جيهان محمود نادرًا ما نجد طبيبا لا يعمل فى مستشفى خاص أو أكثر، وفى المساء يعمل فى عيادته الخاصة، وقليلاً ما يخصص جزءا من وقته لمستشفى عام حكومي، هكذا حال معظم الأطباء فى مصر، لكن دكتور حسين خيرى الفائز أخيرًا بمنصب نقيب الأطباء لا يهتم بكل هذا، لأن كل وقته يعطيه لقصر العينى كلية ومستشفى وطلبة، يدمن العمل الأكاديمى والمهنى، حتى أطلق عليه زملاؤه لقب «راهب قصر العينى»، ولأنه قريب جدًا من طلابه «الذين خصص لهم ساعتين يوميًا للاستماع إليهم والتحدث معهم» أصبحوا يلقبونه ب «الأب الروحى» وليس أستاذًا لهم فقط، ولأنه يشعر بالفعل بأبوته وصداقته لتلاميذه يحرص دائمًا على مشاركتهم فى أنشطتهم مع أسرهم فردًا منهم، يتعامل ببساطة وإنسانية كبيرة معهم، لا يفضل الرسميات يتصرف بطبيعته دون تكلف، لا يشغله سوى عملة فقط، وتطوير وتدريب الأطباء فى مصر، لتقديم خدمة صحية جيدة لكل المواطنين فى مصر.. كل هذا فى الحوار التالى مع الدكتور حسين خيرى نقيب الأطباء، والذى خص به «الأهرام العربى».. يُطلق عليك ألقاب عديدة، منها: الأب الروحى لطلبة كلية طب قصر العيني، راهب الجراحة، وأنشتاين الطب.. أيهما أقرب إلى نفسك؟ أقربهم إلى نفسى هو لقب "الأب الروحي" لأنه أكثرهم تعبيرًا عما أشعر به تجاه تلاميذي. ما حكاية الماريونيت التى تم عملها لك؟ بعد انتهاء فترة عمادتى لكلية طب قصر العيني، أقام لى الطلبة والعاملين احتفالية فى ساحة الكلية تعبيرًا عن حبهم وتقديرهم لي، وكانت لفتة جميلة جدًا منهم، وضمن تلك الاحتفالية أحضر أحد الطلبة هذا الماريونيت، والذى بُذِلَ فيه مجهود كبير جدًا حتى يشبهني، وسعدت به جدًا، وأحتفظ به فى منزلي. كيف تقضى يومك؟ أؤمن بأهمية العمل مبكرًا، لأن ميزة العمل فى الصباح إنجاز العديد من المهام، ما أجمل أن يبدأ الإنسان يومه قبل الآخرين وينجز أعمالا كثيرة فى الوقت الذى يكون فيه غيره سيبدأ العمل، وهذا فضل من عند الله، أبدأ يومى فى السابعة صباحًا بالتدريس فى كلية طب قصر العيني، وبعد المحاضرات أذهب مع الطلبة إلى المستشفى ننظر بعض الحالات، ثم المرور على أسّرِة المرضى فى وحدة الجراحة، وبعدها أمارس عملى بالعيادة الخارجية، وإن كانت هناك عمليات مطلوب إجراؤها أقوم بها، فضلاً عن مقابلة الطلبة وسماعهم والتحدث معهم فى بعض الأمور الطبية والإنسانية، ومنذ انتهاء فترة عمادتى للكلية أصبحت أخصص ساعتين من وقتى يوميًا لاستقبال الطلبة، لإيمانى بأن التواصل بين الأستاذ والطلبة يخلق روحا من الود والشفافية، ويقربهم من الأستاذ فلا يشعرون برهبة منه، ويلجأون إليه لمشورته فى أمورهم العملية والحياتية. يتردد إنك لا تملك عيادة.. هل صحيح؟ الناس يقولون هذا.. لديَّ عيادة والدي، وكنت أتردد عليها فترات قليلة لا تتعدى ثلاثة أيام، لكنى لم أعد أذهب إليها منذ خمس سنوات، لأن كل وقتى أخصصه لتلاميذى ومرضى مستشفى قصر العينى. لماذا اخترت التخصص فى الجراحة؟ هذا التخصص لم أختره، بل جاء لرغبة والدى دكتور محمود خيرى –رحمه الله- حتى لو كنت أريد تخصصا آخر، ففى النهاية رضخت لما أراده والدي، وبعد مرور الوقت وجدت نفسى فى العمل بالجراحة التى أعشقها. تداول نشطاء الفيس بوك صورة لك وأنت تستريح على أرض غرفة العمليات بعد جراحة كبيرة.. فهل أغضبك نشر الصورة؟ ولماذا لا تذهب إلى غرفة الأطباء لتستريح ثم تواصل عملك؟ الحقيقة فوجئت بنشرها، ولم أغضب أبدًا، فقد جاء وضعى فيها نتيجة الإرهاق الشديد، لإجرائى عدة عمليات جراحية متتالية، ففضلت الجلوس على الأرض، وأسند رأسى على ركبتي، وأغمض عينى لدقائق حتى يتم التجهيز لعملية جديدة، بدلاً من إضاعة الوقت والخروج ثم العودة، فأنا أٌدمن العمل جدًا ويستغرق كل وقتي. هل كنت تتوقع فوزك فى الانتخابات؟ من الصعب جدًا أن أتوقع الفوز بمنصب نقيب أطباء مصر بمحافظاتها ومدنها وقراها، فالحقيقة هذا فضل من الله سبحانه وتعالى، لم يكن لى دخل فيه، فهذا العمل النقابى تشريف وتكليف، والتكليف أصعب كثيرًا، فى البداية تكون فرحة الفوز، وبعد ذلك الشخص الفائز يواجه المهام والمسئوليات الجسيمة. كيف ترى عزوف الشباب عن المشاركة بالحضور فى هذه الانتخابات؟ أرجو فى الانتخابات المقبلة، بغض النظر عن شخصية المرشح وقتها، أن يشارك الشباب بحضور مكثف، وأتمنى أن يكون هناك تواصل بيننا وبين كل شرائح الأطباء بشتى أعمارهم، فأنا مقتنع تمامًا بأن التواصل هو مفتاح نجاح كل الأعمال، فإذا أردت إنجاز شيء لابد أن تتواصل وتحشد الناس بحب وود، وإذا تم هذا سنجد كثيرا من الأطباء يحضرون الانتخابات بكثافة كبيرة، صحيح كنت أتمنى أن تكون مشاركة الشباب قوية، لكنها ستتحقق بالتواصل والعمل المستمر بإخلاص وجد. ما أولويات أعمالك كنقيب؟ الحقيقة لمست فى نقابة الأطباء «مؤسسية» رهيبة، إذ يوجد بها مجلس له هيكل تنظيمى ودور واضح، ولديه خطة يتم تنفيذها، ففى أماكن أخرى تجدين كل مسئول جديد يضع خطة خاصة بة ويمحو السابقة، لكن "النقابي" عمله مختلف، فالنقيب مسئول عن العمل الجماعى وإنجاحه، وهناك برنامج موجود منذ عام 2011 والعمل مستمر به، وهذا شيء هائل وجيد. إذا حدث وكرر الأطباء الإضراب عن العمل.. ماذا ستفعل؟ ربنا يسهل ونتمكن من إحتواء جميع الأطباء بالتواصل والحب والمعاملة الحسنة. هناك مشاكل عديدة تقابل نقابة الأطباء.. كيف ستتجاوزها؟ بالفعل توجد مشكلات كثيرة فى النقابة، ومن أولويات العمل لدى هو ضمان التدريب والتعليم المتواصل للأطباء لتطوير إمكاناتهم (من الممكن أن تقوم النقابة بهذا التدريب)، كما سأحرص على حصولهم على حقوقهم المالية والقانونية وغيرها من حقوق، لكن الأهم أن يضمن الأطباء حصولهم على قسطٍ كافٍ من التدريب والتطوير، يجعل منهم أطباء مهرة أكفاء، يستطيعون أداء الخدمة الطبية المطلوبة بسهولة ويسر. كيف ترى مشكلة غياب الأطباء عن عملهم بالمستشفيات الحكومية؟ وكيف يتم معالجتها ؟ طبعًا مشكلة كبيرة، ورأيى أن الذى يستطيع حلها مدير المستشفى الذى يعطى القدوة للأطباء، هو الذى يراعى العاملين معه، ويحثهم على الحضور وأداء عملهم، ولديَّ تجربة عملية بوحدة الجراحة فى مستشفى قصر العيني، إذ بمنتهى الود والحب نجعل كل الأطباء والعاملين حريصين على الحضور إلى عملهم بدأب وبشكل دائم، وأن تظل هذه الروح قائمة، ويستمر العمل بشكل طبيعي، فالإدارة الجيدة الناجحة ليست التى تحاسب، بل هى القادرة على أن تجعل العاملين يحبون عملهم، ويحرصون على المواظبة والتفانى فيه والانتماء إليه، وهذا ما سأحاول تنفيذه فى نقابة الأطباء. هل عدد الأطباء فى مصر كافٍ؟ حتى الآن لدينا نقص فى عدد الأطباء، وفى ذات الوقت لدينا مشاكل أخرى مهمة جدًا، فالأطباء الذين يتخرجون ليس كلهم لديهم فرص لتحسين قدراتهم وتطوير أدائهم، كما لدينا مشكلة كبيرة جدًا فى تسجيلهم للدراسات العليا، وفى تدريبهم وتعليمهم أحدث الاكتشافات الطبية بشكل مستمر، وستكون نقابة الأطباء معهم يدا بيد، حيث نجد كل عام يتخرج أطباء على مستوى أقل مما نرغبه، فهذه نقطة مهمة جدًا جدًا، تعلمين أن إحدى مشاكل كلية الطب منذ فترة قليلة ربما تحسن الوضع الآن تقبل عدد طلاب أكثر من طاقتها الاستعابية الحقيقية، وهذا يؤدى إلى أن كل طالب لا يأخذ القسط الكافى من التعليم والتدريب الذى يمكن مباشرته ورعايته، فعدد الطلاب يزيد كى يرتفع عدد خريجى الطب، فى مقابلة لابد من زيادة المستشفيات التى تقدم خدمة عالية جدًا، وأيضًا تدريب هؤلاء الخريجين، إذ إن طلاب كليات الطب هم الحاصلون على المجموع الأعلى فى الثانوية العامة، وأول توقع لهم الحصول على فرصة ليصبحون متميزين مهنيًا وأخلاقيًا. هل سيتم التعاون والتنسيق بين نقابة الأطباء ووزارة الصحة؟ أول حديث بينى وبين مجلس نقابة الأطباء كان حول الرغبة فى التعاون مع وزارة الصحة لتحسين الخدمة الطبية اللازمة، وسنطلب من الوزير التنسيق معًا لتنفيذ هذا على وجه السرعة. ماذا تتمنى أن تكون عليه الخدمة الصحية فى مصر؟ النظام الأقرب إلى نفسى أن يكون هناك طبيب "ممارس عام" على مستوى عالٍ جدًا من الكفاءة، وهو الذى يذهب إليه المرضى طبقًا للتقسيم الجغرافى، وهو الذى يوجه المواطنين لمتابعة مشاكلهم الصحية بالذهاب إلى عدد من الأطباء الموزعين جغرافيًا، ويعرف هذا "الممارس العام" متى يحول الحالات إلى الاستشاريين أو المتخصصين فى مرضهم، وليس كما يتم فى مصر أن المريض هو الذى يتوجه إلى الطبيب أيًا كانت حالته أو تخصص الطبيب، فيدخل المريض فى متاهة العلاج لفترات طويلة دون جدوى، لعدم اختيار التخصص الصحيح من البداية، وإذا استطعنا إيجاد الطبيب "الممارس العام" بشرط أن يكون ذا كفاءة عالية، ولديه القدرة على تحويل المرضى فى الوقت المناسب لمستوى تخصصى أكثر دقة، كل هذا يتحقق بالتدريب والتعليم المستمر للأطباء، وإن شاء الله يكون قانون التأمين الصحى يحقق ذلك فى القريب. ما أصعب المواقف التى مرت بك أثناء رحلتك العملية على مدى ربع قرن؟ - مشكلة حدثت أثناء عملى عميدا لكلية طب قصر العيني، ولم تكن المشكلة من الطلاب، بل بعض العاملين الذين كانوا يعملون وقفات احتجاجية، والحمد لله بالعلاقات الحسنة انتهت هذه المشكلة بإيجاد الحل اللازم لها، وكانت هذه من المواقف الصعبة عليَّ، وربنا ساعد فيها وانتهت على خير. أثناء توليك منصب عميد كلية طب قصر العينى أقمت شبكة إلكترونية موحدة لربط أعضاء هيئة التدريس والنواب والامتياز والطلاب معًا.. فهل ستطبق هذا على النقابة؟ نعم، أذكر أن "جوجل" ساعدنا كثيرًا جدًا فى تنفيذ هذا المشروع، الذى هو ضمن خطة عملى كنقيب للأطباء، وأيضًا سأسعى لتحقيق فكرة "الممارس العام" بتقديم للمواطنين المعلومات الكافية عن تخصصات الأطباء المختلفة لتسهيل على المرضى إيجاد التخصص اللازم لحالاتهم، من خلال شبكة الإنترنت.