ماجد منير - تعكس أوضاع الشيعة فى الإمارات، خصائص المجتمع الإماراتى المتنوع بما يضمه من ثقافات وأعراق مختلفة.. ويجسد الشيعة فى الإمارات، أكثر حالات الاندماج فى دول الخليج، فلم يشهد المجتمع الإماراتى بروز قضايا تتعلق بالشيعة، كتلك التى تشهدها دول خليجية أخرى. ومع تصاعد الحديث عن قضايا الشيعة وتأثيرها فى مستقبل الخليج، صدرت عدة تقارير ترصد أسباب اختلاف أوضاع الشيعة فى الإمارات عن باقى دول الخليج، وتوصلت إلى أن أهم ما يميز شيعة الإمارات عن غيرهم هو تغليب مبدأ المواطنة على الطائفة. يشير المراقبون إلى أن اللافت للنظر مع تصاعد “المسألة الشيعية" فى عدد من دول الخليج هو اختلاف موقف شيعة الإمارات، وذلك لإدراكهم أنهم مواطنون أولا قبل أن يكونوا شيعة، ولم يقفزوا على المواطنة لصالح الطائفة، في أي وقت من الأوقات، حتى لو حانت الفرصة، ولم يعرف عنهم الخروج بموقف، أو بيان، يحسب لطائفتهم. ويؤكد المراقبون أن التاريخ يسجل لهم أنهم حالة مختلفة عن نظرائهم في دول الخليج، فطوال تاريخ تعايشهم مع الغالبية السنية، تمكنوا من الاندماج بصورة شبه كاملة مع باقي مكونات مجتمعهم المحلي، وظلوا يعمقون مفاهيم المواطنة. وحول رؤية الإمارات لمخطط تقسيم المنطقة إلى سنة وشيعة، وكيفة التعامل مع هذا المخطط، تقول الدكتورة ابتسام الكتبى، الاستاذ بجامعة الإمارات، والتى شاركت أخيراً فى ندوة بالدوحة حول دور التنوع المذهبى فى مستقبل الخليج العربي، أن المخطط الذى يستهدف المنطقة أكبر من التقسيم فقط على أسس مذهبية (سنة وشيعة أو مسلمون ومسيحيون)، فالمخطط يستهدف تقسيم وتفتيت دول المنطقة، وجرى طرحه من وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس وتبناه الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش. وتشير إلى أن تنفيذ المخطط بدأ مع الغزو الأمريكى للعراق وما تلاه من صراع مذهبى، فأمريكا دخلت العراق مع قيادات شيعية لتكريس الطائفية التى لم تكن موجدة قبل ذلك فى العراق، وتلا ذلك التغلغل الإيرانى وأصبحت المسألة من يستقطب من؟ وتوضح د. ابتسام الكتبى أن الأيدولوجيا هى إحدى الوسائل التى يتم بها تنفيذ أهداف سياسية تحت شعارات حماية الأقليات أو اتباع مذهب أو طائفة.. مشيرة إلى أن تركيا فى ذات الوقت تستخدم هذه الوسيلة بحجة حماية السنة. وتقول إن المشكلة فى المنطقة كانت تتركز فى غياب مبدأ المواطنة وتهميش البعض، إضافة إلى وجود بنية اجتماعية وسياسية هشة، وكذلك غياب المجتمع المدنى، وهذه العوامل جميعا أوجدت بيئة مناسبة لتنفيذ مخطط التقسيم. وحول الوضع بالنسبة لشيعة الإمارات توضح الدكتورة ابتسام الكتبى أن المجتمع الإماراتى لا يعرف أية تقسيمات من هذا النوع، فلا يوجد إماراتى سنى وآخر شيعى. وتضيف: “المجتمع الإماراتى بطبيعته - ومنذ زمن بعيد - متسامح لا يوجد فيه تعصب ولا تمييز سواء على مستوى الدولة أو الأفراد، وجميع الإماراتيين سواسية فى حقوقهم الوظيفية والمعيشية". وتقول إن الشيعة الإماراتيين الذين يمثلون على أقصى تقدير نحو 2 % من الشعب الإماراتى، يمارسون طقوسهم الشيعية بكل حرية ولا يواجهون أية مصاعب سواء من الدولة أم أفراد المجتمع ولهم