مدبولي: اكتمال تشكيل البرلمان إيذان بمرحلة جديدة من التعاون التشريعي والحكومي.. صور    بعد قليل.. مؤتمر الهيئة الوطنية لمتابعة دوائر المرحلة الأولى من انتخابات النواب    التفتيش على 974 منشأة خلال 6 أيام لتطبيق قانون العمل الجديد    238 مليون دولار حجم التبادل التجاري بين مصر والكويت خلال 8 أشهر    استشهاد لبناني جراء استهداف مسيرة إسرائيلية لسيارة جنوبي البلاد    هالاند يحكم سيطرته، ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي بعد الجولة ال11    اليوم.. انطلاق معسكر منتخب مصر استعدادًا لكأس العين الدولية الودية    ب 13 ميدالية، أبطال مصر يتألقون في دورة التضامن الإسلامي بالسعودية    انتخابات مجلس النواب، إصابة رئيس لجنة في حادث تصادم بأسوان    الداخلية تكشف حقيقة التعدي على شخص وتحطيم سيارته    تحرير 1248 مخالفة مرورية لعدم ارتداء الخوذة    الرئيس الأمريكي يصدر عفوا عن عشرات المتهمين بالتدخل في انتخابات 2020    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ونظيره المالي    اعرف الأسعار فى أسواق الخضار والفاكهة اليوم الإثنين 10-11-2025 فى المنوفية    زيادة عالمية جديدة.. سعر الذهب اليوم الاثنين 10-11-2025 وعيار 21 الآن في محال الصاغة    استقرار أسعار العملات العربية في بداية تعاملات اليوم 10 نوفمبر 2025    كأس العالم للناشئين.. موعد مباراة مصر وإنجلترا| والقنوات الناقلة    جهاز الإحصاء: ارتفاع معدل التضخم الشهرى 1.3% لشهر اكتوبر 2025    المستشار أحمد بنداري: نتوقع أن تكون انتخابات مجلس النواب عرسا ديمقراطيا كما في الانتخابات الماضية    زيلينسكي: الملك تشارلز لعب دورا في تشجيع ترامب على دعم أوكرانيا    حالة الطقس.. منخفض جوي بارد يؤثر على البلاد اعتبارا من الخميس المقبل    خطوات وموعد تسجيل استمارة التقدم لامتحانات الشهادة الإعدادية 2025    نشرة مرور "الفجر".. زحام بميادين القاهرة والجيزة    عاجل- بدء سداد رسوم حج القرعة لموسم 2026 بالبنوك الوطنية ومكاتب البريد    في ذكرى رحيل معالي زايد.. رحلتها من الفن التشكيلي إلى عالم السينما    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    «الصحة»: التحول الرقمي محور النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان    مازن المتجول: أجزاء فيلم «ولاد رزق» مثل أبنائي.. ولا يوجد تأكيد لجزء رابع    بدء التصويت بالداخل في المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب 2025    السيدات يتصدرن المشهد أمام لجان انتخابات مجلس النواب بدائرة الهرم والعمرانية    بعد 40 يوما .. مجلس الشيوخ الأمريكي يقر مشروع قانون تمويل الحكومة لإنهاء الإغلاق الحكومى    6 ملايين مشاهدة لأغنية "سيبتلي قلبي" ل أنغام على يوتيوب (فيديو)    ب أماكن لكبار السن وذوى الهمم.. الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد لاستقبال الناخبين للتصويت في انتخابات مجلس النواب    أمريكا: اختبارات تكشف الجرثومة المسببة لتسمم حليب باي هارت    نقل محمد صبحي للعناية المركزة بعد إغماء مفاجئ.. والفنان يستعيد وعيه تدريجيًا    «أنا مش بخاف ومش هسكت على الغلط».. رسائل نارية من مصطفى يونس بعد انتهاء إيقافه    واشنطن تضغط على إسرائيل لبدء المرحلة الثانية من خطة ترامب    هاني رمزي: تجاهل زيزو لمصافحة نائب رئيس نادي الزمالك «لقطة ملهاش لازمة»    وزير المالية: بعثة صندوق النقد تصل قريبًا ومؤشراتنا مطمئنة    الزراعة: تحصينات الحمي