أحمد أمين عرفات إذا كان المثل يقول: «شر البلية ما يضحك «، فإن فى حالتنا هذه يمكن أن نقول « أشر الفنانين من يضحك «، فمن ينس إستيفان روستى وهو يلقى حتفه برصاصة خطأ أطلقها عليه محمد توفيق فى فيلم «حبيبى الأسمر»، وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، يقول بطريقته الكوميدية « نشنت يا فالح « فتضحك الجماهير، بدلا من أن تذرف الدموع على موته؟ ومن ينسى أيضا توفيق الدقن وهو يمارس شره مع الفنان عبد المنعم إبراهيم ويمسك بعلبة صغيرة ويسأله وهو يضربه « العلبة دى فيها إيه « ويجبره أمام الضربات المتتالية عليه ليقول « العلبة فيها فيل»، فيستلقى الجمهور على قفاه من الضحك بدلا من أن يثير هذا الموقف الشفقة لديه على الضحية، ولازمته الشهير « أحلى من الشرف مافيش « والتى كان يرددها فى فيلم « أحبك يا حسن» الذى قدم فيه دور بلطجى الحارة، وهناك آخرون وإن كانوا لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة قدموا أدوار الشر بطريقة كوميدية، هذه الأدوار أين هى الآن على الساحة ؟ وهل تقديم الشر بهذه الطريقة يجعلنا لا نكره الشر ونحبه فيكون انعاكسه سلبيا على المجتمع ؟ أم الأفضل تقديم الشر بشكله القاسى حتى يكرهه الناس ويتجنبوه كما نشاهده هذه الأيام، حيث يتفنن الفنانون والمخرجون فى تقديم الشر حتى إن الجريمة سواء كانت قتلا أو اغتصابا او سرقة أو غيرها نراها بكل حذافيرها على الشاشة التى أصبحت ملونه بدماء القتل ووحشية الأغتصاب وفنون السرقة ؟ الناقد الفنى محمود قاسم والذى فاجأنا بأنه يعد الآن كتابا عن أشرار السينما قال: مشكلة الشرير اللطيف هى أن الجمهور يقبل عليه بشكل لا يجعله يكرهه، بما يقدمه لهم من مقالب ولزمات ضاحكة، كما رأيناه مع توفيق الدقن فى فيلمى «أحبك يا حسن» و«سر طاقية الإخفا» وأيضا فى فيلم «ابن حميدو» فهو يلجأ للشر عندما يجد هناك من سيخطف منه حبيبته "هند رستم" فيبدأ فى تدبير المقالب لغريمه لكى يتم القبض عليه فيفوز هو بحبيبته، ونفس الشيء بالنسبة لإستيفان روستى فهو يقدم الشر بطريقة اللايت كوميدى مثل دوره فى فيلم "سيدة القصر" حيث يلجأ للشر بعد أن جاءت الزوجة التى تهدد مكانته فى القصر، بينما هو يريد أن تفضل مكاسبه ثابتة، ونفس هذه النوعية كررها فى بعض الأفلام مثل " القلب له أحكام"، وينطبق ذلك أيضا على عادل أدهم، فمثلا فى فيلم "المذنبون" يمارس الشر بروح خفيفة من خلال الحصول على المال من النساء وهو يردد عبارة" كله سلف ودين"، وهناك أيضا أنور وجدى الذى قدم أدوار الشر، خصوصا دور الشاب الذى يخدع النساء بخفة دمه وكلامه المعسول. وكذلك حسن حامد، الذى اشتهر بأدوار الشر طوال حياته، لكن فى أواخر أيامه قام بإنتاج أفلام لعب فيها دور الشرير الظريف، مثل دوره فى فيلم" شهر عسل بدون إزعاج"، وأيضا حسين الشربينى الذى قدم هذه النوعية فى عدة أفلام . وعما إذا كانت هذه الأدوار قد اختفت، أشار قاسم إلى أنها لم تختف، فهناك من يلعب دور الشرير" أبو دم خفيف" مثل نضال شافعى فى فيلم "الديلر"، وغسان مطر والذى يعد الأبرز