رندة تقي الدين تتابع باريس ملف الرئاسة اللبنانية بدقة، وهي كما عدد من اللبنانيين، تتمنى ألا يكون هناك فراغ وأن تجري الانتخابات في موعدها. والقول إن فرنسا تدعم هذا أو ذاك من المرشحين لا يعكس الواقع. وهي تتابع ما يجري بين العماد عون وسعد الحريري باهتمام من دون أي تدخل. لكن المسؤولين في فرنسا لا يريدون التعطيل والفراغ ويتساءلون ماذا يفعل العماد عون لو لم يتوصل إلى اتفاق مع سعد الحريري حول الرئاسة، فهذا سؤال شرعي لمن يتمنى للبنان انتخاب رئيس في 25 أيار (مايو) المقبل. ولكن يبدو أن الحوار بين الرئيس سعد الحريري والعماد ميشال عون والوزير جبران باسيل قرار جدي وجوه إيجابي ولا عودة عنه بالنسبة للحريري. وأسفر عن تشكيل الحكومة التي كادت لا تتشكل لولا الحوار والتعاون بينهما. والحوار بينهما أدى أيضاً إلى مواقف مشتركة بين التيارين في ما يخص سلسلة الرواتب وفي التعيينات وعدد من الأمور التي كانت معطلة لولا هذا الحوار. ومر لبنان خلال تسع سنوات في أزمات نتيجة ممارسة حزب الله التعطيل والتهديد واستخدام الحلف مع تيار مسيحي مهم في البلد على رأسه العماد عون. وخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، أدى الحوار الإيجابي بين عون والحريري إلى تعزيز واقعية الحريري برغبة التفاهم حول مواضيع ومصالح مشتركة مع عون، فطيلة السنوات الماضية وحتى تشكيل هذه الحكومة استخدم حزب الله ميشال عون حليفه المسيحي ليعطل ويفرق ويكسر قوى 14 آذار في البلد. وكان عون اختار التحالف مع النظامين السوري والإيراني ووكيلهما على الأرض حزب الله. وأسفر الحوار بين عون والحريري عن قرارات مهمة من شأنها أن تقلق عدداً من اللاعبين على الساحة اللبنانية، وفي طليعتهم حزب الله. والحزب على علم بما يجري بين الحريري وعون وباسيل، ولكن في العمق لديه مخاوف منه، فصحيح أن لدى عون جمهوراً مسيحياً يقوده بالاتجاه الذي يريد، ولكن في العمق هذا الجمهور لا يحبذ ما يقوم به حزب الله، من المشاركة في الحرب إلى جانب النظام السوري وجر لبنان إلى الدخول في حرب يتخوف الشعب اللبناني من الانجرار إليها ويرى عواقبها عليه حالياً، من مشاكل اللاجئين السوريين الذين هجّرهم النظام السوري الوحشي. ومما لا شك فيه أيضاً أن الحوار بين الحريري وعون أقلق وأخاف أيضاً حلفاء الحريري في تيار المستقبل و14 آذار، لأنهم يتساءلون عن نتيجة هذا الحوار بالنسبة للرئاسة وعما إذا كان عون سيحظى بتأييد الحريري للرئاسة. إن الحريري مدرك تماماً أن الفراغ وعدم انتخاب رئيس هو خطير جداً على البلد، فهذا ما يتمناه حزب الله، الذي قد يعيد سيطرته بالتعطيل والثلث المعطل وأحداث مثل 7 أيار متجددة، وهو مدرك تماماً أن حواره وتعاونه مع ميشال عون اليوم مفيد للعمل الحكومي والبلد، وأنه يتصدى لأي «تطيير» للحكومة مثلما جرى عندما أطاح بشار الأسد وحزب الله بمساعدة التيار العوني بحكومة الحريري. ولكن هل هذا الحوار يؤدي إلى تأييد عون للرئاسة؟ فهناك ثمة تساؤلات مطروحة عما إذا كان عون بإمكانه أن يتصدى لحليفه حزب الله بالنسبة لأمور عديدة، فمن غير الواقعي أن ينتظر أي كان أن يتمكن العماد عون من إقناع حزب الله بالانسحاب من سورية حتى ولو أن عون نفسه ضد مشاركة الحزب في القتال إلى جانب النظام السوري. ومن السذاجة أن يتوقع أي شخص أن يتمكن عون في الظروف الإقليمية الحالية أو غيره من القيادات المسيحية الحليفة لسعد الحريري، أن يجبر حزب الله على إعادة سلاحه إلى الدولة، فهذا في الوقت الراهن لن يتم إلا عبر مواجهة مسلحة تؤدي إلى حرب أهلية في لبنان لا أحد يريدها. ومرشح 14 آذار للرئاسة الدكتور سمير جعجع يعرف ذلك جيداً. فمن هو هذا المرشح المسيحي للرئاسة الذي بإمكانه أن يتصدى لسياسة حزب الله. لا أحد حالياً من بين المرشحين المعلنين أو غير المعلنين. يقال إن حزب الله يفضل مرشحاً آخر عن العماد عون، لأنه لا تمكنه السيطرة عليه، فهذا قد لا يكون صحيحاً، وعندما تم التمديد للعماد قهوجي في قيادة الجيش كان ذلك بعدم رغبة عون الذي كان يفضل صهره على قهوجي. وفي عدد من الأمور لم يلتزم الحزب بما أراده حليفه المسيحي. إذاً أي مرشح مسيحي للرئاسة لن يكون بإمكانه الوقوف بوجه حزب الله بمن فيهم من يتم وصفه برئيس قوي، فالوقوف في وجه حزب الله يأتي في ظل تغيرات إقليمية فعلية، خصوصاً برئاسة أميركية قوية تغير سياسة إيران في المنطقة، وهذا غير متوافر حالياً. ولكن هل بإمكان عون أن يلتزم بألا يكون حليفاً لحزب الله في السراء والضراء في قضايا أساسية للبلد؟ وهل بإمكانه تبني مواقف وطنية و الالتزام بفك ارتباطه ببشار الأسد؟ وهل بإمكانه على المدى الطويل معالجة مسالة سلاح حزب الله؟ وهل بإمكانه معالجة الخلافات بالهدوء مثلما يفعل حالياً، أو يعود إلى النبرة المتوترة؟ فكل هذه الأسئلة مشروعة إزاء وصوله إلى الرئاسة، الذي لم يعد من المستحيلات. أسبوعان قبل موعد 25 أيار يصعب التكهن حول من سيكون الرئيس في لبنان، ولو أن انتخاب عون أصبح وارداً. ولكن بعض المطلعين المحليين على سياسة البلد يراهن على الفراغ، وبعد الفراغ انتخاب عون. لكن إدراك بعض القيادات اللبنانية والدول المؤثرة، مثل السعودية وباريس وواشنطن، أن الفراغ هو الأسوأ لمصلحة البلد، يدفعها إلى بذل أقصى الجهود لدفع الأطراف إلى التسوية وإلى انتخاب رئيس، ولكن الطبقة السياسية في لبنان عوّدتنا على تجاهل مصالحها في سبيل حساباتها وطموحاتها الخاصة، فربما هناك أمل ضئيل هذه المرة في أن تعي مسؤولياتها وتنتخب رئيساً.