حنان البيلى فى مصر أم الدنيا، يمكن لأى فرد من شعبها، التمتع بسياحة اليوم الواحد سواء الأغنياء منهم، أم متوسطى الحال وحتى الفقراء، الذين يسعون إلى زيارة الشواطئ المصرية ولو ليوم واحد، كل حسب قدرته المالية. فسياحة اليوم الواحد انتشرت فى أواخر السبعينيات، بعد تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادى، وبروز طبقات جديدة أفرزت أنماطاً جديدة فى السلوك والتطلعات، وتأثرت بها الطبقات الفقيرة. وقد ساعد على انتشار ثقافة سياحة اليوم الواحد، قيام النقابات واللجان العمالية فى كل المؤسسات والهيئات الحكومية بتلبية رغبات أعضائها، فنظمت العديد من أنواع الرحلات إلى المصايف المختلفة، ولمدد مختلفة لتلبية جميع رغبات أعضائها بما فيها رحلات اليوم الواحد. وحتى العديد من السياح الأجانب يأتون إلى القاهرة لسياحة اليوم الواحد، فهل عملت الحكومات المتعاقبة على تنمية وتنشيط هذا النوع من السياحة؟ وهل أساءت فى التخطيط لتلبية جميع احتياجات الشعب المصرى، وليس الأغنياء منهم فقط، والكيفية التى يستمتع بها العديد من البسطاء المصريين بسياحة اليوم الواحد. اختص الله مصر بطبيعة خلاقة، وشواطئ جميلة، بخلاف الحضارة العريقة التى لا يوجد مثيل لها فى أى دولة فى العالم، والتى تمكن المصريين الراغبين فى الاستمتاع بأنواع السياحة المختلفة، على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والمادية، حيث توجد شواطئ خاصة للطبقات المتوسطة، وهناك شواطئ عامة للطبقات غير القادرة والتى يطلق عليها طبقات فقيرة، فكل فرد من هذه الطبقات يتميز بأسلوبه الخاص، ويعرف كيف يستمتع بكل قرش ينفقه. وقد عرفت مصر سياحة اليوم الواحد منذ الستينيات، حيث كانت القناطر الخيرية بحدائقها ومتنزهاتها جاذبة للترويح عن النفس فى أيام الإجازات والعطلات الرسمية، وكانت الطبقة القادرة ماديا هى التى تقوم بذلك النوع من السياحة، حيث كانت تمتلك شاليهات أو فيللا فى منطقة القناطر. وبعد تطبيق نظام الانفتاح الاقتصادى فى فترة السبعينيات، برزت طبقات جديدة أفرزت أنماطاً جديدة من السلوك والتطلعات، ويمكن القول أن صناديق العاملين فى الهيئات والمؤسسات الحكومية المختلفة، وكذلك النقابات المهنية المختلفة، بتشكيل ما يعرف بالتصييف المهنى، وهو نظام خاص بالموظفين والعمال فى الشركات والمصالح الحكومية، وهذا النوع من التصييف أصبح له سماته الخاصة وشواطئه الخاصة به وترتيباته داخل الأسر المصرية، ولقد لبت تلك الصناديق والنقابات تطلعات أعضائها غير القادرين على الإنفاق ماديا على أسبوع المصيف، إلى ظهور نظام سياحة اليوم الواحد، وكانت الطبقة المتوسطة هى التى تقوم برحلات اليوم الواحد، الأمر الذى دفع أفرادا من الطبقة الفقيرة إلى محاكاة الطبقة المتوسطة. وقد ساعد على انتشار سياحة اليوم الواحد بروز منطقة فايد وبعض شواطئ الإسماعيلية، وبعض الشواطئ العامة فى رأس سدر، والعين السخنة فى جذب العديد من الراغبين فى النزهة ولو ليوم واحد من أهالى القاهرة والجيزة، فى حين يذهب بعض أهالى محافظات الوجه البحرى إلى بعض المناطق فى الإسكندرية ورأس البر وجمصة وبلطيم، ومما يؤكد تزايد سياحة اليوم الواحد الازدحام الشديد فى يوم الجمعة وفى أيام الإجازات والأعياد. حيث يقوم غير القادرين ماديا بتأجير ميكروباصات، والتى يشترك فيها عدد من الأسر، لقضاء يوم الإجازة على الشاطئ وبسؤال أم على إحدى السيدات فى مدينة جمصة التابعة لمحافظة الدقهلية عن سبب حضورها للشاطئ وعن التكلفة المادية التى تتحملها مقابل هذا اليوم، فأجابت بأن أبناءها وبناتها يرغبون فى قضاء يوم على الشاطئ، وهى تحضر معهم لكى تراقب البنات ويقوم أولادها بدفن جسدها الذي يعانى من الرومايتزم فى الرمال الساخنة، ولكى ترى ما يحدث فى الدنيا على الطبيعة، ولا تكتفى بمشاهدة تلك المناظر فى التليفزيون فقط. أما عن التكلفة المادية فهى تتمثل فى ثمن الفرد فى الميكروباص، وعادة تتشارك أسرتان أو ثلاث فى دفع أجرته، أما مسألة الأكل فهى بتقوم بجلب أوانى الأكل معها وتكون التكلفة محدودة بالنسبة