وأنت تبحث عن لغز اختطاف الجنود المصريين فى أرضهم سيناء، سأروى لك كيف حرر الجنود الأرض، فى معجزة عسكرية بكل المقاييس، معجزة فى إطارها العام كحرب، ومعجزة فى تفاصيلها، والمعارك التى دارت، لتؤكد فى كل لحظة قيمة جنود مصر، ومنهم البطل اللواء محمد كريم مهنى، الذى اشتهر بلقب محمد الفاتح بعد أن حرر جبل المر الذى أصبح فيما بعد “جبل الفاتح". جبل المر الذي أطلق عليه البعض لقب الشيطان كان القلعة الحصينة التي تتمركز فيها قوات العدو لتصب منه نيرانها علي مدينة السويس خلال حرب 67 وحرب الاستنزاف وبالطبع كان أحد المراكز القتالية للعدو فى معركة أكتوبر، ويبلغ طول الجبل 8.5 كيلو متر، وارتفاعه117 مترا وتحيط به الكثبان الرملية، مما يجعل صعود المركبات إليه أمرا شبه مستحيل. وفى عدة أحاديث موثقة يروى اللواء الفاتح الذى انتقل إلى رحاب ربه فى مارس الماضى- يروى القصة قائلا: فى صباح يوم 9 أكتوبر 1973 ومع أول ضوء وبعد أن وصلنا نحو2 كيلو متر شرق القناة، ونحن وقفون علي التبة فاذا بقائد الفرقة العميد يوسف عفيفي آنذاك قد وصل وحضر ضابط برتبة نقيب وأعطاه ورقة مكتوبا فيها عبارة أمر بالتحرك للاستيلاء علي جبل المر، والمسألة لاتقبل أنصاف الحلول والسرعة ضرورية لإنهاء المهمة، وكنا خمسة ضباط ولمدة لحظات تمكتني رهبة الموقف من الإقدام علي الموت، حيث أفقت منها علي غارة جوية لطائرة سكاي هوك إسرائيلية صوب عليها ملازم أول يدعي نمر الشهم صاروخا أسقطها عندئذ هلل الجميع واستبشروا خيرا وتم أسر قائدها. ونحن في مركز قيادة متقدم بين الرتلين تقريبا إذا بصواريخ العدو تنهال من كل جانب وعندئذ قدمت المعجزة الإلهية، حيث لم تصب كل هذه الصواريخ والقذائف المنطلقة مركبة واحدة برغم أن إصابة الصواريخ تكون محققة بنسبة 90 % والأكثر عجبا أن الصواريخ تنغرس في الرمال دون انفجار، واضطرت المجموعة إلي التوقف محتمية بإحدي التبات، واضطررنا إلي التوقف لأستطلع موقف قواتى التي تحارب عدوا يفوقها عددا وعدة تحاربه وعيونها متجهة إلي الجبل، كانت الكتيبة اليمني محاصرة تماما من جميع الاتجاهات والكتيبة اليسري ترجلت من مركباتها بعد تحطم هذه المركبات وتحاول مع ذلك اقتحام الجبل اللعين. ويلمح القائد بأعلي تبة قريبة منهم مجموعة من الجنود فيسألهم عن هويتهم فيقول أحدهم أنا النقيب سامح يا أفندم، قائد الصواريخ ويسأله العقيد الفاتح، ولم لم تصعد إلي الجبل ياسامح؟ فيجيب بحسرة إن العربات الجيب عاجزة عن السير في الكثبان الرملية، والعدو يوقع بمن يراه وعندئذ يقول الفاتح أنا قائد اللواء وسأتحرك أمامك يا سامح وعندئذ سار معه النقيب سامح محمود ومعه الجندي الشجاع محمود محمد أبو خليفة وهما يرددان بصوت عال كلنا فداء لمصر وكانا ضمن مجموعة الصواريخ الملحقة علي اللواء. وما إن يصل القائد إلي مسافة 200 متر فقط حتي يفاجأ بخبر سار، وهو أن الكتيبة اليسري بقيادة المقدم علي أحمد حسن الغليض تمكنت من اقتحام الجبل برغم خسائرها الكبيرة، غير أن قواهم قد أنهكت وتغوص أقدامهم في الرمال بعد أن أوقع العدو بغالبيتهم بين شهيد وجريح. ويلمح النقيب سامح دبابتين للعدو قادمتين من الناحية اليمني فيصرخ القائد: اضرب يا سامح، وينفذ سامح الأمر ويطلق صاروخه وتحدث للمرة الثالثة المعجزة، إذ يعتقد العدو أن المجموعة القليلة كلها مسلحة بالصواريخ فتهرب علي الفور 13 دبابة إسرائيلية وهي تسابق الريح دون طلقة واحدة، ويسرع الجندي الشجاع محمود محمد أبو خليفة وراء دبابة منها ويأبي إلا أن يحطمها بصاروخه، ويتشجع القائد بجنوده البواسل ويستكمل المسيرة، ويعترف اللواء الفاتح بفضل وشجاعة المقدم علي أحمد حسن الغليض الذي كان السبب في إشعال حماسه، لدرجة أنه شعر كأنه أسد جسور. ويشعل القائد حماسة جنوده ويخبرهم بأن هذه المجموعة القليلة لا تقاتل وحدها ويقول لهم إنه علي اليسار وعلي بعد خطوات من الجبل توجد باقي الكتائب, فيطمئن الجميع وتزداد الحماسة في الجنود ويواصلون زحفهم المقدس حتي وصلت المجموعة بالفعل إلي قمة الجبل، والحقيقة التي لم يكن يعلمها الجميع وربما لو عرفوها وقتها لانهارت مقاومتهم تماما، أن القوات التي كانت علي اليسار لم تكن سوي قوات إسرائيلية تحصنت في قيادتها تحت الأرض، وتتوالي الأحداث فيعتقد العدو أن قواتنا بعد أن استولت علي قمة جبل المر واحتلته سوف تقوم بتطويقه كاملا, وتدمير قواته تماما فيسرعون منسحبين في فوضي وانزعاج تاركين خلفهم حصونهم المنيعة. ويقوم العقيد الفاتح بإبلاغ العميد حشمت جادو بأنه تم الاستيلاء علي جبل المر بعد4 ساعات فقط من صدور الأمر فى معجزة عسكرية لم ولن تتكرر.