حاليا فى تقديم هذه النوعية، وأفلام كثيرة رأينا فيها حسن حسنى ولطفى لبيب، حيث تجد الواحد منهم يقوم بدور زعيم عصابة بشكل كوميدى، وبرغم ذلك فالقدامى كانوا الأبرز فى مثل هذه الأدوار التى أعتقد أن إستيفان روستى هو أول من صنعها، لأنه بدأ مع البدايات الأولى للسينما فى مصر فقد لا يعرف الكثيرون أنه أخرج فيلم " ليلى " عام 1927، وتميز فيه من بعده توفيق الدقن. وهذا النموذج ارتبط بالرجال – والكلام لا يزال على لسان محمود قاسم - لأننا لو بحثنا فى فنانات الكوميديا مثل زينات صدقى ووداد حمدى وشويكار وغيرهن فلم يقدمن الشر، فيما عدا نجمة إبراهيم والتى اشتهرت بتقديم الشر الجاد إلا أنها فى فيلم واحد وهو"إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة" قدمت بعض المشاهد التى بدت كوميدية . تقليد أعمى وعن تأثير هذه النوعية من الأدوار فى المجتمع تقول د. عزة كريم، أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية: الإعلام بصفة عامة له دور كبير فى تشكيل سلوك الأفراد وتكوين مبادئهم لأنه يصل إلى كل الناس، وتأتى السينما فى المقدمة لما لها من جاذبية شديدة لدى مختلف الفئات والأعمار والمستويات التعليمية، وتزداد أهميتها عندما نعلم أن الفنان البطل يمثل بطريقة لا شعورية مثلا أعلى خصوصا للشباب، فنجدهم يقبلون على تقليده، ليس فقط فى طريقة لبسه وتسريحة شعره، ولكن فى سلوكه أيضا، وكل ما نعيشه اليوم من عنف وانحرافات سببها الأول الدراما، لأنها تجعل العيون تتعود على مشاهد العنف وتتعامل معه على أنه أشياء عادية، ومكمن الخطر هنا هو تأثيرها الشديد على الأطفال والشباب، فالدراما هى مدرستهم الأولى التى يتعلمون منها مختلف السلوكيات وخاصة السلبية مثل التدخين وشرب المخدرات والتحرش والاغتصاب وسوء معاملتهم للوالدين، وإقبال الناس على هذه السلوكيات ليست حبا فى الشر، ولكن لأن من يقدمه لهم هو المحبوب لديهم وهو هنا الفنان الذى يمثل القدوة، وبالتالى أى سلوك يمارسه حتى لو كان خاطئا يقلدونه فيه لارتباطهم به. وتواصل د. عزة كريم قائلة: وما زاد الأمر سوءا أن الفنانين ابتعدوا عن التخصص كما كانت الحال فى السنوات الماضية، حيث كنا نرى فنانين مثل الدقن وروستى متخصصين فى الشر، فكان الجمهور قبل أن يدخل الفيلم يعرف مقدما ما سيقدمه الفنان، كما أن تقديمه بصورة كوميدية كانت تجعله لا يركز فى الجريمة بقدر ما كان تركيزه وتعليقاته فيما بعد حول اللزمات والكوميديا التى صاحبت مشهد الشر، لكن الفنان الآن فى كل عمل يقدم دورا مختلفا وبالتالى إذا كان محبوبا فالجمهور يقلده حتى لو كان سلوكا خاطئا، وللأسف أصبح الفن حاليا يسيطر عليه من يتاجرون بأخلاقنا والنخب أصبحوا يشجعون ذلك بحجة الحرية وهو ما وصل بنا لأن نرى مشاهد الذبح تتم بشكل كامل والابن يقتل والده والزوج يذبح زوجته، وأصبح المخرج يتفنن فى عرض أسوأ و أقسى مشاهد العنف و الشر، ومع تكرارها يتعود الشباب عليها ويتعاملون مع العنف وكأنه شيء طبيعى، ولا أبالغ لو قلت بأن 70% من مشاكل المجتمع بسبب الإعلام والدراما.