حوار: أحمد إسماعيل المشهد السياسى فى مصر معقد جدا الآن .. وهناك حالة استقطاب حادة وخطيرة .. ونزيف الدم ما زال مستمرا .. ولا توجد للأسف رؤية سياسية واضحة لإخراج البلاد من هذا المأزق .. وهناك انتخابات رئاسية استثنائية لمرشحين لا يعبران إطلاقا عن مجمل ألوان الطيف السياسى فى مصر!! بهذه العبارات القاطعة والكلمات الحادة والغاضبة والحزينة فى نفس الوقت بدأ الدكتور حسن نافعة - أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة - حواره مع «الأهرام العربي» حول المشهد السياسى فى مصر الآن ورؤيته للمستقبل. وأوضح برغم أن المشير السيسى فى مصر ارتكب سلسلة من الأخطاء، ستصب فى النهاية لصالح حمدين صباحي، وبرغم أن الانتخابات الرئاسية المقبلة قد تحمل مفاجأة كبيرة، فإن كل المؤشرات حتى الآن ترجح كفة السيسي. وأكد أنه ستحدث تغييرات هائلة بعد الانتخابات، فإما أن يتمكن الرئيس الجديد من حشد الشعب وراءه بمشروع كبير، وإما أن يستعد الناس لموجة جديدة من الثورة. وإلى نص الحوار: كيف تقرأ المشهد السياسى فى مصر الآن .. فى ظل اقتراب موعد معركة الانتخابات الرئاسية؟ المشهد السياسى فى مصر الآن معقد وهناك حالة استقطاب حادة جدا فى مصر، ونزيف الدم ما زال مستمرا، وللأسف لا توجد رؤية سياسية واضحة لإخراج البلاد من هذا المأزق، وهناك انتخابات استثنائية، فالمرشحون بها لا يعبرون إطلاقا عن مجمل ألوان الطيف السياسي، أو عن الفكر فى مصر، فهناك عزوف عن دخول الانتخابات، ولا يمكن لأى أحد أن يصدق أن السيسى وحمدين، يعبران عن مجمل طموحات وآمال الشعب المصري، لأننا لو قارنا بين عدد المرشحين فى هذه الانتخابات بعدد المرشحين فى الانتخابات السابقة، سندرك على الفور أن الانتخابات السابقة كانت تعكس أفضل ألوان الطيف السياسى - إذن نحن فى ظل انتخابات أقرب إلى الاستفتاء منها إلى الانتخابات، ومع ذلك هى ليست استفتاء بالمعنى الكامل - لأن المرشح المنافس للمشير مرشح عنيد لديه طموحات واضحة، يخوض معركة انتخابية حقيقية وليس كومبارساً كما يتخيل الكثيرون، خصوصاً أن المشير السيسى ارتكب سلسلة من الأخطاء ستصب فى النهاية لصالح حمدين صباحي، لأنه مسئول بشكل أو بآخر عن إدارة المرحلة الانتقالية الحالية منذ 3 يوليو، وحتى هذه اللحظة، ولم يشعر المواطن بأى تغيير أو أن شيئا كبيرا قد حدث، وبالتالى يستطيع حمدين صباحي، أن يستغل هذه المسألة، وسوف يستغل مسائل أخرى كثيرة جدا، مثل حضور السيسى مع رئيس الجمهورية المؤتمر الصحفى الذى أعلن فيه عن اكتشاف علاج لأمراض خطيرة، وقد تبين فيما بعد أن أحد الذين أعلنوا عن هذا الاكتشاف ليس له تاريخ علمى محقق، وبالتالى كيف يمكن لرئيس مخابرات حربية سابق أن يذهب لمؤتمر صحفي، وهو لا يعرف بالضبط من الذى سيتحدث فيه أو تاريخه أو إنجازاته العلمية، ومعنى هذا أن هناك أشياء كثيرة يستطيع المرشح المنافس أن يستغلها، ومع ذلك لدى المشير السيسى فرص حقيقية وكبيرة، لأن معظم الشعب المصرى مهموم بتحقيق الأمل، ويعتقد أن المرحلة الحالية تحتاج