احتفلت “إسرائيل" مطلع الأسبوع بعيد الفصح اليهودي و"عيد" إنتاج الغاز الطبيعي . فبعد سنوات من تجارب التنقيب الفاشلة في قعر البحر المتوسط، وصرف مليارات الدولارات، تمكّنت أخيراً شركة “نوبل انجري" الأمريكية وزميلتها الصغرى شركة “ديلك" “الإسرائيلية" من ضخ الغاز من حقل “تمار" على بُعد نحو 90 كيلومتراً شمال غربي حيفا إلى منصة تقع جنوب غربي أسدود، عبر خط تحت بحري بطول 150 كيلومتراً، لتتصل بمنصة “يام تاطيس" التي كانت تضخ الغاز المصري قبل وقفه بقرارٍ سيادي . يحتوي حقل “تمار"، بحسب مصادر “إسرائيلية"، على أكثر من 280 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي فيما تجاوزت تكاليف التنقيب عن الغاز واستخراجه ثلاثة مليارات دولار . ثمة حقل آخر، “لفتيان" (الحوت)، لم يبدأ الضخ منه بعد، يقع على مسافة 135 كيلومتراً شمال غربي حيفا ويحتوي على 453 مليار متر مكعب من الغاز، تقدّر قيمته بنحو 45 مليار دولار . صحيفة “معاريف" (2-4-2013) نقلت عن وزير المال السابق يوفال شتاينيتس قوله إن “إسرائيل" ستحصل من شركات التنقيب عن الغاز على مردود مالي تقدّر قيمته ب 450 مليار شيكل (112 مليار دولار) وذلك على مدار السنين ال 25 المقبلة . وإذ تكفي كميات الغاز في حقل “تمار" احتياجات “إسرائيل" من الطاقة للعقود الثلاثة القادمة، فإن مباشرة الضخ من حقل “لفيتان" سيجعلها دولة مصدّرة للغاز الى العالم كله، ولاسيما إلى أوروبا . هذا الإنجاز دفع رئيس شركة “ديلك" اسحق تشوفا إلى الادعاء بأن تصدير الغاز يجعل من “إسرائيل""لاعباً دولياً مهماً" . ولضمان الجدوى الاقتصادية التي تجنيها من الغاز الطبيعي، بدأت “إسرائيل" تهيئ الظروف، السياسية والاستراتيجية، لتوصيل غازها المصدر إلى أوروبا عبر قبرص وتركيا . فقد أبرمت مع قبرص اتفاقاً يتيح للدولة الصهيونية أن تكون شريكة في أعمال التنقيب عن الغاز والنفط مقابل السواحل القبرصية على أن تصبح قبرص لاحقاً مركزاً لتوزيع صادرات “إسرائيل" الغازية على دول أوروبا . وفي إطار سعي “إسرائيل" إلى توفير وسائط متعددة لتوزيع صادرات غازها على العالم، قام بنيامين نتنياهو أخيراً بالاعتذار من رجب طيب أردوغان لمصالحة تركيا . فقد أعدّت “إسرئيل" لبلاده دوراً في نقل صادراتها الغازية إلى أوروبا، كما تؤمّل أن يؤدي التعاون المستأنَف معها إلى إحياء اتفاقات قديمة تتعلق بمبيعات الأسلحة والطائرات والتدريبات العسكرية المشتركة . وبقدْر ما تبدو صناعة التنقيب عن الغاز وتصديره نعمة مالية هائلة هبطت على الكيان الصهيوني، بقدْر ما تشكّل أيضاً نقمة أمنية مقلقة . ذلك لأنها تلقي عليه أعباء عسكرية وبالتالي مالية ضخمة لاضطراره إلى مضاعفة قدراته العسكرية بغية حماية منشآته الغازية من جهة، ومن جهة أخرى لمواجهة محاولات لبنان التنقيب عن الغاز واستخراجه في حقول متداخلة مع تلك التي باشرت “إسرائيل" باستثمارها رغم علمها أنها جزء من المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية . الأعباء الإضافية بدأت في الداخل . فبالتزامن