سؤال: ما الذي يجمع بين كل هؤلاء.. الخوف من وصول الإسلاميين للحكم في مصر؟ وحشية الاغتصاب والتعذيب في ليبيا وسوريا والعراق وقيادة السيارة في السعودية .. والمطالبة بالجنسية اللبنانية للأبناء ،وجائزة نوبل في اليمن وراشد الغنوشى في تونس؟! والإجابة هي "المرأة العربية".. التي أبهرت العالم تارة بتقدمها الصفوف في ثورات الربيع وأخرى بحالة الرعب التي تعيشها الآن خشية فقدان جملة حقوق اكتسبتها بعد كفاح طويل يمتد لمطلع القرن العشرين، والآن ونحن على مشارف عام 2012 تقف المرأة العربية تترقب مستقبلا مجهولا وتراجع دورها وتدهور حقوقها في ظل حالة اضطراب سياسي تعيشها بعض الدول العربية وتنامي صعود الإسلاميين للسلطة في دول أخرى. الأهرام العربي تفتح ملف وضع المرأة في عام الربيع العربي وما ينتظرها في قادم الأيام.. البداية من مصر التي وعلى الرغم من تيقن الجميع على أرضها بأهمية الدور الذي لعبته المرأة في نجاح ثورة 25 يناير وترحيب البعض بمشاركتها في المنافسة البرلمانية الجارية والترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة فإن هذا كله لم يحل دون أن تسرى مخاوف عدة بين أوصال كثير من النساء في الفترة الأخيرة إزاء كيفية تعامل التيارات الدينية مع مكتسبات المرأة ومدى إمكانية أن يتم تهميش دور المرأة وتقنين مشاركتها سياسيا واجتماعيا، في ظل هيمنة التيار الديني على غالبية مقاعد البرلمان وخروج أصوات دينية تمثل تلك التيارات تشير إلى أنهم بصدد إضفاء طابع إسلامي على المجتمع وفرض نوع من الانضباط الأخلاقى والسلوكي في الحياة العامة تبدأ بفرض الاحتشام في الملبس ومنع ارتداء البكينى وتنتهي بالتفرقة في أماكن العمل والجامعات ومنع الاختلاط بين الجنسين درءاً للفتنة، وهو ما أثار عاصفة من الجدل لاسيما وأن ذلك تزامن مع اعتداءات جسيمة وصلت إلى درجة السحل والتعرية تعرضت لهما وخروج من يبرر ذلك قائلا: إيه اللي خرج النساء من بيوتهن! وهو ما دفع بالمعنيين عن الحريات العامة وحقوق المرأة المصرية لأن يتسرب إليهم القلق وعدم الطمأنينة إزاء ما قد يحمله المستقبل القريب للمرأة من انتقاص لحقوقها في ظل حكم الإسلاميين، شأنهم فى ذلك شأن ما يدور فى أذهان حقوقيين فى بقية دول الربيع العربي وهو ما تتوقف أمامه لمياء لطفي منسقة الحملة العربية للمساواة دون تحفظ، والناشطة الحقوقية بمؤسسة المرأة الجديدة مؤكدة أن عام الربيع العربى لم يكن كذلك على كثير من النساء فى منطقتنا العربية. وأضافت لمياء لطفي قائلة: حال المرأة التونسية يختلف بعض الشيء بعدما انتابها القلق على مكتسباتها في ظل صعود تيار ديني محافظ ولو أننا نرى كجهة حقوقية سعيا حثيثا في الآونة الأخيرة من قبل قادة حزب النهضة الحاكم الآن لطمأنتها على مكتسباتها في ظل قوانين أسرة أكثر تقدما عن غيرها في مناطق المشرق العربي وهو ما يعد مبشرا بأن العام الجديد سيشهد انطلاقة للمرأة التونسية واحتفاء تلك المخاوف من فقدان مكتسبات الماضي في حين أن المرأة اللبنانية عاشت على مدار عام 2011 وتزال تحت نار التمييز النوعي بل وأيضا الطائفي في ظل قانون أحوال شخصية غير موحد يميز بين النساء على أساس العرق والدين، لافتة إلى أن عام 2011 وهو يلملم أوراقة شهد تراجعا ملحوظا في مكتسبات المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي وحقها في منح جنسيتها لأبنائها وهى القضية التي ستتفجر خلال العام الجديد بينما حال المرأة في مصر يعد مختلفا تماما