إلى شخصية عسكرية قوية ومؤيدة من جانب القوات المسلحة، وهذا يتوافر فى شخصية السيسى كذلك فهو لديه قدرة كبيرة على التواصل مع الجماهير، ويستطيع أن يكتسب قلوب الناس بسهولة ولديه خبرة طويلة فى الإدارة، فهو كان قائدا للجيش، وهذا ما يفتقده حمدين صباحي، لكن هناك قطاعاً من الشباب المتميز كثيرا لديه إحساس بأن ثورة 30 يونيو، تسرق من جانب القوات المسلحة المرتبطة بنظام مبارك مثلما سرقت ثورة 25 يناير، من جانب الإخوان، وبالتالى هذا القطاع سيعطى حمدين صباحي، حتى لو لم يكن مقتنعا بالكامل بقدرات حمدين، وربما يحدث تحول فى اللحظات الأخيرة بمواقف الإخوان والعديد من فصائل الإسلام السياسى ويصوتون لصالح حمدين نكاية فى الفريق السيسى بدلا من المقاطعة، وبالتالى قد تحمل الانتخابات المقبلة مفاجأة كبيرة، لكن ومع ذلك يظل الترجيح حتى هذه اللحظة لصالح السيسي. إذن أين المشكلة؟ المشكلة تكمن فيمن هو السيسي، فلا أحد يعرف بالضبط، ومع من سيحكم لا أحد يعرف، فالبعض يحسبه على شبكة المصالح المرتبطة بالنظام القديم، والبعض الآخر يعتقد أنه ينتمى إلى جيل آخر من القيادات العسكرية، وليس بالضرورة جيل مبارك أو طنطاوى وسامى عنان، فالناس تبحث عن جمال عبد الناصر، فى شخص السيسي، لكن هو ليس جمال عبد الناصر، ولن يكون لأن جمال عبد الناصر، شخص مختلف تماما ونشأ فى ظروف مختلفة تماما، فهو الذى أنشأ خلية الضباط الأحرار فى الجيش، وكان رجلاً سياسياً منذ نعومة أظفاره، لكن المشير السيسى ليس سياسيا ولم يختبر العمل السياسى فى أى لحظة فى حياته، وبالتالى هو عسكرى بحت وقدرته على فهم الديمقراطية والتعددية والتنافس الحزبى قدرة محدودة، ومن الصعب أن يكتسبها الآن، لذلك نحن أمام مجهول وعلامة استفهام ونسأل الله أن يعيننا، لأن المشكلة ستظهر بعد الانتخابات وليس قبلها وسوف تحدث تغييرات هائلة بعد الانتخابات، وهى إما أن يتمكن الرئيس الجديد من حشد الشعب وراءه بمشروع كبير وإما أن يستعد الناس لموجة جديدة من الثورة!. ما المواصفات المطلوب توافرها فى الرئيس المقبل؟ المواصفات المطلوبة فى الرئيس المقبل لا تكتسب، فهى إما موجودة أو غير موجودة، فالقائد الحقيقى هو من يستطيع أن يتعامل مع مشكلات عصره ويفهم الواقع السياسي، وأن يبتكر حلولاً غير تقليدية لمشاكل وطنه، ونحن لدينا شخصان سيكون أحدهما هو الرئيس المقبل، فنحن بصدد انتخابات الجولة الواحدة، فالمرشح سيفوز وسيعلن عن اسمه فى موعد غايته 5 يونيو، وفى رأيى ليس هناك فرق كبير بينهما، لكن الفرق سيكون فى كيفية التعامل مع مشاكل الوطن، فنحن نعانى أزمات سياسية ولقتصادية واجتماعية، وبالتالى إن لم تكن لدى الرئيس الجديد خطة سياسية ورؤية عملية وأولويات محددة لإخراج البلاد من أزماتها الراهنة سنكون مقدمين على كارثة جديدة. فى أى من المرشحين ترى هذه المواصفات؟ حقيقة حمدين لم يختبر فى موقف عملي، لكنه متحدث جيد، أما المشير السيسى فهو تم اختباره فى موقف 3 يوليو، والذى صنع له شعبية كبيرة، لكن السؤال هل هذا يكفى لقيادة دولة وإخراج البلاد من أزمتها الراهنة؟