدة"، و"جحا" فى "جحا المصري"، فضلا عن "جابر مأمون نصار" فى " للعدالة وجوه كثيرة"، و"حماده عزو" فى "يتربى فى عزه"، و"د.مصطفى الهلالي" فى "سكة الهلالي"، لتؤكد عبقرية نجمنا الذى وصل لقمة عطائه الفنى من خلال " الخواجه عبدالقادر" و"همام" فى " شيخ العرب همام"، وأخيرا "تلفزة شكسبير"، كما جاء فى شخصية "حمد الباشا" فى الدراما المذهلة "دهشة" ليحلق بنا هذا الساحر العبقرى بفلسفته وبساطته نحو آفاق من المتعة الدراميا المحببة. وعلى نفس الدرب من حالة التألق والإبداع جاءت أدواره السينمائية، فلا تجد له دورا شبيها بالآخر، فكل فيلم يعد مغامرة فنية قائمة بذاتها، منذ قدم دوره الصغير البسيط فى فيلم " آه يا ليل يا زمن"، مرورا " بعودة مواطن - الغيرة القاتلة - الأقزام قادمون - خرج ولم يعد - للحب قصة أخيرة - إعدام ميت - إعدام قاضى - الحب فى الثلاجة - أرض الأحلام - مبروك وبلبل - محاكمة على بابا - أنا وأنت وساعات السفر" وغيرها من المغامرات التى تضيف لرصيده الفني، فى نفس الوقت الذى تضيف لنا متعة المشاهدة. عبقرية "الفخراني" فى أنه الفنان المصرى الوحيد الذى يمكن أن ينسينا كل ما سبق وقدمه من أدواره ليسلب كل حواس المشاهد ويوجهها نحو العيش مع دوره الجديد فقط، وربما يرجع ذلك لسحر أدائه وذائقته الفطرية السليمة التى تدفعه نحو الدور المناسب فى التوقيت الصحيح، ولا ينتظر أن يأتى الدور إليه مصادفة، ومن ثم تجده يتقمص الدور كما كتبه مبدعه على الورق، وينسى الفخرانى هنا نفسه تماما ليسلم روحه المبدعة للشخصية، وهو ما جعله دوما حالة فريدة بين سائر نجوم الفن المصرى الحديث، فموهبته الحاضرة وأحاسيسه الدافئة ربما كانت طوق النجاة فى الوصول إلى بر الأمان الإبداعى الخالص، رغم ما يبذله من جهد شاق وأداء صعب لشخصيات حياتية من لحم ودم. وهذه الأيام يقف الفخرانى كعادته شامخا كالنخيل، يطاول السحاب فى الأداء العذب على خشبة معشوقه الأول والأخير "المسرح القومي" الذى جسد على خشبته العديد من التابلوهات الفنية الراقية التى تضعه فى مصاف المسرحيين الكبار - على قدر براعته فى الدراما التليفزيونية والسينما - مثل " البهلوان" رائعة يوسف إدريس، "غراميات عطوة أبومطوة" ل "ألفريد فرج"، هذا جنبا إلى جنب مع "جوازة طلياني" لإدواردو دى فيليبو،"الملك لير" لوليم شكسبير"، والآن يمتعنا بعرضه الجميل " ليلة من ألف ليلة وليلة" الذى أعاد للمسرح جمهوره فى ظل سطوة الفعل الدرامى الحاد، وهو ما أعاد الثقة للجمهور المصرى من جديد فى أبو الفنون"المسرح" ، ليؤكد عشقه الأزلى وبلا حدود للمسرح، فهذا العرض أثبت أن الجمهور عندما يجدضالته المسرحية المنشودة فى فنان ينتمى لجيل العملاقة مثل "الفخراني" يثق فيه، وفى موهبته، ويجد مسرحا محترما مثل " القومي" يقبل على العرض بقوة. ولكل ما سبق فإن الحوار مع الفخرانى يبدو خاصا جدا فى مذاقه ولونه ورائحته، فإلى تفاصيل ومنمنمات "أرابيسك الدهشة المذهلة" لدى هذا الفنان المتوهج إلى حد البساطة الآسرة، وكأنه حكيم أو زاهد عاشق مشغول باللهفة الإبداعية فى محراب الفن الجميل، بما يملك من أدوات وقدرة على التجسيد الحى فى أوج جبروته، فإليكم حوارى معه. فى البداية يهمنا معرفة سر التوأمة بينك وبين المسرح القومي، حيث قدمت عليه معظم أعمالك المسرحية مثل " البهلوان، غراميات عطوة أبومطوة، أنشودة الدم، جوازة طلياني، الملك لير، وأخيرا " ليلة من ألف ليلة"؟ بإبتسامة هادئة قال: أعشق المسرح القومى منذ كنت طالبا فى كلية الطب، حيث كنت حريصا على مشاهدة عروضه بشغف وانبهار كبيرين، ومن كثرة عشقى لهذا الصرح الثقافى والفنى المهم، حاولت تأجيره وأنا فى الجامعة لتقديم عروضنا المسرحية عليه، لكننا لم نوفق فى ذلك. ألم تقدم عليه أى عروض وأنت طالب؟ وأنا طالب لأ، لكن بعد تخرجى من الجامعة مباشرة، وفى بداية مشوارى الفني، حللت مكان الزميل "نبيل الحلفاوي" فى عرض " مدرسة الأزواج" تأليف موليير، وإخراج مجدى مجاهد، وبعد احترافى الفن قدمت عليه كثيرا من العروض، أولها كانت مسرحية " البهلوان" عام 1987 تأليف يوسف أدريس، وإخراج عادل هاشم، وما أذكره عن هذا العمل أن المسرح القومى كان يمر فى هذا الوقت بحالة كساد وركود كبيرين فجاءت " البهلوان" وحققت نجاحا ورواجا جماهيريا ، وعملت على انتعاش المسرح ككل. ذكرت لى أنك شاهدت الكثير من عروض المسرح القومى وأنت طالب، ما العرض الذى شاهدته ولم يبرح ذاكرتك حتى الآن؟ الحقيقة شاهدت أعمال كثيرة كانت على مستوى كبير من المتعة البصرية والذهنية، من أهم هذه الأعمال " ليلة مصرع جيفارا" تأليف ميخائيل رومان، وإخراج كرم مطاوع، ولكرم أيضا شاهدت رائعته التى كتبها الكاتب والروائى الكبير عبدالرحمن الشرقاوى " الحسين ثائرا"، ورغم أن هذا العمل لم يخرج للنور بسبب مشاكل رقابية، لكن مصر كلها أو معظم المهتمين بالمسرح من النقاد والصحافيين شاهد هذا العرض فى بروفاته النهائية، ولقد حرصت على حضور كثير من بروفات هذا العرض، والغريب أن المسرح كان مكتظا يوميا بالجمهور وكأنهم يعرضون عرضا عاما. كيف جاءت عودتك للوقوف على خشبة المسرح مجددا بعد ابتعاد دام حوالى عشر سنوات؟ بهدوء شديد وابتسامة جميلة قال: بعد انتهاء عرض "الملك لير" شعرت أننى لن أستطيع الوقوف على خشبة المسرح مرة ثانية، نظرا للمجهود الكبير والمضنى الذى يتطلبه المسرح يوميا، لكن يوم حضوريالافتتاح المؤقت الذى حضره رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب، والذى كرم فيه مجموعة كبيرة من زملائى الفنانين الذين عملوا فى المسرح، وكنت واحدا منهم، يومها شعرت بحالة حنين وشوق للوقوف على خشبة المسرح مجددا، فقلت بينى وبين نفسى: "لو جاءنى عرضا مناسبا لتقديمه لن أتردد"، وعندما عرض على العمل فى المسرح مجددا لم أتردد، ورشحت لهم أوبريت " ليلة من ألف ليلة" والتى سبق وقدمتها فى موسم 1994 ، وفى البداية كنت أعتقد أن هذا النص ملك دار الأوبرا، لكن اتضح أن حقهم سقط، فقررت تقديمه للقومي. ما الذى استفزك فى شخصية "شحاته" بطل عملك الجديد " ليلة من ألف ليلة" لتقوم ببعث الروح فيه من جديد بعد 21 عاما من رحيله؟ ضاحكا: أكثر من سبب أولها: إننى كنت أريد تقديم عمل مبهج لى شخصيا، أكون سعيدا ومبتهجا وأنا أقدمه، ثانيا كنت "عاوز المسرح ينور" والحمد لله حدث هذا، كما أن العمل فيه عبق التاريخ الذى يعيد نفسه. البعض من عشاق فنك تساءل لماذا لم يعيد رائعته " الملك لير" طالما سيعيد عمل من أعماله القديمة؟ لأننى قدمت " لير" على مدى سنوات على المسرح القومي، وأخيرا قدمته كعمل تليفزيونى من خلال مسلسل "دهشة"، وأنا لا أحب أعيش الإحساس الواحد مرتين. بحكم عملى الصحفى عندما أعود لموضوع قديم سبق وكتبته من قبل ستجدنى غيرت مقدمته، عناوينه، ما الإضافة التى أضافها يحيى الفخرانى ل " شحاتة" فى نسخته الجديدة؟ الخبرة فى الأداء فقط، فبعد 21 عاما من تقديمه لابد عندما أعود لتمثيله مرة أخرى أن تجد أدائى التمثيلى اختلف، أما بالنسبة للنص فتم تقديمه كما هو وبنسخته الأصلية التى قدمت عام 1930 . لماذا لم يتم تقديم العرض بصورة عصرية تتناسب مع الوقت الراهن؟ أعتقد أن إحدى مميزات العرض هو تقديمه كما قدم أول مرة، لدرجة أننى قلت لمخرج العرض "محسن حلمي" وزملائى إننى أريد أن يشعر الجمهور إننا سنة 1930 . حضورك الطاغى على خشبة المسرح وقوة شخصيتك جعلنا نحب ونتعاطف مع شخصية " شحاته" النصاب؟ ضاحكا: الشخصية حقيقى "طعمه"، والنصاب دائما خفيف الظل وظريف، عكس الشخص المستقيم ستجد كثيرا من الناس يعتبرونه "غلس" أو ثقيل الظل! ما العنصر المشترك بين شحاته و"عطوة" فى مسرحيتك "غراميات عطوة أبومطوة" و"يوسف اللبان" فى مسلسل " الخروج من المأزق"؟ النصب ...الثلاثة نصابين، لكن كل واحد بطريقته وأسلوبه الخاص، لكن أخطرهم وأحقرهم "يوسف اللبان" لأنه ينصب باسم الدين، والغريب أن هذا العمل كان سابقالعصره، وتنبأ بما شاهدناه من نصب جماعة الإخوان الإرهابية! دعنا نتوقف عند هذا العمل "الخروج من المأزق" لأنه من الأعمال التى تنبأت وكشفت حقيقة تجار الدين، وأسألك ما ذكرياتك عنه، خاصة إنه أثار ضجة فى وقته؟ فى بداية التسعينات تقريبا 1993 أرسل لى المخرج "صفوت القشيري" السيناريوفلم يعجبني، وبعد أيام فوجئت باتصال هاتفى من القشيرى يقول لي: "إننى أرسلت لك هذا السيناريو لترى ماذا فعلت بالنص الجديد؟"، وبالفعل عرض على التعديلات التى أجراها، والتى رجع فيها إلى الملفات الحقيقية لبعض الأسماء المعروفة التى كانت محبوسة فى السجن، وحجم ثرواتهم من النصب والضحك على البسطاء من المصريينوطرق نصبهم، وتلاعبهم وتجارتهم باسم الدين لخداع الفقراء والبسطاء، فأعجبنى النص جدا بعد التعديلات وقررت تقديمه، لكن المسئولين فى التليفزيون خافوا من عرضه، وظل المسلسل حبيس الأدراج لمدة عامين، وعندما عرض حقق نجاحا كبيرا. نعود لعصرنا الحالى وأسألك: هل خاصمت الواقع المؤلم والمعاش حاليا لهذا لجأت إلى الماضى المتمثل فى " شحاته" و" دهشة" و"أحلام شهر زاد" وغيرهم من الشخصيات التى جسدتها فى السنوات الخمس الأخيرة تحديدا؟ لا .. لا لم أخاصم الواقع! لكننا فى فترة زمنية صعبة ومتغيرة، وحرجة، وغير مستقرة، وتشهد أحداثا جديدة يوميا، وبالتالى صعب تقديم عمل معاصر تتحدث فيه عما يحدث هذه الأيام، أو تقول رأيك أو شهادتك فيما تراه، لأنك ستفاجأ بعد فترة قصيرة جدا جدا بالجديد، والدليل أنك إذا نظرت لمعظم الشخصيات التى كانت موجودة على معظم الفضائيات فى 2011 لن تجدها الآن، وليس هذا فقط، وستجد حقائق كثيرة تكشفت! لهذا تجدنى فى حيرة من أمرى ودائما أقول "هقدم إيه جديد"، وحتى أقرب الصورة أكثر للقارئ أذكر أنه عندما أعيد تقديم فيلم "رد قلبي" كمسلسل، الناس فى الشارع كانت تسخر من أحداثه، ومن زواج "علي" ابن الجناينى من الأميرة " إنجي"، لماذا؟ لأن مؤلف العمل الكاتب "يوسف السباعي" كتب العمل فى ظروف سياسية معينة، والفيلم قدم فى نفس الظروف السياسية التى كانت موجودة، وبالتالى نجح الفيلم، لكن هذه الظروف لم تعد موجودة فى زمن تقديم المسلسل، وبالتالى لم يحقق المسلسل النجاح المطلوب! د. يحيى من أى بئر تغرف ما شاء من مشاعر فياضة، ومن أى بحر تملأ أحاسيسك حتى تجدد موهبتك التى تشبه قطعة الألماس؟ بعد صمت وتفكير ثوانى قال: أقرأ جيدا، وأعيش مجتمعى جيدا بكل هزائمه وانتصاراته، وانكساراته وشموخه، لكن الأهم من كل هذا أن يختلف العمل الجديد الذى أقدمه عن العمل السابق، فمهم أن تكون هناك فروق كبيرة جدا بين الأعمال التى أقدمها لأن الاختلاف يولد التميز، ودائما أضع نفسى مكان المشاهد، ما يشدنى ويجذبنى بالتأكيد سيجذب شريحة كبيرة من الجمهور، ولا أعتمد إطلاقا على نجاح سابق، لأن النجاح السابق لا يمتعنى شخصيا. هناك سؤال يمثل لى لغزا وهو : أنت الفنان المصرى والعربى الوحيد الذى استطاع أن ينسينا شخصياته التمثيلية الناجحة بقوة "فى كل أعماله، ويشغلنا فقط بعمله الجديد، ولا يرتبط اسمه بشخصية درامية واحدة ناجحة أو اثنتين أو حتى ثلاثة مثل معظم فنانينا كيف فعلت ذلك؟ بهدوء وثقة قال : الحمد الله، بعد مشوارى الفنى الطويل، وبعد كم من الأدوار التى جسدتها، لم يعد يمتعنى إلا العمل الذى فيه تحدى لى كممثل، والذى يشغلنى ويأخذ من وقتى وتفكيري، ويجعلنى أتساءل بينى وبين نفسى "هل أستطيع أن أجسد هذه الشخصية؟"، وعندما أجد مثل هذه الشخصية أجسدها على الفور وأستمتع بتجسيدها، وبسبب ندرة الجيد، تجدنى أتعب المؤلفين الذين يعملون معى جدا، حتى نجد الشخصية المختلفة. شخصية الخواجة عبدالقادر كان فيها هذا التحدي؟ بالتأكيد وشخصية صعب تتكرر،لأنها حالة فريدة دراميا، وفيها مخاطرة، وعلى قدر هذه المخاطرة، على قدر نجاحها، وبعض الزملاء يخشون من تقديم مثل هذه الشخصيات ويقولون " معقول نقدم ده"! لكن المتعة أن تقدم المختلف. نجاح تليفزيونى ومسرحى ضخم وصمت ومقاطعة سينمائية كيف تفسر هذه المعادلة؟ بابتسامة خجول قال: تعرض على أحيانا بعض الأدوار السينمائية، لكنها ليست فى قوة أعمالى التليفزيونية، وبالتالى أرفضها، كما أن السينما المصرية طول عمرها للنجوم الشباب، وتخضع " للموضات"! والموضة لا تجعلك حر فيما تقدمه،وتجعل المنتج يقدم "رجلا ويؤخر الأخرى"، إذا تحمس لفيلم مختلف عن السائد، لأن رأس المال جبان، لا يغامر، والسينما المصرية عكس السينما فى الخارج، حيث تجدهم هناك يهتمون بالفنانين الكبار، وتصنع لهم أفلاما جيدة وبتقنيات عالية، بجانب أفلام النجوم الشباب. ماذا تقصد بأن السينما "موضات"؟ بمعنى من يقطع أو يشترى تذكرة فى شباك التذاكر؟ فى الأجيال السابقة لنا كانت طبقة "الباشوات والهوانم"، ثم " الأساتذة والموظفين"، فكانت السينما تعبر عن هؤلاء لأنهم الذين يقطعون تذكرة فى شباك التذاكر، وعندما لمعت وبدأت مرحلة بطولاتى السينمائية كانت طبقة الحرفيين والعمال هى المسيطرة، فقدمنا أفلام تخاطبهم، وبعد جيلى جاءت موضة " الشباب والطلبة" فصنعت نجوما جدد، وقدمت ما يلبى احتياجات الطلبة، وأخيرا موضة الجمهور الحالي، وبالتالى أصبحت أفلامنا كما نراها الآن! هل ظلمتك أدوارك السينمائية التى كانت تبتعد عن الوسامة وتعتمد على "الكراكترات" والتمثيل؟ لم تظلمني، بالعكس أنا سعيد بمعظم أفلامى السينمائية، لأنها كانت تجارب فنية ممتعة وغير سائدة، فتجد "خرج ولم يعد" غير "عودة مواطن"، و" الحب فى التلاجة" مختلف عن "أرض الأحلام" و"إعدام قاضي" قضية بعيدة تماما عن "إعدام ميت"، وهكذا كل فيلم بعيد تماما عن الآخر، من حيث الموضوع والفكرة والإخراج، لهذا ما إن ظهرت أفلام "المقاولات" وبدأت تغزو السينما، فى نفس الفترة التى بدأ نجمى يلمع بقوة فى السينما، وبدأ المنتجين يرسلون لى أفلاما دون المستوى، فهربت من هذه الأفلام إلى التليفزيون. قرأت لك فى حوار سابق إنك تحلم بتقديم سلسلة أفلام عن الفراعنة لماذا؟ ليس سلسلة أفلام، "ومش بس الفراعنة"، لكنى قلت ما ورثناه فى تاريخنا يعمل مئات الأفلام الهامة التى يمكن أن تنافس بقوة على مستوى العالم، وأهم من الأفلام التى تقدم فى هوليوود، فلدينا التاريخ القبطى والإسلامى والفرعوني، لدينا كنز هائل من الروايات والكتب، لا أعرف لماذا لا يقدم؟ ولماذا لا تتبنى الدولة مثل هذه المشاريع السينمائية، بل وتنتجها بسخاء، حتى تظهر فى أفضل صورة، لابد أن ننطلق إلى العالم بشخصيات لا زالت الكتب تصدر وتتحدث عنها إلى الآن، لأن فيها صفة العالمية، لذا أفكر فى فيلم "محمد علي" مؤسس مصر الحديثة، لكنه يحتاج إلى تمويل ضخم، وأن تتدخل الدولة وتتبناه، ورغم أن كثير من منتجى التليفزيون عرضوا على تقديمه كمسلسل تليفزيوني، لكن رفضت كل العروض، لأن ميزته أن يقدم سينمائيا، ويشارك فى مهرجانات دولية، وتغزو العالم بمثل هذه الشخصيات الشهيرة. يهمنى توضيح وجهة نظرك فى تقديم شخصية مثل "محمد علي" أو الشخصيات التاريخية تحديدا؟ معرفة تاريخنا وقراءته من حين لآخر سوف تغير فينا أشياء سلبية كثيرة، فمعرفة التاريخ جيدا تجعل البشر يبتعدون عن الأخطاء، والتاريخ يعيد نفسه دائما ولكن فى صور وأشكال مختلفة، ولو قدمنا فيلم "محمد علي" من خلال رؤيتنا وبوجهة نظر محايدة وصحيحة لشاهدنا العالم كله، بشرط أن يقدم فى " محمد علي" أو غيره من الشخصيات التاريخية والوطنية تاريخى الصحيح الذى يلمس فيه الناس نبرة الصدق فيلتفون حوله. ما الذى يؤرقك فنيا أم تراك تنام على حرير نجاحاتك المتحققة من سنوات طويلة؟ يؤرقنى وبصدق الحلم، بما هو أفضل وأروع،وأتمنى من الله سبحانه وتعالى أن يظل لدى حلم أحلم بتحقيقه حتى يأخذ الله وديعته وأنتقل إلى رحابه، حتى لو هذا الحلم لم يتحقق. كمواطن مصرى مشغول بما يحدث على أرض الكنانة كيف استقبلت خبر استقالة حكومة المهندس إبراهيم محلب؟ باندهاش! وعدم توقع لقرب انتخابات مجلس البرلمان، وبالتالى اندهشت، لكن لم أحاول البحث عن سر هذه الاستقالة المفاجئة، التى كانت هناك دلائل تؤكد حدوث تغييرات وزراية، أهمها فساد وزير الزراعة، لكن إستقالة الحكومة بأكملها كان خبرا مفاجئا!. ماذا كان وقع فساد وزير الزراعة عليك؟ الفساد موجود فى الدنيا منذ بداية الخلق، وسيظل موجودا، مسألة الفساد لا تخيفنا أو تزعجنا، ما " يخضنا" أو يزعجنا، أن يترك الفساد بلا حساب، وعندما يعرف الفساد ويعاقب، هذا دليل على عافية وقوة البلد، وإنذار لكل من يريد فعل شيء خطأ، أو أن يفسد أو يرتشي، ومعاقبة الفساد يعطى أمل أن القادم أفضل، لهذا تجدنى متفائلا جدا بالمستقبل. لماذا لم يعرف عنك انتماؤك لحزب سياسى أو حبك أو انضمامك لأحد الأحزاب؟ منذ بداية مشوارى الفنى عرض على كثيرا الإنضمام إلى حزب، لكننى كنت أرفض تماما، لإيمانى أن الفنان حزب قائم بذاته، وطول عمرى لا أحب المناصب السياسية، وأشفق على الإنسان " الكويس" أن يكون فى منصب سياسي، لهذا كنت ضد ترشح زوجتى الدكتورة "لميس جابر" فى البرلمان عندما نصحها البعض، وغير متحمس لدخولها البرلمان، لكن لا يجوز ونحن فى هذه السن أن أفرض عليها رأيى أو أقول لها " متعملش كده"، لكننى كنت أتمنى أن تترك السياسة لناسها! وهل ما زلت عند رأيك بعدم الاقتراب من السلطة؟ طبعا لا أحب الاقتراب من السلطة بأى شكل مهما كانت جيدة! فمثلا أكثر رئيس كنت معجبا به هو الرئيس محمد أنور السادات، وتم توجيه الدعوة لى لحضور أكثر من مناسبة معه، وكنت أرفض الذهاب! الوحيد الذى ذهبت وجلست معه بالمصادفة الرئيس محمد حسنى مبارك قبل ابتعاده عن السلطة بفترة بسيطة، حيث دعى مجموعة من الفنانين من أجيال مختلفة للجلوس معه، والحقيقة أننى فى البداية ترددت فى الذهاب، لكننى قلت لنفسي:لما لا أجرب وأعرف كيف يفكر رجل فى مثل سنه؟ وكان لدى سؤال يلح على باستمرار هو فكرة التوريث، هل صحيح سيورث ابنه الحكم؟ وهذا كان أول سؤال سألته له : "هل صحيح يا ريس أنك تجهز جمال مبارك للحكم؟" لدرجة أن كثيرا من الفنانين اندهشوا من جرأة السؤال الذى كان يردد بقوة فى الشارع المصري، يومها ابتسم الرئيس وقال لي: جمال فقط يساعدنى فى الحكم ولا نية لدى للتوريث"، وكان صادق فيما قاله، حيث سألت وعرفت من ناس مقربين منه مثل الدكتور مصطفى الفقي، أنه لا يريد توريث جمال مبارك الحكم. هل تأثرت بمشهد محاكمته ووقوفه فى قفص الاتهام؟ صعب على، لأن هذا كان خطرا على البلد، أن تهين رمزا من رموزها بهذه الطريقة، وهذه المعاملة "ستبوظ حاجات كتيرة"، خاصة بالقيم، وفى هذه الفترة حدث شيء لى سأذكره لك، وهو "أنا عموما بعامل الناس بطريقة كويسة أوى"، وصادف بعد المحاكمة بأيام أننى كنت جالس فى سيارتى وزجاج السيارة مغلق وأتحدث فى الهاتف، وفوجئت بشخص لا أعرفه يدق باب السيارة بعنف، فقمت بتحيته بيدى وابتسمت له، وواصلت حديثى فى الهاتف، فوجئت أن الرجل يقول لى كلاما غير مناسب ويردد " اللى عِلى علي"، فتنبهت