عما سبق لافته إلى أن المخاوف التى تعترى البعض من انفضاض الإسلاميين حال وصولهم للحكم على مكتسبات المرأة لا أساس له من الصحة. ما قالته منسقة حملة مساواة دون تمييز يعد مطمئنا بعض الشىء إلا أن لحافظ أبو سعدة الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان وجهة نظر أخرى، مفادها أن المرأة المصرية تعيش الخطر على مكتسباتها منوها أن المرأة المصرية ناضلت كثيرا من أجل المساواة مع الرجل في الحقوق والواجبات إلى أن تقلدت مناصب قيادية مهمة كنائبة فى البرلمان ووزيرة وقاضية ومرشحه لرئاسة الجمهورية. وقال: لم يكن ذلك مصادفة ولا هدية من نظام المخلوع حسنى مبارك أو من قبله أنظمة السادات وعبد الناصر وإنما هو نتيجة نضالات أجيال كثيرة من المفكرين والمصلحين بدأت مع مطلع القرن العشرين وتجلت بمشاركتها الفعالة آنذاك في ثورة 1919 ولذا فهى ليست مستعدة للتفريط في أى من مكتسباتها الآن.. مشددا على أن تلك الأحزاب الإسلامية التي انقضت للفوز بمكتسبات ثورة 25 يناير شأنها شأن كل الحركات الرجعية في العالم الإسلامى وتحديدا في الصومال وأفغانستان تنظر للمرأة نظرة دونية ولا تثق في قدرات النساء. من جهتها تلاحظ د. فوزية عبد الستار، أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة حالة الخوف من وصول الإسلاميين للحكم وتراها حالة لا مبرر لها تارة لكون الأحزاب الدينية تحترم حقوق وحرية المرأة وفقا لما تنادى به الشريعة الإسلامية وأخرى، ولأن المجتمع المصري تجاوز هذه المسألة منذ زمان وباتت قضايا عمل المرأة ومشاركتها السياسية والاجتماعية من بديهيات الحياة العصرية مشددة على أن جميع أطياف المجتمع المصري مقتنعة أن مشاركة المرأة في الحياة العامة والمساواة في الحقوق والواجبات أمر غير قابل للنقاش. وفى الجوار من مصر كان للمرأة الليبية دور فاعل في أحداث ثورة 17 فبراير التي عايشتها ليبيا وكللت بإسقاط حكم القذافى بمقتله والقبض على نجله سيف الإسلام حيث كانت المرأة حاضرة في ميادين القتال إلى جانب الثوار بالتمريض تارة وبمساعدتهم بالإمدادات الغذائية تارة أخرى، وهو ما تشير أمامه الناشطة الليبية نسرين البشاري والتي تشغل منصب رئيس اتحاد المدونين العرب عند تقييمها لحال المرأة الليبية وتضحياتها من أجل نجاح ثورة 17 فبراير لافتة إلى النسوة في غالبية المدن الليبية التي شهدن تفجر الثورة كن يخبئن الثوار في البيوت ليبعدوا عنهم رجال الأمن وكن يلاقين الأمرين من صنوف التعذيب والاغتصاب حال اكتشاف قوات القذاقى ذلك واستطردت قائلة: كان للمرأة الليبية دور عظيم جدا في نجاح ثورة 17 فبراير في ليبيا، ولا يمكن حصر هذا الدور في نقاط معينة فدورها كان شاملا وكبيرا ولا أكون ظالمة لو أطلقت على الثورة في ليبيا اسم" ثورة النساء" فالمرأة هي التي دفعت الثمن الأكبر.. فأول من بدأ هذه الثورة هن النساء اللاتي خرجن يوم 15 فبراير أمام مديرية أمن بنغازي واستمر الدور الفعلي والقوي الذي لا يقل أهمية عن دور الرجل طيلة شهور الثورة والحرب والحصار.. وتعرضت المرأة لمثل ما تعرض له الرجل فكان منهن الشهيدات والأسيرات والمغتصبات وقمن بمثل ما قام به الرجل وإن لم يكن أكثر.. وكل هذا من أجل الحرية ومن أجل حقوق المواطن الليبي رجلا كان أم امرأة.. فالمرأة الليبية كانت تتوقع الكثير من هذه الثورة. وختمت البشارى قائلة: إن أكثر ما نخشاه هو نموذج المرأة الأفغانية أو السعودية في ليبيا.. وأكبر ما نريده هو حقوق سياسية