، فقد ثبت بالدليل القاطع أن المشير لديه القدرة على اتخاذ القرار الصحيح فى الوقت المناسب، لكن هذا لا يعنى أنه قادر على طرح التصور المناسب لإخراج البلاد من أزماتها المعقدة، سنكون فى وضع مختلف تماما عما حدث فى 3 يوليو، فهذا ليس مقياساً وإنما هو مؤشر أننا إزاء مشروع زعيم، لكننا لا نعرف هل هو مشروع زعيم حقيقى على الأرض أم لا. هناك انتقادات لأداء وسائل الإعلام فى تغطية فاعليات انتخابات رئاسة الجمهورية .. ما تعليقك على ذلك؟ بصراحة لم يكن الإعلام المصرى أسوأ مما هو عليه الآن، فالإعلام المصرى فقد مهنيته تماما ويحتاج إلى فترة طويلة ليستعيد توازنه وليعرف بالضبط كيف تمارس المهنية، ففى رأيى أن هذا إعلام منحاز تماما، فهذا إعلام الدولة وإعلام الأجهزة الأمنية وإعلام المال السياسي، فليس هناك إعلام مهنى بالمعنى المتعارف عليه، وبالتالى هذا أيضا جزء من المشكلة ويتعين حلها. فى تصورك هل هناك فرق بين الحالة الراهنة بعد 30 يونيو والحالة بعد 25 يناير؟ الحالة اليوم أسوأ بكثير، لكن نحن بصدد انتخابات رئاسية، والمقارنة يجب أن تكون مع الانتخابات الرئاسية، والتى حدثت فى 30 يونيو، والتى كانت بداية لأزمة وليست حلا للأزمة، واليوم الكل يتمنى أن تكون هذه الانتخابات الرئاسية هى حل للأزمة وليست بداية لأزمة جديدة. المحاولة المشبوهة التى أثارها أصحاب النيّات الخبيثة قبل الاستفتاء على الدستور، بادعائهم أن هناك خلافات وتناقضات بين ثورتى 25 يناير و30 يونيو، واستشهدوا على ذلك بادعائهم إحجام الشباب عن المشاركة فى الاستفتاء، عادت إلى الظهور مرة أخرى هذه الأيام لتشويه وتعطيل الانتخابات الرئاسية .. فما تعليقكم على ذلك؟ ليس من المفترض أن يكون هناك تناقض بين الثورتين، فثورة 25 يناير، هى الثورة الأم وهى الثورة الكبرى والتى توحد فيها الشعب كله ضد نظام فاسد ومستبد وثورة 30 يونيو، هى ثورة ضد حكم الإخوان، ولكن التحق بها ليس الثوار الذين خرجوا فى 25 يناير، ولكن التحقت بها شبكة المصالح المرتبطة بالنظام القديم والتى تسعى لسرقة هذه الثورة الآن مثلما سرقت الجماعة ثورة 25 يناير، والشباب الحقيقى الذى صنع 25 يناير، يبدوا ضائعا الآن وممزقا وتائها ولا وزن لهم، فمصر كلها تبدوا محشورة بين جماعة الإخوان المسلمين من ناحية والمؤسسة العسكرية من ناحية أخري، ولا ندرى أى مصير ينتظر هذا البلد الكبير، ونأمل أن يكون المشير السيسى استطاع أن يستوعب أخطاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى إدارته الأولي، وأن يكون استوعب أخطاء مرسى فى إدارته الثانية، وأيضا استوعب الأخطاء التى ارتكبتها حكومة الببلاوي، ثم الحكومة الحالية، بمعنى أنه مطلوب من الرئيس المقبل أن يستوعب ما حدث فى مصر، بمعنى لماذا سقط نظام مبارك؟ ولماذا الثورة مستمرة حتى الآن؟ وما المطلوب لإخراج البلاد من المرحلة الانتقالية الحالية وإذا لم تكن لديه الرؤية اللازمة للم الشمل وجمع هذا المجتمع المنقسم والمتصارع مع نفسه ستكون كارثة.