حسينياتهم. ووفقا لتقرير الحريات الدينية، الصادر عن الخارجية الأمريكية فى 2010، فإن نسبة الشيعة في الإمارات تصل إلى 15%، إلا أنه يصعب تقسيم المجتمع الإماراتي إلى سني وشيعي، كما لا يمكن القول إنهم منفصلون عن واقعهم المحلي، بل لا يمكن حتى التفريق بين المواطن السني والمواطن الشيعي، فالزي واحد واللهجة واحدة. يعود الوجود الشيعي في الإمارات إلى منتصف القرن التاسع عشر، حينما بدأ الشيعة من البحرين والساحل الشرقي للسعودية، بالتوافد إلى الإمارات عامة، وإلى إمارة دبي خاصة، وتبعهم بعد ذلك شيعة إيران والهند. ويشكل شيعة الإمارات جزءاً من النسيج الاجتماعي، ويجسدون أكثر حالات الاندماج نجاحاً في منطقة الخليج.. ومما ساعد على اندماج الشيعة أن مجتمع الإمارات يعد من أكثر المجتمعات الخليجية تسامحاً فيما يتصل بالأديان، وأشدها تنوعاً في الأعراق والأقوام والثقافات.. ويتركز وجود الشيعة في دبي والشارقة وأبوظبي، ولهم وجود محدود في بقية الإمارات. وتعتبر جميع جوامع الشيعة وحسينياتهم ومآتمهم ملكاً خاصاً، ولا تتلقى أي تمويل من الحكومة، وتتبع في إمارة دبي مجلس الأوقاف الجعفرية الخيرية.. ومن أبرز المساجد والمآتم الشيعية في دبي، مسجد الإمام علي، الذي يعد أقدم مساجدهم في الإمارة، وبالقرب منه يقع مأتم الحاجي ناصر، الذي أقيم في أواخر القرن التاسع عشر.. أما في العاصمة أبوظبي، فلهم مسجد الرسول الأعظم، ومأتم البحارنة الكبير. وفي الشارقة يوجد لهم مسجد كبير اسمه الزهراء، وحسينية الزهراء، التي تعد من أقدم الحسينيات في دولة الإمارات. وبرغم عدم بروز “المسألة الشيعية" فى الإمارات فى ظل المساواة التى يشهدها المجتمع الإماراتى، وتوارى معها تقسيم المواطنين أو المقيمين إلى سنة وشيعة، فإن الإمارات – فى إطار العمل الخليجى المشترك – تسهم فى إنجاح التقارب التركى - الخليجى الذى بدأ يتشكل أخيراً على أرضية اقتصادية بينما هو موجه فى الأساس كمحور سنى للوقوف أمام المشروع الشيعى الذى تقوده إيران. ويشير المراقبون إلى أن التقارب الخليجي - التركي يعكس توافقا في المصالح ويشكل محورا محتملا لمواجهة السياسات الإيرانية الطائفية خصوصاً فى مناطق نفوذها وتحالفاتها فى العراق وسوريا. ومن حين إلى آخر تصدر تصريحات من أحد المسئولين الإماراتيين توجه اتهامات مباشرة لإيران بالسعى إلى إثارة الخلافات والنزاعات الطائفية فى الخليج.. وأخيراً هاجم قائد شرطة دبي، الفريق ضاحي خلفان، إيران لتهديدها أمن الخليج بتغذية التقسيم الطائفى سعيا لتحقيق أطماعها فى الخليج.. كما وجه اتهاما للولايات المتحدة وسياساتها فى المنطقة التى وصفها بالمهدد الأول لأمن الخليج.. مشيرا إلى أن قيام أمريكا بقلب أنظمة الحكم في المنطقة ابتداء من العراق قدم فرصا عظيمة لإيران لتصدر ثورتها وتسيطر على العراق. وفى الوقت ذاته حذر خلفان من مخاطر ضعف الانتماء الوطنى وعدم الولاء فى الخليج بسبب بعض السياسات المحلية والاجتماعية التي رأى فيها تهديدا للأمن الخليجي كاتساع الفجوة بين الحاكم والمحكوم وإعاقة التواصل مع الحاكم، والبطالة والفساد والاهتمام بالاستثمارات الخارجية عبر صناديق سيادية ضخمة مع حاجة المواطنين للمال.