معتز أحمد هل قامت إسرائيل بتعيين عميل للموساد سفيرا لها بالقاهرة؟ هذا السؤال من الممكن أن يتبادر إلى الأذهان مع تقديم السفير حاييم كورن أخيرا لأرواق اعتماده للرئيس عبد الفتاح السيسي، وهي الخطوة التي حاولت الدوائر الإسرائيلية أن تربط بينها وبين إمكانية عودة السفير المصري من جديد إلى تل أبيب، وتأمل إسرائيل في قيام القاهرة بها بعد مرور ما يقرب من ثلاثة أعوام من جمود العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وتل أبيب. والمعروف أن كورن سبق له وأن عمل سفيرا لإسرائيل في جنوب السودان، وهي المهمة التي أكسبته بالتأكيد الكثير من الخبرات السياسية، خصوصا أن جنوب السودان طالما أكدت أنها معنية بتطوير علاقتها مع إسرائيل، فضلا عن وجود الكثير من اللاجئين الأفارقة في عدد من المدن الإسرائيلية، هؤلاء اللاجئون ممن عاد بعضهم إلى جوبا من جديد، فإنه يحمل الكثير من التقدير لإسرائيل. ويتقن كورن العربية والإنجليزية والتركية والمجرية والفارسية وعمل من قبل في السفارة الإسرائيلية في الولاياتالمتحدة ونيبال ومصر، وله الكثير من المواقف السياسية والتحركات المهمة، فإن الحادث الأبرز في حياته كان رفض تركمانستان عام 2011 قبوله سفيرا لديها، لاشتباههم في كونه عميلا للموساد، وهي الشبهة التي سخرت منها آنذاك الكثير من الدوائر السياسية الإسرائيلية، ومع هذا أصرت تركمانستان على موقفها ورفضت تعيين كورن. ونتيجة لذلك تم تعيينه سفيرا لإسرائيل في جنوب السودان في خطوة ربما تعد بمثابة إرضاء له بعد رفض تركمانستان له. اللافت للنظر أن رفض تركمانستان آثار بعض الآراء التي انتقدت موافقة مصر على تعيين سفير مشتبه في علاقته بالموساد في القاهرة، وبالتالي من الممكن أن يمثل خطرا أو رادارا بشريا ينقل جميع المعلومات إلى تل أبيب من قلب القاهرة. غير أن الحقيقة الواضحة التي أشار إليها مصدر دبلوماسي ل«الأهرام العربي» هو أن العلاقات المصرية الإسرائيلية في النهاية تقف وتنتهي عند أبواب الجنرالات، ولا يكون لأي دبلوماسي سواء إن كان إسرائيليا في القاهرة أم مصريا في تل أبيب الفرصة كي يستطيع بناء أي مكون من مكونات هذه العلاقة، بمعنى أن الجنرالات هم من يقررون وهم من يقترحون ويخططون وينفذون، أما البعثات الدبلوماسية فهي مجرد واجهة للتأكيد على وجود علاقات دبلوماسية بين مصر وإسرائيل، هاتان الدولتان اللتان كانتا أعداء في الماضي ويربد بينهما السلام الآن في الحاضر. ويضرب هذا المصدر الدبلوماسي مثالا بإطلاق سراح الإسرائيلي عزام عزام، حيث فوجيء أعضاء السفارة الإسرائيلية بأنباء الإفراج عن عزام عزام من السجون المصرية ومبادلته بعدد من الشباب المصري الذي تسلل إلى إسرائيل دون علمهم، وحدث ذلك برغم أن السفارة الإسرائيلية كانت تحرص وبجدية على التواصل مع عزام وتقديم الخدمات له الأهم من هذا توفير كل الخدمات لعائلته التي كانت تحرص على زيارة مصر بين الحين والآخر للقاء عزام، وأدت هذه الحادثة إلى استقالة السفير الإسرائيلي آنذاك لشعوره بالإحباط وبأن دوره ربما يكون تمثيليا وليس فعليا على الإطلاق. اللافت للنظر أن هذه الحقيقة تتجلى هذه الأيام، وبرغم عدم وجود بعثة دبلوماسية إسرائيلية في القاهرة أو مقر ثابت للسفارة الإسرائيلية فإن التعاون الأمني بين مصر وإسرائيل يسير ومعروف. ولعل الزيارات المتواصلة التي يقوم بها قادة الموساد ولواءات الجيش الإسرائيلي للقاهرة والتي تزايدت أثناء العدوان على غزة هي خير دليل على هذا الأمر. ولم تتأثر العلاقات الأمنية بوجود أو عدم وجود مقر للسفارة الإسرائيلية بالقاهرة، خصوصا وأن أصحاب اليد الطولى في الجانبين من العسكريين يعرفون ما يجب عمله ويتعاملون مع أرض الواقع من هذا المنطلق. وبالتالي لا يجب تحميل قضية السفير الإسرائيلي الجديد حاييم كورن أكبر من حجمها، خصوصا أنه لا يمكث في مصر إلا 3 أو 4 أيام فقط في الأسبوع، وهي مدة بالتأكيد لا تتيح له أي تواصل أو احتكاك بالمصريين إلا في أضيق الحدود، وهو الأمر الذي تعترف به إسرائيل التي ترى الكثير من الدوائر السياسية بها أن العلاقات مع القاهرة جيدة حتى بدون سفارة، في ظل التفاهم الأمني الحاصل بين الطرفين. وهو التفاهم الذي يجعل أعضاء البعثات الدبلوماسية أشبه بالديكور الجديد الذي يجب وضعه في مكان معين لاستكمال "الشكل" فإن القرار المتعلق ب"المضمون" موجود في مكان آخر ويسير بخطى ثابتة ولا يوجد أي ضرر منه.