أكد الدكتور عزمي بشارة المدير العامّ للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في افتتاح مؤتمر ينظمه المركز في الدوحة يومي 10 و11 نيسان / أبريل 2013 وعنوانه "عشر سنوات على احتلال العراق: التداعيات والتأثيرات"؛ أن العدوان الأنجلو-أميركي على العراق في العام 2003 حدثٌ مفصليّ غيَّر مجرى تاريخ المنطقة، وأثّر في فهمنا للسياسة العالمية ككل. واعتبر أنّ ما من حدث أعاق تطور الديمقراطية في المشرق العربي كما أعاقها احتلال العراق. ةأضاف أن الشعوب نفّرت من التغيير ومن الاحتراب الطائفي الذي يتبعه، ومن فساد النخب المتحالفة مع المستعمرين، إلى درجة جعلت فئات واسعة في المشرق تنفر من التغيير وتخشاه. وأشار بشارة إلى المقاربة التي يتخذها المؤتمر الذي يعقده المركز العربي في الذكرى العاشرة لاحتلال العراق، معتبرًا أن المثقف الأميركي والأوروبي قد يهتم بدراسة الخطاب السياسي والإعلامي الذي نشر الكذب لتعبئة الرّأي العام لدعم التدخل العسكري، بحججٍ هي عبارة عن افتراءات كاذبة، وهو الإعلام نفسه الذي أصبح بإمكانه أيضًا بعد أعوام أن ينشر كذب الكذب، أي أن يفنّد بنفسه الادعاءات التي سبق أن نشرها؛ ولكن المثقف والباحث العربي من حقه أن يطرح سؤالين مع بعض الحدّة. أولًا: هل كان الكذب يهم أحدًا لو لم يقاوم الشعب العراقي الاحتلال، ولو نجحت المخططات التي أوهم صناع القرار الناس أو أوهموا أنفسهم بأنها ستنجح؟ ثانيًا: هل الجريمة الحقيقيّة هي الكذب على الرّأي العام في أميركا وأوروبا، أم الجريمة هي تدمير بلدٍ والعبث بمكوناته الاجتماعيّة وبكيانه الوطني ونسيجه الاجتماعي وتنصيب قيّمين للحفاظ على الدمار، وفرض دستور يؤطر الخراب بشكلٍ يصعّب استعادة لحمة الوطن في المستقبل القريب؟ وطرح تساؤلًا ثالثًا، وهو: كيف لنا أن نطرح على الآخرين مسألة محاسبة المجرمين بحق بلدٍ عربيٍّ شقيق هو العراق، ولا نسأل أنفسنا كيف يصول ويجول هؤلاء المجرمون أنفسهم في بلداننا ويُستقبلون كما تُستقبل الشخصيات المرموقة، بل وتُدفع لهم مبالغ مقابل أن يلقوا محاضراتٍ أمام من يعتبرون أنفسهم نخبًا اقتصاديّة واجتماعيّة، مثل توني بلير وجورج بوش ودونالد رامسفيلد ودنيس روس وتشيني وغيرهم. وقال بشارة إنه من سخرية التاريخ أن يعدّ بعض مجرمي الحرب هؤلاء وسطاء سلام بيننا وبين من يحتل أرضنا في فلسطين، وأن يعيّن بلير مستشارًا لدى بعض الحكومات العربية، ومنها حكومة ليبيا السّابقة، وهو الذي اقترح على بوش أن تكون الحرب بعد أفغانستان على ليبيا وليس العراق. وبعودته إلى الحرب على العراق واحتلاله، قال الدكتور عزمي بشارة إن الولاياتالمتحدة حاولت أن تخرجَ من متلازمة فيتنام باحتلال العراق، وأن تحصد نتائج انهيار نظام القطبين ونشوء نظام القطب الواحد، وذلك بضربةٍ واحدةٍ تلتقي فيها مع الأجندات الإسرائيليّة وتجرّب فيها تكنولوجيّات عسكريّة جديدة بتقليل عدد الجنود المساهمين مباشرة في الحرب وبالقدرة على نقلهم بسرعة من مكان إلى آخر، وقدرة تدميريّة هائلة عن بعد تسمح بتقليل عدد ضحايا الدّولة المعتدية، وإن كان ذلك بثمن زيادة عدد ضحايا الشعب المعتدى عليه. لكن مقاومة الشعب العراقي بأساليب غير معروفة سابقًا تجاوزت الفجوة التكنولوجيّة بواسطة العمل الغزير بالتضحيات الذي يسميه البعض انتحاري والبعض الآخر استشهادي بحسب وجهة النظر، أدت إلى نشوء متلازمة العراق بدل متلازمة ڨيتنام. ولخص الدكتور عزمي تداعيات احتلال العراق بحسب وجهة نظره في ثلاث نقاط، أولًا إعادة اكتشاف وهو زيف فكرة التضامن العربي عند الأنظمة العربيّة التي كانت قائمة عندما بدأ التحضير للعدوان على العراق، وأنّ هذه الأنظمة تتآمر مع الولاياتالمتحدة مباشرة، وتتواطأ حتى مع إسرائيل إذا لزم الأمر، ضد دولةٍ عربيّةٍ شقيقة. ثانيًا، أنّ الشعوب العربيّة ترفض الاحتلال الأجنبي لبلداننا، ومهما اشتد الخلاف في المواقف السياسيّة فإنّ الشعوب تختلف عن الأنظمة في مسألة الحساسيّة تجاه الاحتلال الأجنبي وقضية فلسطين. ثالثًا، أنّ استهداف الهويّة العربيّة لشعوبنا في المشرق العربي يُقصَد به ضرب التماسك الاجتماعي لمجتمعاتنا ذات البنية الطائفيّة والإثنيّة المعقّدة، والقائمة في وعاء الثّقافة واللغة العربيّة. وأوضح بشأن هذه النقطة الثالثة أن الاعتراف بحقوق غير العرب في المنطقة لم يعد القضية التي تشغل من يريدون السوء بها، وإنما أصبحت المشكلة هي عدم الاعتراف بوجود عرب منذ أن قرّر المستشرقون أن يروا المنطقة من زاوية نظر إسرائيليّة واستعمارية تفضّل أن لا يكون العرب موجودين، وأن توجد في مقابل إسرائيل مجموعات من الطوائف والمذاهب والعشائر والإثنيات والجماعات غير المنظّمة. وأكد المدير العامّ للمركز العربيّ أنّ الهويّة العربية المشتركة من أهم دعائم المجتمع الديمقراطي لأنها تحافظ على التماسك الاجتماعي أثناء ممارسة التعدديّة السياسيّة. أما تحلل الدّولة منها، وتأكيدها على الانتماءات الطائفيّة كصلةٍ بين المواطن والدّولة، فإنها تذهب بالمجتمع نحو محاصصة طائفيّة هي نوع من التعايش الذي قد يتحول إلى احتراب وخصومةٍ في أي وقت. وقال: "لقد علّمتنا تجربة العراق الكثير عن هذا، ونأمل أن تستفيد الثورة السورية من الدرس". وختم كلمته بالقول: "إن أي نضال ضد تبعات العدوان على العراق هو نضالٌ يمرّ عبر الاعتراف بالمواطنة المشتركة المتساوية التي تتشكل منها الوطنية والتي يقوم عليها رفض الولاء المذهبي للقوى الخارجية، وبالهوية العربية لغالبية سكان العراق العرب والتي تجمع العراق مع محيطه العربي، وبمكافحة النظام الطائفي وقبول التعددية المذهبية والطائفية في مجتمعاتنا في الوقت ذاته".