خديجة كمال شهد معرض الإسكندرية للكتاب في دورته العاشرة وللمرة الاولى في تاريخه تجربة روائية متبادلة بين الإسكندرية والمغرب، حيث يتناول نقاد المغرب إبداعات روائيين سكندريين، بينما يتناول نقاد من الإسكندرية مناقشة مبدعين من المغرب، وذلك خلال مؤتمر «الرواية والمدينة في الأدب المصري والمغربي». التجربة التي يشرف عليها مختبر السرديات ( كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالدار البيضاء ) ونظيره بمكتبة الإسكندرية ، وتطرح تلك التجربة المهمة مجموعة من التساؤلات من قبيل علاقة الادب المصري بالادب المغربي ومدى عمق ومساحة الاثر المتبادل ، وهل يمكن أعتبار أن الأدب المغربي مجرد رجع صدى للأدب المشرقي ام ان هذا الأخير إستطاع أن يفرض نفسه وسط الساحة الادبية العربية ؟ ان الرواية هي سرد طويل على شكل قصة متسلسلة نثرية قد تستمد أحداثها من خيال أو واقع وقد يدمج الإثنان معا بأسلوب شيق يتناول مشاكل الحياة اليومية ومواقف الإنسان لنستفيد من التجارب ونأخد منها العبر والحكم ونميز بين طريق الخير والشر. ولقد شهدت الرواية في أوروبا خلال القرن التاسع عشر قفزة نوعية على يد روادها إيمي زولا ، بلزاك وفكتور هيجو الذي أبدع في روايته البؤساء فجسد لنا الظلم الإجتماعي في فرنسا بين سقوط نابليون وحروبه والثورة الفاشلة ضد الملك لويس فليب ،فأصبحت الرواية بمثابة سلاح ضد القهر والإستبداد. بينما شهدت مصر العديد من الأعمال الرائدة في هذا الجنس الأدبي من الكتابة الإبداعية فبرز إسم توفيق الحكيم في روايته "عصفور من الشرق" التي كانت بمثابة نقد للحضارة الغربية من الأعماق و "يوميات نائب في الأرياف" التي عبرت عن فساد المنظمومة الإدارية وعدم قدرتها على إقامة العدل بين الفلاحين بأسلوب ساخر، والكاتب طه حسين أبدع في روايته "الأيام " التي كانت بمثابة سيرة ذاتية قدمت لنا باسلوب شيق وسلس قوة التحدي وعظمة النجاح ،لتصل بعد ذلك الرواية المصرية إلى ذروة الإبداع والسداد مع نجيب محفوظ كأول عربي حائز على جائزة نوبل للأدب وأكثر أديب عربي حولت أعماله إلى السينما والتلفزيون فحققت نجاحا ملحوظا ،فكانت أشهر أعماله أولاد حارتنا والثلاتية التي رسم فيهما شكل وروح الحارة في القاهرة القديمة ما جعل القارئ يعيش وسط أجزاءها الثلاتة "قصر الشوق ،بين القصرين،السكرية " ويتقاسم مع أبطالها حياتهم اليومية البسيطة في قالب لايخلو من المتعة وعنصر التشويق .أما الرواية في الأدب المغربي فقد كانت إنطلاقتها بنص "الزاوية" سنة 1942 على يد التهامي الوزاني الذي كان بمثابة إعلان لمسارات الحياة الشخصية كالتربية والتعريف بعالم الزاوية ،ورواية "وزير غرناطة"لعبد الهادي بوطالب الذي تناول فيها الأحداث الإجتماعية والسياسية التي عرفها التاريخ العربي الإسلامي بالأندلس والمغرب في فترة تميزت بالتنافس على السلطة وإدارة الحكم ،لتتطور بعدها بروايات متفاوتة من ناحية الجودة الفنية والأسلوب على يد عبد الكريم غلاب في روايته " دفنا الماضي" التي تجسد الصراع بين الأجيال ودور الكفاح الوطني ضد الإستعار الفرنسي،ورواية الطاهر بن جلون "ليلة القدر " التي حاز فيها على جائزة غونكور الفرنسية وترجمت الى عدة لغات فلاقت نجاحا كبيرا على المستوى العالمي. بعد التعرف على المراحل التي قطعتها الرواية ومخزونها الأدبي العريق الذي ظهر في شخص كتابها نجد أن هناك قاسم مشترك بين أدبائها تمثل قي الابداع والإنتاج بقدر كبير من الطلاقة الفكرية والوعي ، وربما نلمس في أكثر من مناسبة أن الأدب المصري كان بمثابة مرآة للأدب المغربي وتربطه بهذا الأخير علاقة وثيقة جعلت الكثير من الكتاب المغاربة يسيرون على نهجه ، ما يجعل لمؤتمر الرواية المصرية المغربية فوائد عدة أهمها تغيير موقف الدارس الأدبي المغربي الذي غالبا ما يعتمد على دراسة الأدب المشرقي إنطلاقا من مفهومه الموروث بإعتبار أن الأدب المغربي يفتقد للإبداع والحرفية الأدبية ، بل ويرى انها مجرد رجع صدى للإبداع المشرقي والغربي، ونلمس ذلك بشكل واضح في أغلب المقررات المدرسية التي تنهجها وزارة التربية الوطنية على المستوى الأكاديمي والتي نادرا ما ترجع فيه الى مناهج من الأدب المغربي ، كما ستعد هذه التجربة المصرية المغربية إنطلاقة ثقافية وأدبية مهمة تفتح افاقا واسعة للادب المغربي ليفرض نفسه في الساحة الأدبية العربية وللتأكيد على ان الادب المغربي جزء لايتجزأ من الادب العربي ليجد إنصافا يضعه في المكانة التي يستحقها ما يسهم في تقوية حصيلة المتن الروائي ورفع نسبة الفاعلين الروائيين والنقاد ويؤدي الى زيادة فرص المبدع المغربي بالتعرف على ناشرين جدد متحمسين للرواية المغربية وربما قد تنخفض تكاليف الطبع ونفقات التوزيع مقارنة مع المغرب . وعلى خطى هذه التجربة المهمة اتمنى على مهرجان السينما الدولي بمراكش الذي يتميز بمشاركة واسعة من كبار النجوم ان يبادر باستضافة رواد الأدب المشرقي لثوتيق الصلة بينهم وبين المبدعين المغاربة ولتكسب أجيالنا هذا الموروث الثقافي وتتسع معارفهم ويسيروا على مناهج الإبداع التي ستعود عليهم إيجابا سواء على المدى القريب او البعيد، وما أحوجنا لإعادة إحياء هذا الجنس الأدبي الذي رغم ما عرفه خلال السنوات الأخيرة من نجاح الا أنه يبقى متواضعا مقارنة مع عدد الروائيين والكتافه السكانية في المغرب . ................................. * كاتبة مغربية