حسناء الجريسى رحلت الروائية رضوى عاشور عن العالم ، وهل شمس رضوى عاشور تغيب؟ رحلت عن عالمنا بعد صراع مع المرض ظل يلازمها لشهور، بعدما لعبت دورا بارزا فى إثراء الحركة الأدبية والنقدية فى مصر، فكانت صاحبة قضايا ومواقف واضحة. ولدت عاشور فى 26 مايو 1946 وجمعت بين أكثر من بضاعة فى وقت واحد، كانت الروائية التى كتبت "ثلاثية غرناطة " وصاحبة المشروع النقدى والأستاذة الجامعية بجامعة عين شمس التى تدرس بقسم اللغة الإنجليزية فى كلية الآداب، تميز مشروعها الأدبي، فى شقه الإبداعي، بتيمات التحرر الوطنى والإنساني، إضافة للرواية التاريخية تراوحت أعمالها ، المنشورة بالعربية والإنجليزية، بين الإنتاج النظرى والأعمال المرتبطة بتجارب أدبية معينة، تمت ترجمة بعض أعمالها الإبداعية إلى الإنجليزية والإسبانية والإيطالية والإندونيسية. درست رضوى عاشور اللغة الإنجليزية فى كلية الآداب بجامعة القاهرة، وبعد حصولها على شهادة الماجستير فى الأدب المقارن من نفس الجامعة، انتقلت إلى الولاياتالمتحدة، حيث نالت شهادة الدكتوراه من جامعة ماساتشوستس، بأطروحة حول الأدب الإفريقى الأمريكي، وفي 1977 نشرت أول أعمالها النقدية، الطريق إلى الخيمة الأخرى، حول التجربة الأدبية لغسان كنفاني. فى عام 1979، فى ظل حكم الرئيس أنور السادات، تم منع زوجها الفلسطيني مريد البرغوثي من الإقامة فى مصر، مما أدى لتشتيت أسرتها، وفي 1980، صدر لها آخر عمل نقدي، قبل أن تلج مجالى الرواية والقصة،" والمعنون ب"التابع ينهض"، حول التجارب الأدبية لغرب إفريقيا. تجربتها الروائية يشهد لها الجميع أنها بدأتها ب"أيام طالبة مصرية فى أمريكا" (1983)، والتى أتبعتها بإصدار ثلاث روايات (حجر دافئ، خديجة وسوسن وسراج) والمجموعة قصصية "رأيت النخل"سنة 1989. توجت عاشور رحلتها الأدبية بروايتها التاريخية ثلاثية غرناطة، سنة1994، والتى حازت بفضلها على جائزة أفضل كتاب لسنة 1994 على هامش معرض القاهرة الدولى للكتاب، وفى 1993 عملت رئيسا لقسم اللغة الإنجليزية وآدابها بكلية الآداب بجامعة عين شمس،أصدرت مجموعة من الأعمال تتناول مجال النقد التطبيقي، وأسمهت فى موسوعة الكاتبة العربية 2004 كما أشرفت على ترجمة الجزء التاسع من موسوعة كامبريدج فى النقد الأدبى عام 2005 نشرت أربع روايات ومجموعة قصصية واحدة، منذ عام 1999 حتى عام 2012 من أهمها رواية الطنطورية ومجموعة تقارير السيدة راء القصصية. كانت عاشور عضوا فاعلا فى لجنة الدفاع عن الثقافة القومية ،اللجنة الوطنية لمقاومة الصهيونية فى الجامعات المصرية ،ومجموعة 9 مارس لاستقلال الجامعات،إضافة إلى عضويتها فى مجموعة من اللجان التحكيمية المرتبطة بالمجالين الثقافى والأكاديمى لجنة جائزة الدولة التشجيعية ،لجنة التفرغ بالمجلس الأعلى للثقافة. يقول الناقد الأدبى د. عبد المنعم تليمة عن رضوى عاشور: تعرفت إليها مبكرا فقد درست لها فى جامعة القاهرة قسم اللغة الإنجليزية الأدب العربى هى وزوجها مريد البرغوثى كانا معا فى عام دراسى واحد وقسم واحد، وتخرجا عام النكسة 1967،كان تجمع بينهما قصة حب عميقة وكانت واضحة للجميع وعندما أقدما على الزواج رفضت أسرة رضوى زواجها من فلسطينى فتولت هذا الأمر د. لطيفة الزيات وأخلت لهما طابقا فى منزلها وشملتهما برعايتها. يضيف د. تليمة: سرعان ما تبين نبوغهما فى مجال العمل الإبداعى تفوق مريد فى عالم الشعر وتفوقت هى كقاصة وروائية وناقدة ،عينت معيدة بجامعة عين شمس وعين مريد فى منظمة التحرير الفلسطينية فانشغلت معه رضوى بالقضية الفلسطينية، وتفتحت على آفاق عريضة، وتناولت جبران خليل جبران مقارنة مع وليم بليك ،كان همها الأساسى الدراسات العربية المقارنة مع الآداب الأخرى ثم تألقت فى الحياة العامة ،كانت عضوا فاعلا فى الجمعيات الثقافية وأندية هيئة التدريس وفى السنوات الأخيرة كان لها وجود روائى مرموق جعلها فى الصف الأول من كاتبات الرواية ،لافتا إلى أن أهم أعمالها الأدبية ثلاثية غرناطة التى تجمع فيها بين الموهبة والصبر الشديد والذى احتاج كثيرا من المعارف وهى كانت مستوعبة هذا..