مع الاحتفال بضخ الغاز من حقل"تمار"، احتدم النقاش حول الميزانية العسكرية بين وزير المالية الجديد يائير لبيد من جهة ووزير الحرب موشيه يعالون وقيادة الجيش من جهة أخرى . لبيد يعتقد أن الأوضاع في المنطقة لا تتطلب الاعتمادات الإضافية التي يطالب بها الجيش"لضمان فعالية الاستعدادات العسكرية" في حماية منشآت الحقول الغازية في البحر المتوسط . قيادة الجيش تريد زيادة الميزانية العسكرية نحو 500 مليون دولار لتوفير حماية فعاله لحقول الغاز من “عمليات معادية" من طرف لبنان . يدّعي قادة الجيش أن ثمة تهديداً لمنشآت الغاز البحرية قد يتخذ شكل صواريخ موجهة وسفن مفخخة، وأن تكلفة حراسة منصات التنقيب والضخ وحمايتها فاقت المئتي مليون دولار . وكان سلاح البحرية نشر وحدة خاصة لمراقبة منصات الغاز وحمايتها مستخدماً قوارب غير مأهولة وطائرات من دون طيار ووسائل أخرى متطورة . الحقيقة أن “إسرائيل" غير معنية بحماية صناعتها الغازية فحسب، بل بمنع دول الجوار أيضاً، ولاسيما لبنان، من استثمار ثرواتها الغازية . السبب؟ لأن من شأن إنتاج لبنان منافستها في أسواق أوروبا . لذلك تسعى “إسرائيل" بوسائل شتى إلى تعطيل جهود لبنان لمسح ثروتها النفطية والغازية والتنقيب عنها للحؤول تالياً دون استخراج مخزونها وتصديره . إلى ذلك، تصرّ “إسرائيل" على السطو على ثروة لبنان الغازيّة من خلال مدّ مساحة حقلي “تمار" و"لفيتان" إلى المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية الأمر الذي حمل المقاومة على التهديد بأن أي محاولة لمنع لبنان من استثمار حقوله النفطية والغازية داخل مياهه الإقليمية ستؤدي إلى منع الجهة المعتدية من استثمار حقولها المماثلة . “إسرائيل" تدرك أن المقاومة قادرة على تنفيذ تهديدها . فقد صرح قائد الجبهة الداخلية الجنرال ايال ايزنبرغ قبل أسبوع أن المقاومة بحوزتها عشرة أضعاف عدد الصواريخ التي كانت تملكها في حرب 6002$ وأنها قادرة على إطلاق أكثر من ألف صاروخ يومياً على “إسرائيل" في أي حرب مقبلة . وقال أيضاً إن المقاومة ستركز هجومها على “غوش دان"، أي المنطقة الصناعية الكثيفة العمران والسكان الكائنة بين يافا وحيفا، بطول 90 كيلومتراً وعرض عشرة كيلومترات الأمر الذي يلحق بها أضراراً شديدة . وختم تصريحه قائلاً: “الطرفان سيخرجان من الحرب جريحين" . ثمة تحدٍ آخر يواجه “إسرائيل" إنه موقف روسيا من تحوّلها دولةً مصدرةً للغاز . ذلك أن روسيا حريصة على أن تستحوذ وحدها على أسواق أوروبا، وسوف تسعى بالتأكيد الى منع “إسرائيل" من منافستها وكسر احتكارها . وليس أدل على تصميم روسيا على “ردع" منافسيها على أسواق أوروبا من قيامها بشراء إنتاج تركمانستان من الغاز عندما أحسّت بأن هناك مشروعاً ضخماً لجرّ مخزونها من الغاز إلى أوروبا عبر خط يمرّ بأذربيجان وتركيا . قد تكون “إسرائيل" حققت “استقلالها" الطاقوي بإنتاج الغاز، لكنها ما زالت غير واثقة بقدرتها على حمايته أمنياً واقتصادياً من أعداء ومنافسين لها بالمرصاد . * نقلا عن "الخليج" الإماراتية