زينب هاشم الأخطاء الطبية الناتجة عن الإهمال الطبى أصبحت ظاهرة متكررة، تؤرق المجتمع المصرى، وتقتل آلاف المرضى سنويا، سواء لأسباب طبية تقع داخل غرفة العمليات أم لسوء العناية بعد الخروج منها. المثير للدهشة أن القتل بواسطة الإهمال الطبى لا يفرق بين عملية جراحية كبرى، وأخرى صغيرة، وعقب كل حادثة تثار ضجة إعلامية، ثم تهدأ الأمور بمضى الوقت، وينسى الجميع، لكن تظل المشكلة قائمة، ومتفاقمة لئن كانت واقعة مصرع السيناريست والكاتبة الصحفية نادين شمس التى راحت ضحية الإهمال الطبى، وهى تجرى جراحة بسيطة فى أحد المستشفيات الكبرى، هى أحدث الضحايا فمؤكد لن تكون الأخيرة فى مسلسل الإهمال الطبى فى مصر، والذى تناقشه مع الأطباء والمختصين على خلفية تلك الفاجعة الإنسانية عبر هذا التحقيق. كانت البداية مع د. خيري عبد الدايم الذي كان مشرفا علي حالة الراحلة نادين في مستشفي مصر الدولي والذي تحدث عن القضية بشكل عام، رافضا التعليق علي الواقعة قائلا ل«الأهرام العربي»، لا أفضل الحديث عن واقعة نادين شمس وذلك لكون القضية تأخذ مجراها في سلك القضاء الآن، ونحن في انتظار نتائج ومجريات التحقيق ولكن بشكل عام بالنسبة لأخطاء الإهمال الطبي وموقف نقابة الأطباء منه هو أنه من الطبيعي عقب كل شكوي من حالة إهمال طبي أيا كانت نتائجها، أن يتم التحقيق في هذه الشكوي وعندما تثبت وجود خطا مهني وأن يتم ثبوت ذلك في التحقيق وعندما يتم الإشارة إلي هذا الخطأ يتم عرض هذه القضية علي لجنة تعرف بلجنة آداب المهنة وهذه اللجنة تتألف من أعضاء من مجلس الدولة وأخري من النقابة، وقد تبدأ العقوبة في حالة إدانة الطبيب بلفت نظر وقد تصل في بعض الأحيان إلي الإعدام، أما ما يتردد عن كون مثل هذه الأخطاء تتزايد ففي الحقيقة أري أنها لاتتزايد، وذلك لأن فرص شفاء المريض الآن أكثر عن من قبل بل هي الآن أقل لأن هناك تطورا طبيا في كل مراحل العلاج بدءا من التشخيص للمرض بشكل أفضل، ولكن ما يحدث هو أن الضوء المركز علي حالات الإخفاق والإهمال الطبي يركز عليها الأضواء بشكل أكبر سواء كانت هذه الحالات تخص مشاهير أم غيرهم، ولكن الواقع يؤكد أنه لا توجد أي إحصائيات تؤكد أن هذه الحالات عددها أكثر مما سبقها من قبل، ولكن في مثل هذه الحالات ومع ثبوت الخطأ الطبي لا تتهاون النقابة في توجيه العقاب للمخطئ الذي يتم التحقيق معه في النيابة العامة ويعرض علي الهيئة التأديبية والتي لابد من وجود رئيس نيابة كعضو في هذه اللجنة، وأيضا قاض ويصبح هذا هو الموقف الجنائي أو القضائي بخلاف ما تقوم به النقابة بدورها من غلق عيادة هذا الطبيب وحرمانه من ممارسة المهنة. وعن الأخطاء المتكررة الناتجة عن التخدير قال التخدير عملية مشتركة مع جميع العمليات فهو قاسم مشترك مع كل العمليات من جميع التخصصات سواء في اللثة أم العينين أم العظام ومجموعة الحالات التي تتعرض للتخدير كبيرة جدا من جميع التخصصات، ولكن بشكل عام عقاب الإهمال الطبي يختلف من الناحية المهنية عن الناحية الجنائية والتي من الممكن أن يكون التحقيق فيها يسير في مسار جنائي في النيابة العامة وعقوبته قد تبدأ بالسجن وتصل إلي الإعدام، لكن العقوبة من النقابة تمتد لفترة قد تطول أو تصبح للأبد. أما د. هشام عبد الحميد عبد الهادي إخصائي الجهاز الهضمي بمستشفي مصر الدولي وأحد الأطباء الذين التقي نادين قبل وفاتها بأيام فيقول: الأخطاء الطبية وحالات الوفاة الناتجة عنها ليست بالضرورة ناجمة عن إهمال طبي لأنه من الوارد للطبيب شأنه شأن أي إنسان آخر أن يقع في خطأ وليس بالضرورة أن يكون إهمال اًونظرا لدقة الأجهزة بداخل الجسم وأيضا الحالة الحرجة لكثير من الأمراض نجد أن الخطأ أمر وارد وخارج عن إرادة الطبيب في أحيان كثيرة، وهناك خطأ يحدث نتيجة الوسائل التشخيصية للمريض أو التحليل الذي لم يكن علي دقة كافية ليعطي التشخيص السليم للحالة، وبالتالي العلاج قد يكون غير