القلاعية تحقق نجاحًا بنسبة 100%    «لاعب مهمل».. حازم إمام يشن هجومًا ناريًا على نجم الزمالك    السوبرانو فاطمة سعيد: حفل افتتاح المتحف الكبير حدث تاريخي لن يتكرر.. وردود الفعل كانت إيجابية جدًا    الأهلى بطلا لكأس السوبر المصرى للمرة ال16.. فى كاريكاتير اليوم السابع    السقا والرداد وأيتن عامر.. نجوم الفن في عزاء والد محمد رمضان | صور    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الاثنين 10 نوفمبر    مواجهات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلى شمال القدس المحتلة    تقرير - هل يتراجع المد اليميني المتطرف المعادي للمهاجرين في هولندا بخسائر فيلدرز؟    مساعد وزير الصحة: نستهدف توفير 3 أسرة لكل 1000 نسمة وفق المعايير العالمية    رئيس لجنة كورونا يوضح أعراض الفيروس الجديد ويحذر الفئات الأكثر عرضة    «مش بيلعب وبينضم».. شيكابالا ينتقد تواجد مصطفى شوبير مع منتخب مصر    «لا تقاوم».. طريقة عمل الملوخية خطوة بخطوة    3 سيارات إطفاء تسيطر على حريق مخبز بالبدرشين    محافظ قنا يشارك في احتفالات موسم الشهيد مارجرجس بدير المحروسة ويؤكد قيم الوحدة الوطنية    3 أبراج «مستحيل يقولوا بحبك في الأول».. يخافون من الرفض ولا يعترفون بمشاعرهم بسهولة    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمرو موسى: حركة التغيير الثورية ستستمر نشطة.. ولابد من نظام عربي جديد.. والكثيرون يعارضون التيار الديني
نشر في الأهرام العربي يوم 09 - 05 - 2013

تنشر "بوابة الأهرام العربي" نص كلمة عمرو موسى، رئيس حزب المؤتمر، القيادي البارز في جبهة الإنقاذ، أمين عام جامعة الدول العربية سابقا، التي ألقاها اليوم في الجامعة اللبنانية الفرنسية، بالعاصمة بيروت، والتي تناول فيها الوضع العربي في أعقاب الثورات العربية، وكذلك الحال في كل من سوريا وفلسطين.
وقال موسى:
منذ أيام قرات للمفكر اللبناني الأستاذ على حرب مقالاً بجريدة الحياة بعنوان "مشروع التنوير العربي"، أشار فيه إلى مقولة "هيجل" عن "مكر التاريخ" ... جاء ذلك في معرض حديثه عن "الاشكاليات المركبة والمفارقات الفاضحة" المتعلقة بما يشهده العالم العربي من تطورات تتصل بالمأزق الذي نواجهه ونحن في خضم عملية تغيير لا نستطيع الآن على وجه اليقين أن نحدد نتائجها في المدى المتوسط أو البعيد، وان كنا نرى بوضوح أن الواقع الحاضر وربما إلى المدى القصير، يشوبه الاضطراب والتوتر، وربما الفوضى، ويتسم بالقلق الكبير على مصير دولنا ومجتمعاتنا، وهل سوف نلحق بالعصر ... بالقرن الحادي والعشرين، ونسهم فيه، وننهل من الفرص التي يقدمها والآفاق التي يفتحها، أم سوف نجر جراً إلى عصور مضت وأزمنة خلت، وما يعنيه ذلك من اضطراب أو انهيار لمسيرة المجتمعات نحو الاستقرار والنماء.
ان التراث والفكر الذي نهلنا منه وانتمينا له يجب على الدوام، ولصالح أجيالنا ومجتمعاتنا، أن يكون حافزاً وأساساً للسير - بل للقفز - نحو المستقبل، وليس للعودة إلى الماضي، حتى يتمكن العالم العربي من الشراكة في تشكيل عالم الغد وفي امتلاك أسباب المعرفة وأسرار التقنية، ومن ثم تملك مفاتيح الحياة العصرية المدعومة بقواعد ثقافية عريقة متينة ثابتة الجذور.
أقول هذا كله بمناسبة ما أصابنا وأصاب العالم من حولنا من دهشة واستنكار لما آلت إليه أمورنا، ولما تفاجأت به ثوراتنا من من افلات الأمور منها، ومن أن محاولاتنا لحل المشكلات التي واجهت أوطاننا بسبب سوء إدارة الحكم في العقود الأخيرة انما ولدت مشكلات أكثر تعقيداً وخطورة.
