محمد وطنى وضعت الانتخابات البرلمانية التونسية الأولى بعد الإطاحة بنظام بن على أوزارها، وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فى تونس الخميس 30 أكتوبر عن النتائج الأولية للانتخابات (قبل حسم الطعون)، لتسفر عن فوز حزب «نداء تونس» ب 85 مقعداً من إجمالى 217 مقعدا، يتألف البرلمان التونسى (ما نسبته 39.1%)،يليه حركة «النهضة» ب69 مقعداً (بنسبة 31.8)، ثم حزب «الاتحاد الوطنى الحر» ثالثا ب16 مقعداً (بنسبة 7.4%) ثم «الجبهة الشعبية» ب15 مقعداً (بنسبة 6.9%)، ثم حزب «آفاق تونس» 8 مقاعد (بنسبة 3.7%)، فيما حصلت باقى الأحزاب والقوائم المستقلة على 24 مقعداً، أكبرها حزب المؤتمر برئاسة الرئيس المنصف المرزوقي، وحصل على 4 مقاعد، وحزب المبادرة برئاسة كمال مرجان آخر وزير خارجية فى عهد بن علي، وحصل على 3 مقاعد. تكشف هذه التشكيلة أن مجلس نواب خال من الهيمنة أو الأغلبية سواء لحزب واحد أم لاتجاه واحد، وهو ما دعا مراقبين للوضع السياسى للتكهن بأن ممارسة البرلمان الجديد لمهامه، وعلى رأسها تشكيل الحكومة الجديدة، وسن تشريعات الدولة لخمس سنوات مقبلة لن تكون سهلة، غير أنها تعتبر - فى ذات الوقت - اختبارا حقيقيا لقدرة ساسة تونس على إدارة الصراع السياسى خلال الأيام والأسابيع القليلة المقبلة فى بلد ينظر إليه الكثيرون باعتباره سباقا فى عملية التحول الديمقراطى عربيا. تحالف «النداء» والنهضة».. السهل الممتنع أعلن حزب "نداء تونس" عقب تأكيد فوزه بالانتخابات البرلمانية أنه لن يحكم تونس بمفرده، (وهو تقنيا لا يستطيع بحكم النسبة التى حصل عليها من مقاعد البرلمان)، وأنه منفتح على الجميع لتشكيل حكومة "وطنية"، حيث قال الباجى قائد السبسي، رئيس الحزب: "إن الحكومة المقبلة يجب أن تضم أكثر ما يمكن من الحساسيات (التوجهات) السياسية"، وأضاف أن "نتائج الانتخابات عكست إرادة شعبية رافضة لمنح الأغلبية المطلقة لأيّ طرف كان، وأن الحكومة المقبلة يجب ألا تُشعر أى طرف سياسى بأنها تعمل ضده"، وقال السبسى إن "حركة النهضة" ليست عدوا أو خصما لحزبه بل مجرد منافس. فإن تحالف النداء والنهضة لا يبدو وشيكا، بل ربما يرجئ الأمر برمته لما بعد الانتخابات الرئاسية التى من المقرر أن تجرى الأحد 23 نوفمبر الحالي، حيث من المرجح أن يخوضها الفريقان بمرشحين مختلفين، برغم عدم تقدم النهضة بمرشح معلن أو منتمٍ للحركة، وهى خطوة يمكن النظر إليها كاستيعاب سريع لتجربة الإخوان المسلمين فى مصر، حيث قال راشد الغنوشي، رئيس الحركة إن "النهضة": "لم تندم على عدم تقديم مرشح فى الانتخابات الرئاسية المقبلة اعتبار أنها ترفض أى نزعة للهيمنة والاستحواذ على دواليب السلطة برأسيها التشريعى والتنفيذي". وهو التصريح الذى ينظر إليه باعتباره تلميحا لعدم نية الحركة دعم السبسى مرشحا للرئاسة بعد أن فاز حزبه فى الانتخابات البرلمانية، فإن مصادر مقربة للحركة كشفت عن أن الحركة لم تستقر بعد على اسم المرشح الذى ستدعمه فى الانتخابات الرئاسية، وإن كانت المؤشرات تدفع نحو دعم "النهضة" مجددا للرئيس التونسى الحالى منصف المرزوقي. ووفق هذه الرؤية يمكن وصف تحالف "النداء" و"النهضة" بالسهل الممتنع، فهو من جهة يضمن للحزبين أغلبية مريحة تفوق ثلثى أعضاء البرلمان المنتخب (نحو 71%)، وتضمن تمرير القوانين والتشريعات التى يتفقان عليها، ما يجعل تحالفهما هو الخيار المنطقى الأفضل، خصوصا أن رؤى وتوجهات الحزبين الاقتصادية والاجتماعية متقاربة بشكل كبير، فإن التباينات الكبيرة فى آليات التنفيذ بين الطرفين، وما ردده كل طرف من انتقادات لتوجه الآخر ومرجعيته قبل وأثناء الانتخابات البرلمانية، وقبل هذا وذاك حالة الاستقطاب السياسى ما بين العلمانيين من جهة والإسلاميين من جهة أخرى تشى بصعوبة تحقيق مثل هذا التحالف على أرض الواقع، أو استمراره مدة السنوات الخمس عمر البرلمان الجديد، وينذر فى ذات الوقت باحتمال تعثر تشكيل الائتلاف الحكومى لأسابيع. بدء السباق الرئاسي.. المرزوقى يهاجم الإعلام.. والسبسى على خطى بورقييبة لم يكد يمر يومان على إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فى تونس للنتائج الأولية للانتخابات