بينما يقول د.محمد عبد المطلب أستاذ الأدب بجامعة عين شمس: رضوى عاشور كانت زميلتى بالجامعة وكان طلبتها يعتبرونها أما لهم ، كانت لها إسهامات واضحة ومؤسسة فى السرد الروائى العربى برغم كونها أنثي، لكن منتجها كان يضع المرأة والرجل فى اتجاه محايد ،أعمالها بلغت ذروتها فى ثلاثية غرناطة رغم روايتها التى تحدثت فيها عن جزء من سيرتها الذاتية ، وقدمت فيها نموذجا لمعاناة المغترب فى الخارج..ويستكمل د. عبد المطلب: كان لها دراسات فى السرد العربى عموما والفلسطينى خصوصا، كما ربطت بين الأدب الإفريقى والأمريكى والعربى فى دراسة الأدب الأفرو أمريكى ، ولم تكتف بهذه الدراسات بل كان لها العديد من الدراسات النقدية لبعض الكتابات ،وهى من المؤسسين فى نظرية البحث والأدب. ويرى د. عبد المطلب أن رحيلها يمثل خسارة كبيرة للثقافة العربية وعلى الدولة أن تراعى تجربتها النموذجية الفريدة وتقدرها، وذلك بأن تقدم للقراء أعمالها كاملة بأسعار رمزية ،ويقترح أن تقام جائزة سنوية باسم رضوى عاشور تقديرا لما بذلته فى النواحى الأكاديمية والسردية والنقدية والتى استطاعت فيها أن تربط الأدب العربى بالأدب العالمي. ويرى د. مصطفى الضبع أن رضوى عاشور كانت تمثل دائرة من عدة دوائر تكتمل بها أولاها الأستاذة الجامعية والروائية ، والناقدة ، والناشطة السياسية ، فقد كانت لها إسهاماتها الواضحة فى هذه الدوائر تصعد أحيانا دائرة لكن ليس على حساب الأخرى ،ما جعل لها قيمة عالية فى أرض الثقافة الواسعة. ويضيف أن إنتاجها علامة مضيئة ولم تكن مجرد أستاذة فى قاعة مغلقة لكنها كانت نموذجا للأستاذ الذى يفتح جدران القاعة على العالم كله. . بينما يقول الروائى د. فؤاد قنديل: رضوى واحدة من الوجوه الأدبية المشرفة مصريا وعربيا كانت تتمتع بدرجة كبيرة من الصدق والعمق فى أعمالها المختلفة سواء النقدية أم القصصية أم الروائية . وفى ثلاثية غرناطة تناولت فترة انهيار حكم المسلمين فى الأندلس بعد فترة من ازدهار دامت عشرة قرون ، وهى بهذه الثلاثية كشفت للعرب المعاصرين أننا نقترب من تلك المرحلة التى حدثت، عندما خرج المسلمون من الأندلس أنها تحذر من العوامل المتغلغلة التى تفضى إلى التخلف والتراجع والانحسار ومن ثم الخروج من التاريخ . ومن ناحيته يقول د. عز الدين نجيب: إن رضوى عاشور كانت مثقفا عضويا فاعلا فى الحياة السياسية والثقافية منذ السبعينيات ،كانت دائما جزءا محركا من الحركات الطلابية وفى الدفاع عن القضية الفلسطينية ،والقومية العربية فى الثمانينيات ، كانت فى الصف الأمامى للنضال فى الدفاع عن الحريات التى تعبر عن الشعوب. ويرى د. عبد الناصر حسن أستاذ الأدب بجامعة عين شمس أن رضوى عاشور كانت تمتلك ناصية العربية تماما كما تمتلك ناصية الإنجليزية وشاهدتها أكثر من مرة وهى تترجم بطلاقة شديدة ما يشعرك بأنها شخصية متفردة ، صاحبة مواقف وطنية خصوصا القضية الفلسطينية ، كما كانت أما ناحجة وأستاذة جامعية متميزة فى عملها استطاعت أن تجمع الطلبة حولها وتغرس فيهم القيم والمثل الرفيعة، والجميع كان يعرف قدرها وقيمتها فهى تعد النموذج الأمثل للسيدة المصرية التى يجب أن تحتذى به السيدات جميعا.