مناسب في بعض الحالات. وعن حالة الراحلة نادين أنا رأيتها قبل الوفاة بثلاثة أيام وتم استدعائي لمباشرتها علي جهاز التنفس وكانت متابعتي لحالتها بسيطة انتهت عند هذا الحد، لأن أهلها كانوا علي معرفة بطبيب آخر فضلوا أن يقوم هو بعلاجها فيما بعد وحتي الآن لا أحد يعرف ما إذا كانت الوفاة بسبب الخطا الطبي أو لا، لأنه تمت عملتان جراحيتان علي يومين مختلفين ونحن في انتظار تقرير الطب الشرعي. ويواصل د. هشام عبد الحميد: لكن بشكل عام هناك بعض الأخطاء الناتجة عن إهمال طبي والبعض الآخر ينتج عن مضاعفات للمريض، والطبيب يقع بها ولم يكن هو متسببا فيها، كأن يخفي المريض بعض المعلومات الخاصة بصحته عن الطبيب الذي يجري له العملية الجراحية، لأنه لا يعرف مدي أهمية المعلومة للطبيب وهذا الأمر يختلف في حالات عن حالات أخري كحالة الراحلة سعاد نصر والتي كانت إهمالا فأثناء إجراء العملية الأنبوبة وقعت من فمها، وبالتالي حدث نقص في الأكسجين والذي لم يصل إلي المخ، وبالتالي حدث ضمور في خلايا المخ وماتت، وهذا السبب ليس سببا طبيا وأحيانا المريض يعاني من جلطة في المخ ومع البنج يحدث قصور في الشرايين الموصلة للمخ، ومن هنا الأكسجين يقل ويتعرض المريض للموت وهذه الحالات لا تحدث في الدول الأخري، وذلك لأن هذه الدول تهتم بوجود متابعة لحالة المريض منذ أن كان طفلا صغيرا وفي حالة إجراء جراحة يصبح لدي الطبيب دراية كاملة بجميع تفاصيله الصحية، حتي يجري المريض عملية لابد وأن يأتي بكل الملفات الطبية للمريض وهنا في مصر لا نفعل هذا لذلك لا نستطيع التعرف علي الأخطاء الطبية أما في الخارج يسهل التعرف عليها. أما د. أحمد كامل المتحدث السابق باسم وزارة الصحة فيقول لا نستطيع أن نجزم بأن ما يحدث هو إهمال طبي ونحكم عليه كأن نقول إن أخطاء الأطباء أصبحت شائعة أو زائدة عن الحد أم لا، إلا بإحصائيات دقيقة تؤكد زيادة عدد حالات الإهمال الطبي سواء الناتجة عن العمليات الطبية أم العلاج غير المناسب للمريض وحتي مع ثبوت إدانة الطبيب أيضا قضائيا وطبيا، وذلك بسبب أننا يوميا نسمع عن حالات كثيرة تتعرض لإصابات بالغة تؤدي بها إلي الوفاة ونقول إنها بسبب إهمال طبي، ولكن السمع شىء والواقع شىء آخر أو القياس الشخصي شىء آخر لذلك أؤكد أنه لابد من استنادنا علي إحصائيات تؤكد نسبة مهولة من حالات الوفاة بسبب الإهمال الطبي ولكن لا يتسني لنا الحكم من خلال عشرين عملية إهمال طبي في بلد تعدادها 90 مليون نسمة ولا نستطيع إدانة الطب إلا في حال وجود مائة ألف عملية خاطئة يوميا هو ما يدعوني للقول إن هناك إهمالا وفسادا طبيا لأنني كطبيب لابد لي في البداية من النظر للإحصائيات والأرقام التي تؤكد ذلك لاننا يوميا قد نجد في مستشفي ما ولدكتور واحد ما يزيد على 140 مريضا إذا حدثت مشكلة لمريضين أو ثلاثة من 140 سيقول إن هذا المستشفي لديه إهمال بالغ لذلك فلابد لنا من وجود إحصائيات تؤكد بوجود نسب كبيرة بين ملايين المرضي يوميا تتعرض للإهمال الطبي ومن هنا لا يمكن التسليم بأن هناك حالة من الفساد أو الإهمال الطبي بمستشفياتنا. فيما يقول د. محمد فتح الله مساعد رئيس أمانة المراكز الطبية: تحدث حالات الوفاة في الطب في مصر نتيجة سببين إما مضاعفات طبيعية لبعض الأمراض المسجلة والمعروف أسبابها أو بسبب التخدير عند استخدام بعض أدوية الحساسية لها تأثيرات بالغة، وهذه تصبح مختلفة عن حالات الوفاة نتيجة الإهمال الطبي بوجه عام وهناك أخطاء تنتج عن سوء التجهيز وقلة الخبرة عند الطبيب، وفي المستشفي الذى يتعامل يوميا مع ملايين المرضي ومع ذلك تحدث أخطاء وفاة نتيجة إهمال أطباء يدخلون العملية بدون تجهيز الأدوات، بالإضافة لقلة الخبرة أو قلة الكفاءة وفي كثير من الأحيان يتم التعامل مع هذه الحالات بنوع من التهويل والتضليل أيضا بدون التعرف علي أسباب الوفاة الحيقيقة والتي تكون في أحيان كثيرة خارجة عن إرادة الطبيب نفسه.