يومها وشعرت أن الأخلاق تغيرت فى مصر فى فترة قصيرة جدا. لكن الحمد الله بدأت الأمور تعود إلى نصابها الصحيح، وتعود هيبة القانون، التى كانت غائبة فى فترة من الفترات، ودائما كنت أردد أن هيبة القانون أهم من القانون، وهذه الأيام أشعر بتفاؤل شديد، وتفاؤلى ليس لي، ولكن لأحفادي، ففى فترة حكم الجماعة الإرهابية كان لدى يقين أنهم لن يرحلوا، حتى لو بعد مائة عام، وكانت فى حلقى غصة، وفى عينى دمعة، وقلبى كان يتمزق على أحفادي، وكنت أقول لنفسي: " طب الحمد الله أنا عشت طب دول يا ربى هيعيشوا إزاي" دعنا نترك السياسة ونعود للفن هل لحيتك أصبحت ضرورة درامية فى أعمالك؟ ضاحكا بقوة أبدا، مشكلتى إننى لا أحب المكياج، وصادف أن أعمالى الأخيرة كانت تتطلب لحية فتركتها، لكنى مستعد لحلقها فورا إذا تتطلب الدور ذلك. دخلت الفن كشاب بأحلام عريضة كم تحقق منها؟ تحقق كثير منها، لكن يظل الحلم موجودا، ولا تنس أنه لو انطفأ حلمك خلاص انتهيت، ولن تستطيع تقديم شئ. ما الشخصية الحلم التى تتمنى تجسيدها خلال الفترة المقبلة؟ لا توجد مثل هذه الشخصية، فدائما حلم الإنسان يتغير، وفى كل مرحلة أحلام، مختلفة عن المراحل السابقة والقادمة، وإلا الإنسان يتحجر. هل أثرت فى حضرتك كإنسان شخصية فنية قدمتها؟ لأ لم يحدث هذا لأننى أفصل تماما بين الواقع والخيال، لكن فى النهاية كلها معرفة، فعندما تجسد شخصية تتعرف على جوانبها، وأحيانا تقرأ عنها للتوغل أكثر فى أعماقها، وكل هذا يؤثر عليك كإنسان ويزيد ثقافتك. عندما يعرض عليك دور كيف تحول الورق إلى شخصية من دم ولحم؟ عندما أوافق على سيناريو، أقرأ الورق جيدا وببطء شديد، لدرجة أننى يمكن أن أقرأ السطر الواحد وأسرح فيه لمدة نصف ساعة، خاصة لو مشاهد حركت وأشعلت خيالي. ما أكثر شخصية أرهقتك فنيا؟ لا يوجد! اعتقدت كما غيرى أنك ستقول " الخواجة عبدالقادر"؟ أبدا الخواجة عبدالقادر أخذ فقط وقتا كافيا للتحضير جيدا، وجلست مع أجانب كثيرين يتحدثون العربية، حتى آخذ منهم اللكنة. متى تخاصم نفسك؟ والله كتير مثلا لو حسيت أننى كنت مخطئا فى شئ، أو تسرعت فى الحكم على شخص أو موقف، أزعل جدا. هدوؤك الشديد يجعلنى أسألك متى يعلو صوتك غضبا؟ هذا يحدث فى العمل، عندما أجد تقصيرا مؤذىا فى العمل، هذا التقصير يستفزني، ويعلو صوتي، عارف المثل الشعبى الذى يقول "اتق شر الحليم إذا غضب" ينطبق على تماما. هل دموع يحيى الفخرانى قريبة؟ قريبة فى التمثيل أكثر من الحياة! كيف تقابل المواقف الصعبة التى تعترض طريقك؟ بتأن شديد وأردد دائما بينى وبين نفسى : حتى أخرج من هذا الموقف الصعب "غدا يوم آخر" وأفضل بإذن الله. هل لديك عقدة نفسية؟ كلنا لدينا عقد نفسية! هل تعرف عقدتك؟ ضاحكا بقوة: لو عرفتها لن تكون عقدة ستحل. متى تحن للطب؟ عمرى ما حنيت للطب، يجوز هذا حدث مرة أو اثنتين فى بداية مشوارى الفني، عندما كنت أجد صعوبات كنت أقول " يا ريتنى كنت فضلت فى الطب". من أكثر الأشخاص الذين فهموك غير زوجتك الدكتورة لميس جابر؟ بحكم تكوينى فأنا غير منفتح على الناس، لكن بعض المقربين منى فهموني، وأخشى أن أنسى أحدا.