محمد زكي تزايدت المخاوف فى الآونة الأخيرة على المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين بعد تصاعد السياسات الإسرائيلية بانتهاك حرمته، وهو ما يأتى استمرارا لسياسية وضع نهجها شارون حين اقتحم الحرم بصحبة قوات الاحتلال ليشعل نيران الانتفاضة الثانية لتعلن صراحة أن الأقصى خط أحمر. وجاءت الممارسات الأخيرة لقوات الاحتلال لتدفع السلطة الفلسطينية للتحرك عربيا ودوليا من أجل التأكيد على الوضع التاريخى للقدس التى تخضع للإشراف الأردنى منذ احتلال إسرائيل للقدس الشرقية عام 1967، وكذلك المطالبة بحماية دولية للشعب الفلسطينى، وهو ما أقرت الأممالمتحدة بمشروعيته وعارضت واشنطن تنفيذه. وهو ما أكده الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبومازن رئيس السلطة الفلسطينية فى حواره ل "الأهرام العربى" مبينا أن موضوع المسجد الأقصى ليس السبب الوحيد للحراك الشعبى لأبناء القدس، بل الممارسات العنصرية من قبل الاحتلال الإسرائيلى هى التى حركت الفلسطينين دون توجيهات من أحد. كما أوضح أبومازن أن الاتحاد الأوروبى يرغب فى حل القضية الفلسطينية، ولكن أوروبا الآن ليست موحدة وهو ما يضعف دورها وإلى تفاصيل الحوار: يبدو الوضع فى الأراضى الفلسطينية، خصوصا فى القدس الشريف والمسجد الأقصى غامضا، وقد توصل وزير الخارجية الأمريكى إلى تفاهمات، سميت تفاهمات كيرى بهذا الشأن، هل التزمت إسرائيل بمضمون هذه التفاهمات؟ وهل تتوقعون أن يهدأ الحراك الشعبى خلال الأيام المقبلة؟ ما تم التفاهم عليه مع الوزير جون كيرى من قبلنا ومن قبل الأشقاء فى الأردن هو المحافظة على الوضع القائم فى المسجد الأقصى المبارك كمكان عبادة للمسلمين، وهو ما كان مطبقا منذ احتلال إسرائيل للقدس الشرقية عام 1967 ، حيث كانت الوصاية على الأقصى للمملكة الأردنية الهاشمية وتديره الأوقاف الإسلامية، ثم بدأ الوضع يتغير منذ الزيارة المشئومة لشارون للأقصى عام 2000 بحماية قوات الأمن الإسرائيلية، فأدى ذلك إلى الانتفاضة الثانية، ومنذ ذلك الوقت بدأت قوات الجيش والشرطة الإسرائيلية تدخل ساحات الحرم الشريف بلباسها العسكرى واسلحتها وكذلك غلاة المتطرفين اليهود الذين يعلنون أنهم يريدون تدمير الأقصى وإقامة هيكلهم المزعوم مكانه، فى حين تفرض القيود على المسلمين للصلاة بالحرم بمنع من هم دون الخمسين عاما، أو تخصيص ساعات معينة يسمح فيها لليهود فقط بالوجود، فكان ذلك جرس إنذار خطيرا بأن الحكومة الإسرائيلية تريد التقسيم المكانى والزمانى للمسجد الأقصى. لم يكن موضوع الحرم هو السبب الوحيد للحراك الشعبى لأبناء القدس، فالممارسات العنصرية ضد الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين من أبناء المدينة تعددت أشكالها خلال السنوات الماضية، فبنى جدار الفصل العنصرى الذى عزل القدس عن محيطها، وصودرت الأراضى تحت مسميات مختلفة، وفرضت ضرائب باهظة على المواطنين، ومنعوا من البناء أو ترميم منازلهم، وكانت قوات الاحتلال تسحب هويات إقامتهم كمواطنين من القدس لأبسط الأسباب، فانتشر الفقر فى المدينة التى هى زهرة المدائن، وأصبحت القدس التى تدعى إسرائيل أنها موحدة وعاصمة لها، هى النموذج للتمييز العنصرى. مع الوزير كيرى أثرنا كل هذه القضايا وذكرناه بقرارات مجلس الأمن الدولى التى أيدتها وصادقت عليها الولاياتالمتحدةالامريكية والتى ترفض وتدين قرار إسرائيل أحادى الجانب بشأن ضم القدس، والمشاريع الاستيطانية اليهودية فى المدينة، وطلبنا أن تتراجع الحكومة الإسرائيلية عن سياستها بشأن الحرم القدسى والعودة إلى الوضع السابق على أن يقترن هذا بتراجع الحكومة الإسرائيلية عن كل سياساتها العنصرية بالنسبة للقدس الشرقية شعبا وأرضا. جاءت زيارة الوزير كيرى إلى عمان بعد لقائه فى ألمانيا مع نيتانياهو، ويبدو أن نيتانياهو كعادته قال للوزير كيرى كلاما عاما بأن إسرائيل لا تريد تغيير الوضع القائم، وكرر ادعاءاته بأن سبب التوتر مجموعات من المسلمين الذين يرابطون فى الأقصى ويستفزون السياح الذين يسمح لهم عادة بدخول ساحات الحرم، ولكنه لم يذكر بأن ذلك لابد أن يتم بإشراف ومرافقة موظفى الأوقاف الإسلامية وليس القوات العسكرية الإسرائيلية. التفاهمات التى أعلن عنها رغم عموميتها كانت بحاجة إلى برهان، هل سيمنع دخول المجموعات اليهودية بحماية قوات الأمن؟ الجواب حتى الآن لا، وكل ما حصل أن موضوع تركيب كاميرات للمراقبة اصطدم بخلاف فى وجهتى النظر، فالحكومة الإسرائيلية المسئولة عن الانتهاكات تريد أن تكون الكاميرات تحت إشرافها، ونحن والأشقاء فى الأردن ومن خلال الأوقاف الإسلامية فى القدس نصر على أن تكون الكاميرات تحت إشرافنا، ولذلك فان الأوضاع مضطربة سواء بالنسبة لموضوع الحرم القدسى أو بالنسبة للوضع العام فى مدينة القدس، وهذه وغيرها أسباب جوهرية لاستمرار الحراك الشعبي. فى حال ماطل الجانب الإسرائيلى فى تنفيذ ما عليه من التزامات تجاه قدسية أماكن العبادة، ما الإجراءات التى سوف تتخذها القيادة الفلسطينية لحماية المسجد الأقصى؟ تعزيز صمود أبناء شعبنا فى القدس، الذين يحتاجون إلى كل الدعم من قبل أشقائهم فى العالمين العربى والإسلامي، وكذلك العالم المسيحي، لمواجهة مليارات الدولارات التى يدفعها الأغنياء، اليهود المتطرفون من أمريكيين وغيرهم لدعم الاستيطان والاستيلاء على كل شبر فى المدينة، هذا أولا، ثم يأتى بعد ذلك التحرك على المستوى الدولى لإقناع العالم بأن تجاهل مخاطر سياسة الحكومة الإسرائيلية سيؤدى إلى إشعال فتيل حرب دينية لن ينجو منها أحد. ما رأيكم فى التدخل الأردنى لحماية الأقصى؟ وهل أنتم على اتفاق كامل مع العاهل الأردنى الملك عبد الله الثانى فى هذا الشأن؟ نحن متفقون مع الأشقاء فى الأردن على دورهم فى حماية الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية فى القدس، وجلالة الملك عبد الله الثانى يعتبر هذا الدور من الثوابت الأردنية الراسخة. هناك مثل شعبى مصرى يقول" امش عدل يحتار خصمك، أو عدوك فيك"، ومع ذلك نحن نميز ما بين موقف حماس واتهاماتها وموقف الحكومة الإسرائيلية وتحريضها. قيادة حماس تتصرف دائما كمعارض فهى لم تكن، فكرا وتنظيما، جزءا من الحركة الوطنية بقيادة منظمة التحرير طيلة السنوات الممتدة منذ انطلاق الثورة التى فجرتها حركة فتح عام 1965 حتى نهاية عام 1987 عندما بدأت الانتفاضة الأولى، ولذلك تتغلب عندها المصلحة الفئوية على المصلحة الوطنية العليا، لأنها تريد دائما أن تميز نفسها على الكل الفلسطينى حتى بتحالفاتها مما يضر بقضيتنا ولكنه لا يثنينا عن مواصلة نضالنا وعملنا وسعينا لإشراكهم فى المؤسسة الرسمية الفلسطينية، فهم أولا وأخيرا جزء من أبناء شعبنا. أما بالنسبة للحكومة الإسرائيلية فإن ما يسمونه تحريضا هو فى الواقع نقل ما يفعلونه بالصوت والصورة للعالم بأجمعه من إعدامات وقتل بدم بارد واستيطان وتصريحات عنصرية لقياداتهم التى وصلت إلى درجة من اللاإنسانية لدى وزيرة العدل الإسرائيلية التى صرحت بأن "قتل الطفل الفلسطينى هو قتل حية صغيرة" ، ونحن نعتبر أن معركتنا الإعلامية والسياسية على الصعيد العالمى جزء مهم من معركتنا لإنهاء الاحتلال. لقد زرتم محكمة الجنايات الدولية وقدمتم ملفات اتهام ضد إسرائيل بارتكاب جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني، هل ستتابعون هذا الإجراء إلى نهايته؟ وهل تتوقعون تحركاً فاعلاً من جانب المحكمة لتحقيق العدالة؟ نعلم أن الإجراءات لدى هذه المحكمة قد تستغرق وقتا، ولكن الملفات بشأن بعض الجرائم قدمت للمحكمة والمدعية العامة أحالت للقضاة عددا من القضايا التى أثرناها، ولدينا فريق مهنى يتابع الأمور، ولذا فإننا سنواصل مساعينا، دون أن نتجاهل التوجه لمنظمات دولية أخرى وفى المقدمة مجلس الأمن الدولي. سيادة الرئيس أين وصل مطلبكم بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني؟ هل أغلق هذا الملف بسبب الموقف الأمريكي؟ هل تساندكم أوروبا فى هذا الطلب؟ لا يزال هذا المطلب قائما، والسكرتير العام للأمم المتحدة بان كى مون أعلن أن الطلب الفلسطينى له مشروعية دولية، ونعلم جميعا أن توفير الحماية الدولية بحاجة إلى قرار من مجلس الأمن الدولى وهو ما تعارضه الولاياتالمتحدةالأمريكية، واللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة كما يقترح البعض مجال دراسة وتقييم لدينا، ونحن على تواصل مستمر مع مختلف دول العالم ونتعاطى بإيجابية مع كل اقتراح سواء كان فرنسيا أم نيوزيلنديا ولكن من يعرقل كل هذه الاقتراحات التى لا تعكس بالضرورة مواقفنا مائة بالمائة فهو الجانب الإسرائيلى الذى تتبنى الولاياتالمتحدةالأمريكية مواقفه بشكل كامل. أوروبا لديها الرغبة فعلا لعمل شيء ولكنها ليست موحدة سياسيا لتفرض ما تريد، ورغم ذلك فإننا نثمن مواقف دول الاتحاد الأوروبى فى دعمنا سياسيا وماليا، وفى مقاطعتهم لإنتاج المستوطنات. كيف ترى مواقف الدول العربية تجاه الأزمة التى تمرون بها؟ لماذا لا نشهد موقفاً عربياً صلباً وفاعلاً فى مساندتكم؟ رغم الأحداث المؤلمة التى تشهدها عدة دول غربية، فإن قضية فلسطين تبقى القضية المركزية لهذه الأمة، ونحن لا نطلب من أية دول عربية أن تقدم لنا أكثر مما تستطيع، وفى الوقت نفسه لا يخامرنا أى شك بصلابة الموقف العربى ضد محاولات تهميش القضية الفلسطينية، ونعتبر أن إضعاف أى دولة عربية أو التآمر عليها هو إضعاف لنا وتآمر علينا، فقوتنا كعرب بوحدة صفنا، ووأد المؤامرات التى تستهدف تمزيق بلادنا وإثارة النعرات والخلافات بين مكونات مجتمعاتنا. هددتم خلال خطابكم فى الأممالمتحدة بأنكم ستتوقفون عن الالتزام بالاتفاقيات المبرمة بينكم وبين الإسرائيليين، مادام أن إسرائيل لا تحترم هذه الاتفاقيات، هل يعنى هذا خطوة تمهيدية باتجاه إنهاء وجود السلطة الفلسطينية التى كانت ثمرة لهذه الاتفاقيات؟ ما أعلنته فى خطابى أن هناك التزامات وافق عليها الجانبان الإسرائيلى والفلسطينى بموجب اتفاقيات ثنائية أو الموافقة على مبادرات دولية، وعلى العالم أن يعرف من هو الملتزم بالاتفاقيات ومن هو الذى ينتهكها لكى يتحمل مسئولياته. أما موضوع السلطة فأمر آخر لأن قيامها والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطينى كان نتيجة تضحيات جسام بدأت يوم كان هناك نكران لوجود شعبنا، وكان يستعمل الفيتو لمنع صدور قرار عن مجلس الأمن الدولى ينص على مجرد حق الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير، أما اليوم فالعالم كله يؤيد حل الدولتين والسلطة الفلسطينية ترعى وتشرف على المؤسسات الثقافية والاقتصادية وغيرها على أرضنا الفلسطينية. ما نقوله ليس حل السلطة، بل تغيير فى دورها وعلاقتها مع سلطة الاحتلال الإسرائيلي. كيف ترى الموقف المصرى تجاه الموقف المتفجر فى المسجد الأقصى والقدس وفى عموم الأراضى الفلسطينية؟ الموقف المصرى واضح وضوح الشمس للقاصى والداني، فمصر ملتزمة بقضية فلسطين وقدم أبناؤها دماءهم الطاهرة على تراب فلسطين، إننا على تواصل دائم مع فخامة الأخ الرئيس عبد الفتاح السيسي، ونعمل معا لمواجهة الموقف الخطير فى القدس على المستويين الإقليمى والدولي، كما أن لمصر دورا مميزا بالنسبة لموضوع المصالحة الفلسطينية ففلسطين قضية أمن قومى لمصر، ومن الطبيعى أن تكون فلسطين حاضرة باستمرار فى صلب سياسة مصر ونحن نثمن ونعتز بهذا الدور.