ميرفت فهد بعدما تحولت سوريا إلى سوبر ماركت ضخم تعرض فيه كوارث ومآسى الحرب من فوضى ودمار وتجارة فى الأوطان والأعراض والدور والتاريخ والنسيج الوطنى، أصبح الاستماع إلى الأصوات الوطنية العاقلة ضرورة بحثا عن حل، أو حتى بعض الضوء للخروج من نفق المأزق السورى المظلم. من هنا تأتى أهمية هذا الحوار مع البطريرك غريغوريوس الثالث، بطريرك الروم الكاثوليك فى أنطاكية والمشرق والإسكندرية، وصاحب مبادرة «المصالحة من أجل سوريا»، والذى يرى أن المسلمين مستهدفون من قوى التطرف أكثر من المسيحيين، وأن العروبة على المحك، وأن هجرة المسيحيين من سوريا خيانة للوطن. كيف ترى الوضع الحالى فى سوريا؟ هو حرب محاربين بلا وجوه. وهذه هى المأساة الأولى. أما الثانية فهى كل ما يولد الفوضى. فأهم عنصر يجعل القضية فى سوريا مأساة كبيرة هو الفوضى التى لا تعرف وجها للحرب. ومن المعروف وقد اكتشف ذلك أخيرا أن هناك ألفين من الفرق التكفيرية أو الإرهابية التى لا نعرف من أين أتت. وهى تعمل وتدمر وتبتز وتقتل فى سوريا كلها. فتصورى مدى حجم المأساة والفوضى التى تتولد من خلال هذا الوضع المأساوى. كما أن الجيش الحر أصبح دوره قويا اليوم. وهو ما أفسد كل ما قد يكون جيدا. ولو كانت بقيت المعارضة لكانت ظلت الرؤية أوضح فى المشهد العربى والمشهد السوري. ولكان من الممكن إيجاد نوع من الحوار بين الفئات. ربما كان هذا الموقف هو المطلوب. وهو خلق الفوضى فى سوريا أو ما سمى باللغة السياسية للأسف الفوضى البناءة لكن هى فى الواقع فوضى مدمرة. كيف يمكن الحفاظ على وحدة سوريا؟ الشىء الجميل أن النسيج الوطنى السورى فى كل الأحياء والقرى لا يزال على ما هو عليه على الرغم من الروح الفتاكة المجرمة. لكنها لم تدخل إلى قلوب السوريين، فالسوريون خارج المأساة خارج الخطر ولايزالون يحافظون على محبتهم لبعضهم البعض وثقتهم ببعضهم البعض والتعايش فيما بينهم. والغلط أن نطلق على ما يحدث حربا أهلية. فهى تكون عندما تأتى فئة تزعزع الحياة الاجتماعية ولكنها مازالت مترابطة فى سوريا. ويمكن أن نقول إن فى سوريا حرب عصابات حرب مسلحين يفسدون الحياة المجتمعية السورية. فهى حسب تحليلى ليست حربا أهلية. سمعنا عن محاولة مصالحة من رجال دين سوريين مسيحيين ومسلمين تحت مسمى «مبادرة من أجل سوريا».. فما الهدف منها؟ الواقع أن المبادرة من أجل سوريا هى مصالحة. أنا نفسى أطلقت فى يوليو 2012 رسالة بعنوان "المصالحة خشبة الخلاص الوحيدة لسوريا فى الأزمة". وانضم إلى كثيرون مثل وزير المصالحة وفرق صغيرة تعمل للمصالحة حتى لا تدخل أفكار الجماعات التكفيرية مثل البغض والعداء والعنصرية والعصبية فى الحى الواحد. ولا تستغل الأفكار القبلية لكى تصبح أداة للحرب. كما أتى إلى سوريا فى مارس 2013 فريق من نشطاء السلام فى العالم، وأيضا حائزون على جائزة نوبل للسلام. وقد زاروا فئات مختلفة فى لبنان من السوريين النازحين. وأتوا إلى دمشق وزاروا المعارضة وصلوا فى الجامع الأموى. وهذه مبادرات من أجل وقاية المجتمع المدنى من أخطار وسلبيات الحرب وتوابعها من بغض وكراهية. فالتكفير جديد على المجتمع السورى. والفكرة التكفيرية واردة من المجموعات التى تأتى من الخارج. يقال إن أوضاع المسيحيين متردية وأن هناك تهجيرا قسريا وحرقا وتدميرا لكنائسهم؟ الكنائس دمرت بسبب ما ذكرت من فوضى. لدينا بشر وحجر. أخذوا البشر كترس للحماية والحجر أيضا. المسلحون والتكفيريون استعملوا الحجر والبشر مثلما حدث فى حمص فى بطريركية سيدة السلام ما بين هذه الجماعات التكفيرية والجيش، ولكن بعد إفراغ المنطقة من سكانها. وأيضا استهدف بعض التكفيريين كنائس فى الحسكة والرق. التكفيريون جعلوا الكنائس فى خطر. لكن أحب أن أطمئن إخوتى المسيحيين حتى يكونوا أقوياء ولا يخافون أكثر: أنتم لست المشكلة. أنتم جزء منها وضحية لهذه الأحوال المأساوية والفوضوية. هناك حالات استهدف فيها التكفيريون المسيحيين. لدى تسجيلات فى معلولا للأطفال والشباب والصبايا وهم فى بيوتهم قبل أن يهاجروا وأخذوا يهددونهم سنذبحكم، سنقتلكم يا عباد الصليب يا كفار يا صليبيون. أنتم تعبدون الخشب إلخ. هناك فئات تكفيرية هددت المسيحيين بالذات فى ظروف معينة. لكن عموما لم يكن هناك استهداف مباشر للمسيحيين. فقد قتل المسيحيون مثلما قتل المسلمون. ماذا عن المختطفين مثل راهبات معلولا والمطرانان يوحنا إبراهيم وبولس يازجى؟ هذا أيضا من نتائج الأفكار التكفيرية. عندما دخلت عناصر غريبة إلى مناطق مثل حمص والقصير وغيرها. هؤلاء خطفوا المطرانيين والقسين إسحق وكمال وعددا من أهالينا وأصدقائنا ومعارفنا وراهبات معلولا. وقد قلت كلمة واضحة فى مسألة الراهبات: إذا أردتم أن تحموا الراهبات من التعدى بعد أن أخرجتموهن من دارهن، سلموهن إلى البطريرك يوحنا اليازجى. وهو رئيس هؤلاء الراهبات. وأن يظل وضعهن مجهولا مع وضع الشروط من أجل الإفراج عنهن. وهناك كهنة ماتوا مثل أبونا حداد. وهذا تعد من فرق متطرفة وليس من محاربين عاديين. فكل من مأس وبشائع جرت فى سوريا ليس من عمل السوريين، ولكن من عمل الفرق التى دخلت فى دعش فى أواخر 2012 وبداية 2013. وقد اعترف كوفى عنان والصحافة الأوروبية أن هناك ألفى فريق. والسؤال: لماذا لا يتم إيقاف المال والسلاح عن هؤلاء المأجورين؟ هناك تجارة. وأصبحت سوريا من أهم المراكز للتجارة العالمية للمال والعرض والأخلاق واستباحة النساء وخطف الأطفال. أصبحت مثل سوبر ماركت للحرب للبغض للكراهية للاعتداءات. وهو ما يعتبر خارجاً عن تقاليد سوريا وخارجا عن منهج الإسلام. إذن الأزمة طالت الجميع فى سوريا؟ لا أحب أن يقال إن المسيحيين مستهدفون. هم مستهدفون من فرق ليس لها علاقة بالتراث المسيحى - الإسلامى ولا التراث السورى. ويجب أن ننتبه إلى هذا الأمر محليا وعالميا حتى لا تستغل هذه الأفكار التكفيرية التى تلصق بالإسلام الذى نعيش معه منذ 1435 عاما وتدمير صورته فى الخارج. وأقول للمسلمين هناك خطر فى استغلال الإسلام . الإسلام مستهدف اليوم. بالنسبة لى ومن تحليلى وكإنسان يحب عالمه العربى وكل مسلم وكل إنسان كما أوصانا السيد المسيح "أحبوا الجميع"، أنا أقول إن هناك استهدافا للمسلمين والإسلام أكثر من المسيحيين. ودعونا نكف عن قول إن المسيحيين مستهدفون. الإسلام مستهدف أيضا. وأن نتيجة استهداف الإسلام هى استهداف المسيحيين. وتحليلى أن هناك فكرا يهدم الداخل وتخرج منه هذه الفئات التى ليست من الإسلام تشوه صورة الإسلام. والنتيجة المسيحى الذى يتألم ويضطهد. وأيضا الوحدة العربية مستهدفة والعالم العربى مستهدف لأنه مقسم. وعدم وحدته تسئ إلى المسيحيين. ربما يراد للإسلام أن يهدم من فئات ربما من متواطئين ضد الإسلام والعالم العربى كله. ربما الاستهداف هو ضرب الإسلام بالإسلام. ويجب أن نضع هذا الاستهداف فى إطاره الحقيقى. المسيحيون فئة صغيرة ليس لديها أفكار شريرة وتكفيرية. فلماذا يتم استهدافهم؟ الخلاصة كلنا مستهدفون. أرى أنكم لستم مع فكرة تفريغ المنطقة من المسيحيين؟ نحن فئة صغيرة ما بين 15 – 20 مليون مسيحى فى المنطقة من إجمالى 400 مليون. لماذا التفريغ؟ بالعكس. لدينا مدارس ومؤسسات ومستشفيات وجامعات ومفكرين وأناس نزهاء موجودون فى الدولة لهم صيت جميل. العالم الإسلامى يحتاج إلينا. فكرة التفريغ أصبحت مثل الأسطوانة كل ذلك مطية. فإذا كانوا يهتمون بوجود المسيحيين فليوقفوا الأزمات. وأعنى بذلك القضية الفلسطينية. فإذا لم يكن الفلسطينى يعيش فى أمان وكرامة سيضرب بكل تأكيد الإسرائيلى. فيجب أن يحصل الفلسطينى على أرضه وحريته ويحمى عرضه وكرامته وحقه. الذى زرع الأفكار التكفيرية التى نعيشها اليوم هو عدم حل القضية الفلسطينية بطريقة عادلة. أيضا أحب أن أشير إلى أن الفكر المسيحى هو الأرض الحاضنة للأفكار الثورية فى العالم العربى. وقيل فى مطلع الأزمة السورية:"حافظوا على مسيحييكم لكى تحافظوا على عروبتكم". ويجب أن نبقى ولا نهاجر. بقاء المسيحى لدوره وليس لأجل ذاته. من مصلحة المسلم أن يبقى المسيحى للحفاظ على التعددية والعروبة. ماذا تأمل نيافتكم فى جنيف2؟ جنيف 2 يمكن أن تنجح إذا كان هناك صوت واحد: بأوروبا وأمريكا وروسيا من جهة ومن أوروبا وألمانيا وإنجلترا وفرنسا ثم الصين من جهة أخرى. هذه الوحدة الأوروبية يمكن أن تضغط من جهة الدول العربية لكى تتوحد ثم تضغط على العناصر المرتزقة والعناصر الهدامة والتكفيرية يبقى فى الميدان الدولة السورية والمعارضة، حتى يمكن بلورة من سيشاركك فى جنيف 2 يجب أن تبعد عن الأزمة القوية التى يمكن أن تؤثر عليها. بالإضافة إلى الصلاة والصوم من أجل نجاحها، وأن تكون هناك مبادرة من البابا فرنسيس بفكر ورؤية مسيحية، ولكن أيضا إيمانية تجعل العالم يقول إن الله موجود. جنيف 2 لن تنجح فقط بالجهود السياسية ولكن بالجهود الإيمانية أيضا. إذن تضعون أملا فى جنيف 2 لإيجاد مخرج للأزمة السورية؟ طبعا. الهدف الأساسى هو مستقبل العالم العربى. لأنه إذا حلت القضية السورية بطريقة نموذجية إنسانية أوروبية - عربية جيدة، فإنها تعد مفتاحا للربيع العربى وسيكون هناك عالم عربى جديد وسوريا جديدة. وتختفى الأفكار التكفيرية. ويصبح لدينا فكر جديد ورؤية جديدة فى العالم العربى: ثورة لكن على أساس رؤية جديدة. وستكون الخطوة المقبلة هى حل الصراع الإسرائيلى - الفلسطينى. وسيكون هناك ثقة متبادلة بين الشرق والغرب والحد من الخوف من الإسلام فى الغرب والخوف عموما من الآخر ونتحول إلى حضارة المحبة والأخر والمصالحة والنمو الإقتصادى والإنسانى. وإذا لم تحل القضية السورية سيبقى العالم العربى أكثر فوضى. كيف رأيتم اختيار مجلة «تايم» الأمريكية بابا الفاتيكان شخصية العام؟ يستحق. وقد قلت له فى لقاءين إنه قديس. والشرط فى القديس أن يعمل أعجوبة. والبابا فرنسيس حقق ذلك من خلال الدعوة يوم 7 سبتمبر الماضى إلى الصوم والصلاة من أجل سوريا. فغير وجه العالم. ومنع وقوع الحرب فى سوريا. لذلك يستحق أن يكون رجل العام. وقلت له إنه فاجأ العالم فى 2013 وننتظر منه مفاجأة أخرى فى 2014 من خلال مبادرة تجعل العالم أكثر هناء. يعيش فيه الإنسان أكثر سعادة ويشعر فى الأرض بكرامة وإنسانية ومحبة ورجاء وسلام.