أحمد أمين عرفات إذا كان الكثيرون ينتظرون الربيع ببالغ اللهفة والشوق، وما إن يحل حتى يستقبلوه بقصيدة البحتري الشهيرة التي يقول فيها: « أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا.. من الحسن حتى كاد أن يتكلما» إلا أن هناك من يتمنون الهروب من هذا الفصل، وكل أمنياتهم أن تخلو المواسم منه، نتيجة ما يسببه لهم من متاعب صحية، ولعل من أبرز الذين أعلنوا معاناتهم من الربيع هو الكاتب الكبير نجيب محفوظ، عندما قال: «عندما تخرجت عام 1934، أصابني نوع من الحساسية في عيني وفي الجلد، وكانت تعاودني كل ربيع فتجعلني غير صالح للعمل أو حتى الخروج أو القراءة، وبمجرد أن يحل فصل الخريف أعود إلى طبيعتي»، وهكذا كان صاحب نوبل القوى صاحب النظام الصارم في برنامجه اليومي والإبداعي مستسلما للربيع. وإذا كان الربيع يعود بجوه الجميل وأزهاره الممتعة وروائحها، إلا أنه في نفس الوقت يحمل لعدد ليس بالقليل متاعب عدة، ويمثل لهم موسم التردد على عيادات العيون، هذا ما يؤكده الدكتور عبد المجيد محمد تاج الدين، أستاذ طب وجراحة العيون، المساعد بكلية الطب جامعة الأزهر، حيث يواصل قائلا: مع ارتفاع درجات الحرارة وانتشار حبوب اللقاح المتطايرة فى الجو تبدأ معاناة هؤلاء المرضى الذين يعانون من الحساسية الموسمية والرمد الربيعى، ولفظة الرمد الربيعى فى حقيقتها مجازية وتطلق على الحساسية الموسمية التى تصيب العين فى الربيع وتزداد حدتها فى فصل الصيف، وكلما زادت درجة الحرارة، وهذا المرض يبدأ بالحكة فى العين والرغبة المتزايدة فى دعكها مع عدم القدرة على التوقف عن ذلك، ويصاحب ذلك كثرة الدموع مع الدخول فى دائرة مفرغة من الدعك والحكة مع شدة الحساسية، وكلما زادت الحكة زادت وتيرة الحساسية. كلمة السر وعن علاج هذه الأعراض يشير إلى أنه ينقسم إلي علاج وقائى وآخر دوائى، ولأن الوقاية خير من العلاج، فالوقاية تبدأ بعدم التعرض المباشر لأشعة الشمس خصوصاً فى ساعات الظهيرة، وبقدر الإمكان تجنب التعرض المباشر للأتربة وعوادم السيارات، كما يمكن تقليل تأثير هذه الملوثات باستخدام نظارات شمس على سبيل المثال مع عدم التعرض المباشر لهواء التكييف، لأنه يساعد على جفاف العين، وبالتالى يزيد من تأثير الحساسية، مع الأخذ في الحسبان أنه إذا بدأ الشخص فى الشعور بالرغبة فى حك العين عليه ألا يستجيب لهذا الإحساس وتجنبه، أو يقوم بعمل كمادات باردة بشكل مكثف، فهذا يقلل من الرغبة فى الحكة ودعك العين، فهما كلمة السر فى انطلاق شرارة الحساسية والرمد الربيعي، لأنه مع الحكة تفرز مواد وسطية تعد هى المسبب الرئيسي لتورم الجفون وكثرة الدموع وتزيد الرغبة فى دعك العين، وقد يصل الأمر إلى الصورة الكاملة للرمد الربيعى وفيها يحدث احمرار للعين وتورم للجفون وزيادة الإفرازات المطاطية مع عدم القدرة على مواجهة الضوء، هنا لابد من العلاج الدوائى فى شكل القطرات المعروفة ومراهم العين وأقراص الحساسية، علما بأن معظم القطرات التى تستخدم هى عبارة عن مشتقات عقار الكورتيزون الذي له فوائده، لكن في نفس الوقت تصاحبه آثار جانبية خطيرة، لذلك ننصح بأن تكون مستحضراته غير بالغة القوة واستعمالها أقصر فترة ممكنة وبأقل معدل تكرار، كذلك ننصح بألا يعالج مريض الحساسية نفسه بل لابد من استشارة الطبيب بشكل دورى. ويتفق د. السيد الطوخي، استشاري العيون مع ما سبق ويضيف قائلا: رياح الخماسين التي تأتي مع الربيع هي السبب الرئيسي في تهيج أنسجة العين بسبب ما تثيره من أتربة مما ينتج عنها الحساسية واحمرار العين، وحتى نتلاشي ذلك لابد من ارتداء النظارات الشمسية، فإذا لم يمنع ذلك من حدوث تهيج في العين علينا بعمل كمادات ثلج فهي خط الدفاع الأول، وحوالى 95 % من الحالات تشعر بارتياح نتيجة هذه الكمادات، فإن لم تحقق الكمادات النتائج المرجوة منها خلال 3 أيام، هنا نلجأ للقطرات المضادة للالتهابات والخالية من الكورتيزون، فإذا لم يتم الشفاء نكون مضطرين لمضادات الالتهاب التي بها كورتيزون وذلك فى الظروف الملحة النادرة جدا. خط الدفاع ومن جانبه يقول د. محمد عبد النعيم سلام، أستاذ الأمراض الجلدية والتناسلية بجامعة عين شمس: في فترة تغيير الفصول، وخصوصا بين الشتاء والربيع يصاب البعض ببعض أنواع الحساسية الموسمية ومنها الحزام الناري، ومرض النخالة الوردية، وهما من الأمراض الفيروسية التي تظهر بصورة كبيرة في أوقات تغيير الفصول، ويرجع السبب في ذلك إلى التقلبات الجوية التي تحدث في هذه الفترات، حيث يصاحبها تغير فى مناعة الجسم ككل ونظرا لأن الجلد هو خط الدفاع الأول، فهو يتأثر بصورة كبيرة ويكون أكثر عرضة لأمراض الحساسية، وكذلك الجهاز التنفسي الذي يصاب بحساسية الصدر والأنف وبصورة تصل أحيانا إلى ما يشبه فقدان حاسة التذوق والشم نتيجة الأعراض المصاحبة كالرشح والعطس الشديد وسيلان الأنف، كل ذلك بسبب التعرض للرياح وما قد تحمله من حبوب اللقاح والغبار. وعن كيفية الوقاية والعلاج يشير د. عبد النعيم، بأن للحفاظ على مناعة الجسم، فإن ذلك يتطلب النوم الجيد وشرب الماء الكافي والابتعاد عن الأطعمة التي تحوي مكسبات الطعم والألوان، وأيضا عالية الملح والوجود في أماكن نظيفة مع الحرص على النظافة الشخصية والاغتسال المتكرر، وبالنسبة للعلاج فهو يختلف شخص لآخر وحسب حالته ويفضل بالطبع أن يتم ذلك من خلال الأطباء المختصين لتحديد نسبة الإصابة بالحساسية وتحديد الأدوية المضادة لها حتى يتم الشفاء منها وإمداد المرضى بالنصائح اللازمة حتى يتم تجاوز فصل الربيع الذي يعد بالنسبة لهم موسم المتاعب الصحية بالفعل، على عكس الكثيرين الذي يستمتعون به.