فهل يا ترى قد مكر بنا التاريخ كما قال "هيجل"، وكما أورد الأستاذ على حرب، أم قد مكرنا بأنفسنا، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
السيدات والسادة،،
شهد عام 2011، وشهدنا نحن منذ بداية ذلك العام ثورات تتابعت حتى شكلت حركة تاريخ خاصة بنا أسماه الغربيون "الربيع العربي"، وأسماها غيرهم بالانتفاضة أو الثورة، وأرجو ألا تنتهي إلى "هوجة" كما يقول الفلكلور المصري، وأفضل أن أسميها "حركة التغيير العربية"، وهي حركة ثورية بالتأكيد، أظننا جميعاً نتفق على أنها كانت منتظرة ومتوقعة، بل وضرورية، بعد أن فاض الكيل من سوء الإدارة وشخصنة الحكم وديكتاتورية الحاكمين وأسرهم، بل من نقص الكفاءة وبلادة القراءة، قراءة حركة التاريخ ... قراءة المسيرة العالمية من حولنا، والفارق الي يتسع بيننا وبين العالم الذي يعاصرنا، ولم يذكروا أن القرن الحادي والعشرين قرن له متطلباته المختلفة وشروطه الخاصة للنجاح والتي تختلف جذريا عما تعودوه ومارسوه.
ويهمني أن أطرح عليكم اعتقادي بأن حركة التغيير الثورية هذه سوف تستمر معنا نشطة، تصعد وتهبط، تفور وتخمد، لسنوات عديدة قادمة، ولكنها لن تتراجع أو تدور إلى الخلف، مهما حاول البعض فرض مثل هذه المسيرة المتراجعة، وذلك لأسباب عدة أهمها: حركة التاريخ ذاتها، وتطلعات الناس وحاجاتهم، وطبائع القرن الحادي والعشرين وتأثيراته، بما في ذلك العولمة والتقدم المذهل في مجال الاتصالات والمواصلات، والتي تكشف للشعوب وهج المجتمعات المتقدمة، واسبابه ومقوماته، بقدر ما تكشف ظلام المجتمعات الفاشلة بسبب جمود الفكر وفشل الحكم ومناورات القوى العظمى وضغوطها وتأثيرها.
إلا أن هذه المسيرة الثورية تطرح عدد من التساؤلات الجذرية، ومن أهمها سؤال يتعرض لمدى تأثر النظام العربي بتداعياتها، وهنا أقول إن من شأن التغير في نمط الحياة السياسية أن تدعو إلى تغير في طبيعة النظام العربي، وأقصد بذلك التنظيم الذي جمع الدول العربية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، في أربعينيات القرن الماضي، حتى بدء حركة التغيير العربية مع بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
نعم، لابد من نظام عربي جديد لا يكون مغلقاً على نفسه، وانما يجب أن يسمح بناؤه بنوافذ مفتوحة على المنطقة من حولنا، والتي نحن جزء منها وهي جزء منا، وأقصد بهذا دول الجوار العربي في آسيا وأفريقيا، ووفق نظام خاص يعمل على دعم وتأكيد الدور العربي في الاقليم المحيط، وتحديد العلاقة مع إيران من ناحية، وإسرائيل من ناحية أخرى، وتركيا من ناحية ثالثة، ودول الجوار الافريقي من ناحية رابعة، أخذاً في الاعتبار ضوابط الأمن العربي والحق العربي والمصلحة العربية.
وفي هذا أقترح على مؤسسات الفكر العربي، قبل أن أقول الجامعة العربية، أن تبدأ في اعداد تصور للنظام العربي الجديد، بل للنظام الاقليمي الجديد، وكيف يكون، ومن يمثل، مجاله الجغرافي، ومضمونه الاقتصادي، ومنطلقه السياسي وكفاءته الأمنية.
وثانياً، أرجو أن يكون كل العرب قد أدركوا صحة ايماننا بحقيقة التفاعل العربي، وأن النزاعات العربية كانت في جوهرها ومحتواها نزاعات وحساسيات بين حكام وقادة، ولم تكن أبداً نزاعات أو فرقة بين الشعوب.... انظروا إلى تداعيات احتجاج وانتحار شاب في تونس على ميادين القاهرة وشوارع دمشق وأزقة حلب وصحاري ليبيا وجبال اليمن وغيرها وغيرها مشرقاً ومغرباً، بل وعلى نفسية كل عربي من الخليج إلى المحيط.