واجتماعية معقولة يكفلها لها الشرع والدين والأخلاق.. فمجتمع يرى المرأة عورة هو مجتمع أعمى.. ووطن يلغي دور المرأة هو كيان أعرج.. فالمرأة الليبية هي امرأة متحضرة ومثقفة ومتعلمة ومتميزة وهي شريك في الثورة والوطن وستظل تكافح لتنال كل حقوقها كاملة غير منقوصة. بينما حال المرأة في سوريا تبتعد في تفاصيلها عنه، في مصر أو ليبيا حيث لاتزال ثورة التغيير قائمة، والشعب يريد إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد. وإن كانت هناك مخاوف من تكرار سيناريو تراجع دورها كما فى ليبيا ومصر لاسيما في ظل سعى الرجل السوري إلى تهميش الوجود النسوى على الرغم من أن رصاص الجيش السورى الموالى لبشار الأسد لا تفرق فى القتل بين رجل أو امرأة وهو ما توضحه الناشطة السياسية مرح البقاعي عضو المجلس الوطني السوري بقولها: هذا ليس بمستبعد في عالم يرسم قواعده الرجل بامتياز، ويخطّ قوانينه المدنية ويجتهد في تشريعاته ولا ريب أن تغييب المرأة العربية والسورية عن خطوط المد التفاعلي والإنجاز السياسي إنما هو محصلة لما هو وضع بشري مؤدلج أو عقائدي ديني منزل. وأضافت قائلة: سوريا شأنها شأن بقية الدول العربية المرأة لا تنال إلا الفتات من حقوقها فنحن نرتد وراء إلى مجتمعات ذكورية تؤمن بالقوامة والهيمنة.. وهى مجتمعات منغلقة أقرب إلى الممارسات البدوية الغرائزية القديمة. تلعب علاقة الدين بالسلطة عاملاً مهماً جدا في هذا الانغلاق، حيث إن الإسلاميين هم ظهير لآل الحكم، وآل الحكم ظهير لهم، وشكلوا، معا، على مدى حقب طويلة علاقة وطيدة جدا هي علاقة مصالح مشتركة، فالبقاء في الحكم والسيطرة على المجتمعات العربية لا يتم إلا بتحالف بين السلطة والدين. والمرأة هي أول من يدفع ثمن هذا التحالف لأنها الجزء الأضعف في البنية الاجتماعية، وتؤكد أن المطلوب من ثورة التغيير التي تعيشها سوريا هو تحرير الإنسان أولا، تحرير مفهوم المواطن وإطلاقه حق وواجب للجميع، تتساوى تحت مظلته القوميات والأعراق والأديان والأجناس والثقافات جميع في البلد الواحد، عندها فقط تبدأ مسيرة التنمية الحقيقية وتحقيق التوازن بين الرجل والمرأة في العمل والحياة في آن. وبعيدا من حديث الثورات ودور المرأة في الربيع العربي وما تطمح إليه فإن وضعية المرأة السعودية وقضاياها تختلف كثيرا، وهو ما تشير إليه الأديبة والشاعرة مها باعشن المتعاونة مع الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بالمملكة العربية السعودية. بقولها: واقع المرأة في بلادي يتقدم دوما إلى الأفضل خصوصاً في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، فقد أصبح بمقدور المرأة السعودية أن تكون عضوا في مجلس الشورى وأن تترشح للانتخابات البلدية , كما بات لها الحق في المشاركة في ترشيح المرشحين وذلك بعد صدور مكرمة غالية بهذا الشأن من قبل سمو خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز في شهر سبتمبر الماضي، ولذا فأنا أعتقد أن المرأة السعودية ستفاجأ بمناصب جديدة لها في العام المقبل بإذن لله ما يعكس صورا إيجابية عن المكانة التي باتت عليها المرأة في عهد جلاله الملك عبد الله منوهة إلى أن قضية مطالبة المرأة في بلادها بالحق في أن تقود سيارتها بنفسها سوف تتحقق عن قريب قائلة: أعتقد أن الحكومة ستمنحنا التصريح بالقيادة في الوقت التي تراه مناسبا لوضعية المرأة في المملكة، ووفق الضوابط الشرعية وذلك بعد أن تقوم بتأهيل المجتمع السعودي لتقبل الأمر.