البرلمانية، حتى انطلقت حملات المرشحين للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها يوم 23 نوفمبر الجاري، حيث شرع المرشحون رسميا فى حملاتهم الدعائية لحث الناخبين على التصويت لهم السبت الماضي، وبموجب الدستور التونسى الجديد، لم يعد الرئيس يمثل السلطة العليا والأساسية فى البلاد، إذ انتقلت معظم السلطات والصلاحيات إلى رئيس الوزراء. ويتنافس فى هذه الانتخابات 27 مرشحاً، وبحسب المراقبين تبدو حظوظ كل من الباجى قائد السبسى رئيس "نداء تونس" هى الأوفر، وربما يدفعه الرئيس الحالى منصف المرزوقى إلى خوض جولة إعادة حال قررت "النهضة" دعمه، ما لم تحدث مفاجآت. وقد دشن الرئيس التونسى الحالى المنصف المرزوقي، حملته الانتخابية بكلمة ألقاها أمام أنصاره فى تونس العاصمة، حيث قال:"إن أكبر خطر هو التغوّل، عندما يكون رئيس مجلس البرلمان ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة من نفس الحزب، الحزب القديم"، فى إشارة واضحة إلى حزب "نداء تونس" الذى أحرز الأغلبية فى الانتخابات البرلمانية، وأضاف المرزوقى أن "آلة نائمة" تحركت وأعادت "النظام القديم"، ولعبت دورا مهما فى خروج نتائج الانتخابات البرلمانية على هذا النحو. وأقر المرزوقى بأخطائه فى فترة ولايته الأولى وقال:"إن من اؤتمنوا على الدولة ربما "ارتكبوا أخطاء لكنهم لم يرتكبوا أبدا أية خطيئة فى حق الشعب، بل فعلوا كل ما فى وسعهم وبنوا أسس الدولة الديمقراطية طوال 3 سنوات"، وقال المرزوقى إن "الثورة فرصة تاريخية تعطى للشعب لبناء أسس دولة سليمة والتخلص من كل ما هو بال ومتعفن وقديم". وهاجم المرزوقى الإعلام وحمله مسئولية ما وصلت إليه البلاد من عودة للمنظومة القديمة، ونقل موقع العربية نت عن المرزوقى قوله:"إن الإعلام ضرب المواطن وكذب عليه وزور الواقع خلال السنوات الثلاث الأخيرة". ومن جهة أخرى أطلق الباجى قائد السبسي، رئيس حزب "نداء تونس"، حملته الانتخابية الرئاسية من مدينة المنستير، مسقط رأس الرئيس التونسى الأسبق الحبيب بورقيبة، فى إشارة رمزية واضحة، ويوصف السبسى البالغ من العمر 87 عاما، بأنه خصم للإسلاميين فى تونس، وهوأحد رموز نظام الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة الذى حكم البلاد بين 1956 و1987، وتولى فى عهده العديد من المناصب بينها وزارات الداخلية والدفاع والخارجية، كما تولى فى بداية عهد الرئيس السابق زين العابدين بن على منصب رئيس مجلس النواب، وكان عضو اللجنة المركزية للحزب الحاكم "التجمع الدستورى الديمقراطي" حتى 2003. وعقب اندلاع الثورة التونسية تولى السبسى مطلع فبراير 2011 منصب رئيس الحكومة خلفا لمحمد الغنوشى المستقيل. وبقى فى هذا المنصب حتى نهاية ديسمبر 2011، حين تسلمت حركة "النهضة" الإسلامية الحكم إثر فوزها فى انتخابات المجلس الوطنى التأسيسى التى أجريت يوم 23 أكتوبر من ذات العام. وواجه قائد السبسى اتهامات بتعذيب معارضين عند توليه وزارة الداخلية خلال عهد بورقيبة. وقد أقام معارضون دعوى قضائية ضده فى 2012 من أجل التعذيب وهى تهمة نفاها عن نفسه. إعادة دراماتيكية ويُنظر للانتخابات الرئاسية التونسية المقبلة باعتبارها جولة جديدة بين الإسلاميين - برغم عدم تسمية مرشح بعينه - وبين الليبراليين من جهة أخرى، وبرغم العدد الكبير من المرشحين (27 مرشحا) يظل كل من السبسى (رجل النظام السابق كما يصفه خصومه)، والمرزوقى (المدعوم من الإسلاميين كما يروج منتقدوه) هما المرشحان الأوفر حظا فى الانتخابات فى إعادة يراها البعض دراماتيكية لانتخابات الرئاسة المصرية الأولى بعد الثورة، حين انحصرت المنافسة آنذاك بين الفريق أحمد شفيق (رجل النظام السابق)، والدكتور محمد مرسى (مرشح الإخوان المسلمين)، لتستمر حالة الاستقطاب السياسى بين الطرفين، وتصبح السمة الغالبة للتحولات السياسية الجذرية التى تشهدها المنطقة، وإن تباينت وتبدلت بؤر الضوء مع مرور الوقت، فهل ستستطيع تونس أن تكون الأولى بين دول المنطقة التى تنهى المرحلة الانتقالية، وتتجه لحياة سياسية أكثر استقرارا ونضجا؟ أم يبقى الوضع على ما هو عليه؟ ربما تفصح الأيام القليلة المقبلة عن إجابة هذا السؤال.