وهكذا، مع أخذ المبادرة في الحركة نحو نظام عربي واقليمي جديد، وتأكيد أن الشعوب العربية قماشة واحدة، وأن كانت متعددة الألوان، فإن الأمل العربي في مستقبل أفضل لن يخبو أو يتضاءل، إلا أننا يجب أن نعد له وأن نحسن رسمه على أسس عصرية من حيث الزمن، أمينة وذكية من حيث التراث، ديمقراطية من حيث النظام، استراتيجية من حيث المضمون، تقيم المصالح المشتركة وترعاها.
السيدات والسادة،
يقتضي هذا الطرح أن نناقش سوياً صعود التيار الديني في العالم العربي ومدى نجاحه المتوقع أو فشله المطروح بقوة حالياً. ان نجاح أي تيار سياسي، بما في ذلك الديني، يرتبط – لا تنسوا أننا في القرن الحادي والعشرين، عصر الازدهار والتقدم والتكنولوجيا والاتصالات – أقول يرتبط نجاح التيار الديني بمدى تماهيه مع هذه العناصر، وعدم وقوفه عكس مسارها. فإن هو تماشى معها، بل استثمرها بأن قاد البلاد التي يحكمها بحنكة نحو المستقبل مع تأكيد الانتماء إلى الاسلام المعتدل، الاسلام المنفتح، اسلامنا الذي يقول للعالم أنا شريك لدي القدرة الكاملة على أن أسهم في تقدم العالم، بفكر متنور وعزم على تحقيق الأمن والاستقرار لدينا ولديه. إن هو فعل ذلك حاز القبول، فالأمر ليس رفضاً لهذا التيار في ذاته طالما يأتي ويذهب طبقاً لقواعد اللعبة الديمقراطية، انما هي سياساته وطريقة حكمه والخطط التي لا تبالي بالحاضر ولا تستهدف المستقبل كما تصوغه المجتمعات الناجحة شرقاً وغرباً، ومحاولة جر مجتمعاتنا إلى الماضي أو عزلها عن المسار العام للتطور البشري.
ان من يعارض سيطرة التيار الديني كثرة هائلة من الناس، ولكن هذه الكثرة لا تعارض من منظور ديني، وانما من منظور ما بدأ يتكشف من نواياه السياسية، ومن منظور الرغبة في العيش حياة طبيعية، لا سيطرة فيها الا للقانون، ولمبادئ المساواة بين المواطنين بصرف النظر عن دياناتهم أو معتقداتهم أو ألوانهم أو جنسهم، وتأكيد حقوق الانسان والحريات الدينية وحقوق المرأة.
نعم، آن الأوان، وفي هذا الاطار بالتحديد، لأن يراجع التيار الديني حساباته وأطروحاته وأن يربطها ربطاً بالقرن الحادي والعشرين وبالواقع المعاصر، وأن يتفهم الرغبة العارمة لدى الناس لأن تعيش حياة أفضل. ان نجاح أي حكم، بما في ذلك حكم المنتمين إلى التيار الاسلامي على اتساع هذه المنطقة، يرتبط بكفاءة حكمهم في تلبية احتياجات المواطنين المادية وتطلعاتهم الوطنية وتحقيق تقدم بلادهم وعدم تخلفها عن المسيرة العالمية التي يتصاعد ارتباط الناس بها، وبصفة خاصة بين الأجيال الصاعدة، الشباب الذي يشكل الغالبية بين الشعوب العربية .... إذن هي تطلعاتهم، تطلعات الشباب وفتح الآفاق أمامهم، أي الحديث معهم عن غدهم، وليس عن أمسهم. هذا هو أحد المفاتيح الرئيسية للنجاح والاستقرار.
السيدات والسادة،
تمر هذه المنطقة القلب من العالم العربي – لبنان وما حوله – بتطورات خطيرة بالمعنى الحقيقي للكلمة، وسوف أتطرق هنا بسبب الوقت إلى مسألتي سوريا وفلسطين فقط، رغم أن الأمر يتعلق باعادة رسم خريطة المنطقة بأكملها، وهو أمر كما تعلمون خطير، وقد أشرنا إلى ذلك في الحديث عن ضرورة مبادرتنا بالاعداد لنظام عربي واقليمي جديد.