للشواطئ العامة. أما أحمد الصعيدى من محافظة المنيا، ويعمل حارس عقار فى مدينة نصر، فيقول إنه يذهب إلى العين السخنة، هو وبعض الأقارب، حيث يقومون بتأجير ميكروباص ويذهبون إلى شاطئ السادات فى العين السخنة لقضاء يوم فى إجازة منتصف العام، ويوم آخر فى الصيف، وعن التكلفة فالسائق يأخذ 50جنيها على الفرد، لأنه يدفع رسوم دخول للشاطئ، ولا يبقى سوى تكلفة الأكل، والذى يأخذونه معهم. وهنا يوضح إلهامى الزيات رئيس اتحاد الغرف السياحية أن سياحة الشواطئ ليوم واحد انتشرت فى أوائل الثمانينيات عند ظهور مدينة فايد بمحافظة الإسماعيلية، وبدأت كذلك الفيوم تجذب السياحة الداخلية، وبدأت الشركات توفر برامج لسياحة اليوم الواحد وتعد تلك السياحة قد بدأت فى مصر أخيرا، وأن الثقافة المصرية ليس فيها السياحة عموما، على عكس سياحة الصحراء فى ليبيا مثلا، حيث تقوم الأسر الليبية بالخروج إلى الصحراء كل يوم جمعة. ومشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، تتمثل تلك الخطوة فى تنشيط سياحة اليوم الواحد ليس فقط للشواطئ، فلابد من تنمية ثقافة السياحة الداخلية لدى الأطفال والشباب لزيادة معرفتهم ببلدهم. ولابد من تنشيط السياحة الداخلية لدينا، ففى الصين مثلا تصل أعداد السياحة الداخلية إلى 35 مليون جنيه فى حين أن السياحة الخارجية لا تتعدى المليون أجنبى. أما مصطفى الجندى الخبير السياحى فيرى أن مصر لديها ألف كيلو متر شواطئ، وأن كل المصايف كانت على البحر المتوسط فقط، ولكن بعد تنظيم المحافظات الجديد وتقسيمها وجعل كل محافظات الصعيد لها امتداد على شاطئ البحر الأحمر ولها ظهير صحراوى، سيؤدى ذلك إلى خلق صناعات جديدة وكذلك خلق ثقافة جديدة، فوجود موانئ على البحر الأحمر ووجود طرق سينشط السياحة والصناعة والتجارة. ويعيب الجندى على خلق شواطئ وتحديد أماكن للأثرياء وأماكن أخرى للفقراء أو محدودى الدخل، فهذا سوء تخطيط من الإدارات السياحية السابقة وعلى مدى زمن طويل، جعل الأثرياء يأخذون الساحل فيجب أن تكون هناك شواطئ عامة كثيرة، فمسألة الشواطئ الخاصة مسألة غير دستورية، لأن البحر ملك للجميع، فكيف يمكن جعله ملكا لطبقة قليلة ومنع أغلبية المصريين من التمتع بالبحر. فمن فعل ذلك ذبح كل الأراضى فى الخلفية، فمئات الكيلومترات ماتت بسبب بيع الشواطئ، كشواطئ خاصة للقرى والمنتجعات، فنظام التنمية السياحية فى مصر كان خاطئا. ولا تقتصر سياحة اليوم الواحد على المصريين فقط، حيث يوضح وليد البطوطى ممثل الاتحاد الدولى لمرشدى السياحة فى العالم والشرق الأوسط وشمال إفريقيا أنه يأتى آلاف السياح الأجانب إلى القاهرة لسياحة اليوم الواحد عن طريق موانئ الإسكندرية وبورسعيد والسويس والعين السخنة وسفاجا، وكذلك بعض الطائرات على مطار القاهرة، لزيارة المتحف ومنطقة الأهرامات ومنطقة مصر القديمة. وعادة ما يتم وضع برامج سياحة اليوم الواحد وتكون مختلفة لتلبية جميع أذواق السائحين، فهناك من يفضل منطقة الهرم وسقارة أو الهرم والنيل ويتناول غذاءه على مركب، ويوجد الهرم والمتحف، وحاليا يأتى إلى القاهرة نحو 50 أتوبيسا سياحياً من بورسعيد من الصباح وحتى آخر النهار. وتعتبر سياحة اليوم الواحد مربحة جدا للاقتصاد المصرى، هذا بخلاف ما ينفقه السائح طوال اليوم فى شراء الهدايا، ويصل مصر نحو مليونى سائح، وقد قلت كثيرا أعداد الأتوبيسات التى تأتى بالسياح من الموانئ، خصوصا بعد ثورة 25 يناير، وتحذيرات الدول لرعاياها، وهى تحذيرات سياسية بحتة، تحت بند الضغط على الشعب المصرى. ويحذر وليد البطوطى من قيام بعض العاملين فى قطاع السياحة، بالعمل على تدمير السياحة المصرية بالإجهاز عليها، فالإخوان قاموا بشراء العديد من شركات السياحية المصرية، وهذه الشركات ترسل وتبث رسائل ضد مصر، وبالتالى لابد من تطهير قطاع السياحة من الداخل، ومجابهة كل من يحاول الإساءة إلى مصر، ولابد من العمل بكل الطرق على السياحة فى مصر, بحيث تعود إلى مستوياتها قبل ثورة 25 يناير، حيث كانت السياحة تدر 14 مليار دولار للاقتصاد المصرى، أما الآن فإن مردودها ملياران فقط.