فعن سوريا، أقول أن حل المسألة السورية سوف يشكل جوهر التغيير الاستراتيجي في هذه المنطقة، ومن هنا البطء في اتخاذ القرارات المصيرية الهامة المتعلقة بهذه المسألة.
نعم، أن الوضع الانساني مؤسف ومؤلم، نعم ان العلاقة بين الحكم وطوائف كبيرة من الشعب السوري قد فصمت، وبصرف النظر عن التفاصيل، ومن مع من، إلى أخره، نعم ان سوريا قد دمرت وبنيتها الأساسية، مادية وروحية، مهددة تهديداً حقيقياً بالانهيار، ولكن السؤال هو وماذا بعد؟ الاجابة لدى الكثيرين، هي:
ان طبيعة الأمور تشير إلى ضرورة ايجاد معادلة جديدة للحياة السياسية في سوريا، بما فيها الحكم، ولاسيما بعد أن أصبح النظام السوري جزء من المشكلة، فبعدما حدث، ولضخامة ما حدث، فلا يتصور بقاء الحال على ما هو عليه، ولا مسألة حكم فقط، بل هي تتعلق بمستقبل سوريا ذاتها كدولة وكيان، ومن المصلحة الأكيدة بقاء هذا الكيان دون تقسيم أو تشرذم .... ان التقسيم أو التشرذم إذا حدث فسوف تكوى هذه المنطقة، ولبنان بالذات، بنارها، وقد لا ينجو من مؤامرة التقسيم، بل وقد يصبح جزء منها.
ان المسألة السورية تستدعي معها المشكلة الفلسطينية، والمسألة الكردية، والعلاقات الشيعية السنية، وموضوع الأقليات الدينية والعرقية، ودور كل من ايران وتركيا. ايران بالذات ربما، وخاصة تواجدها الثمين على شواطئ البحر المتوسط، اضافة إلى النظام العربي في مستقبله الذي نتحدث عنه وتأثر عدد من دوله في ضوء هذه التطورات، وأهمها ما قد يمس العراق والأردن، ثم القوى العظمى وتعارضاتها. ومن ثم، فلا يمكن أن يكون الحل سورياً فقط، ولا عربياً فقط، ولا اقليمياً فقط. هو كل ذلك في نفس الوقت، بل قد يكون لب العمل الجاري حالياً هو رسم خريطة جديدة لسوريا وما حولها. وفي هذا، نشهد جميعاً نشاط مختلف الأطراف، تكتيكياً واستراتيجياً، اللهم الا النشاط العربي الذي يقتصر على الجزء السوري البحت من المشكلة، وعلى مجالات التكتيك دون الاستراتيجية.
ودون الدخول في تفاصيل أخرى على أهميتها وكثرتها، أعتقد أن الجامعة العربية مدعوة بقوة الى تعبئة جميع أعضائها وتقديم طلب عربي جماعي إلى مجلس الأمن لنظر المسألة السورية، ليس بغرض الادانة أو الدخول فورياً في حل سريع قاطع لها، وانما يمهد لشراكة بين المجلس والجامعة، ليس في وساطة داخلية سورية، وانما في نقاش وتوافق حول الوضع الاستراتيجي أو الشروط الاستراتيجية لتسوية المسألة السورية بأقل التكاليف الممكنة على المنطقة، وعلى مستقبل سوريا كدولة وكيان عربي يجب أن يعيش في سلام مع جيرانه العرب ويشارك في تشكيل النظام العربي الجديد.
ولا أستطيع أن أنهي حديث الموجز عن سوريا دون أن أشير إلى الاعتداء الاسرائيلي الأخير على الأراضي السورية، وانتهاك سيادة سوريا ولبنان. ان العملية السعكرية الاسرائيلية تعيد إلى الأذهان خطة اسرائيل وحاولاتها للتأثير على الأحداث في العالم العربي، وقد برعت في خلط الأوراق، وفي استغلال حركة التغيير العربي، وبخاصة في سلبايتها، لتأكيد دورها. نحن نرفض هذا الدور طالما ترفض إسرائيل الاعتراف بالحقوق العربية. اسرائيل لا دور لها في مسيرة التغيير العربي، وان شاءت أن تكون لها علاقة بهذه المسيرة، فالباب هو فلسطين، وليس سوريا.
وهنا، السيادات والسادة آتي للحديث عن فلسطين.
لقد حملت الأنباء مؤخراً نشاطاً أمريكيا جديداً لاخراج الحالة الفلسطينية من جمودها، والنزاع العربي الاسرائيلي من وضع الكساد الذي يعانيه، وهذا في حد ذاته أمر محمود، الا أن لهذا شروطه الموضوعية والضرورية، وأولها عدم المساس بحق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته ذات السيادة الكاملة وفق حدود 4 يونيو 1967، بما في ذلك القدس الشرقية، التي يجمع الفلسطينيون والعرب، بل والعالم في معظمه، على أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية.
ثانيا، أن المبادرة العربية لعام 2002 التي صيغت وصدرت هنا في لبنان هي مبادرة مكتملة البناء، تستند عناصرها على بعضها البعض، خطوة بخطوة، والتزاماً بالتزاماً، وحقاً بحق، وانسحابا كاملاً مقابل سلام شامل. ان الاخلال بأي من بنودها يفقد المبادرة توازنها وينهي فعاليتها.
ثالثاً، من المفهوم أن المفاوض الفلسطيني طرح احتمال تبادل محدود للأراضي حول الحدود، إلا أن هذا التبادل يجب وبكل وضوح ألا يؤثر على المساحة الكلية للدولة، وألا يلغي حدود 4 يونيو، ولا يعكس ثقل الغزو والاحتلال والاستيطان.
رابعاً، آن الأوان لأن يطرح المجتمع الدولي ممثلاً في مجلس الأمن، وبالأخص الدول دائمة العضوية، خريطة تعكس كل هذه المبادئ، وتحقق الدولة ذات السيادة، والأمن للدولتين الفلسطينية والاسرائيلية، وتحفظ حقوق الطرفين العادلة في الأرض والميادة ومصادر الثروة.
خامساً، آن الأوان لأن نسمي الأشياء بمسمياتها طالما أن الجانب الأمريكي أعلن عن عزمه تحريك الأمور، فموضوع المستوطنات يجب أن يدرس بكل تداعياته، وموضوع القدس يجب أن يتقرر في ضوء الحقوق التاريخية والأوضاع القانونية، وكذلك موضوع اللاجئين في اطار التفاوض على أساس القرار 194 كما تقضي المبادرة العربية.
سادساً، ليس الأمر أمر مؤتمر دولي أو طاولة مفاوضات، وانما الاتفاق أولاً على حل عادل يراه المجتمع الدولي منصفاً للطرفين في اطار ما تقضي به مبادئ القانون الدولي، ومبادئ التسوية بدء بقرار مجلس الأمن رقم 242، وانتهاء بالمبادرة العربية، مروراً بالمعالم التي طرحها الرئيس كلينتون في 2000، وقرار محكمة العدل الدولية في 2004، وما تنادي به حركة السلام الإسرائيلية نفسها.
نعم، آن الأوان للحل، فإذا قادته الولايات المتحدة نحو نتيجة منصفة يرتضيها أطراف النزاع والمجتمع الدولي كله، تكون الولايات المتحدة قد حققت نصراً عظيماً.
السيدات والسادة،
لقد تحدثت طويلاً، مع ذلك – ولعامل الوقت - لم أتعرض لمشاكل ملحة، وعلى نفس الدرجة من الخطورة، مثل السياسة الإيرانية، والعلاقات العربية الإيرانية، واحتمالات الصدام السني الشيعي في المنطقة، والوضع النووي في الشرق الأوسط، أو عن الوضع الثقافي العربي الذي يجب أن يتحرك للقبول بالتعدد والتنوع في اطار العالم العربي بعربه وأمازيغه وأكراده، بمسلميه ومسيحييه، بل ويهوده،. ان التنوع قوة تضيف، وليس ضعفاً يعتور المجتمع العربي.
كل هذه أمور أرجو أن نتطرق إليها في مناسبة أخرى أرجو أن تكون قريبة.
وختاماً ، أعود إلى ما بدأت به ... ألا يحتاج الأمر حقاً إلى مكر نمكره، بل نحسن مكره، حتى لا يمكر بنا التاريخ، والمكر الحسن هو ما يقضي إلى تحقيق مصالح الناس، وهو القراءة الصحيحة للواقع، وهو الاعداد السليم للمستقبل ..... وكل ذلك وفق معايير توافق عليها البشر، مشرقاً مغرباً، فحققوا الأمن والرخاء والسلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.