تنشر "بوابة الأهرام العربي" نص رسالة الشيخ الدكتور حارث الضاري الأمين العام لهيئة علماء المسلمين؛ إلى منظمة محاكم بروكسل، بمناسبة الذكرى العاشرة لاحتلال العراق، استعرض فيها ما وقع على العراق وشعبه من جور وظلم وسفك للدماء، وذلك بالتزامن مع حلول الذكرى العاشرة للاحتلال. وأكّد الشيخ في رسالته أن ما حلّ بالعراق من الظلم والمصائب والويلات؛ لم يحل بغيره من دول العالم في هذا القرن، على يد الاحتلال الأمريكي وحلفائه الذين قاموا بإلغاء دولته، فضلاً عن سفك دماء مئات الآلاف من أبنائه، وفتح أبوابه لكل قوى الشر الإقليمية والدولية، الطامعة فيه والحاقدة عليه. واستعرض الشيخ الضاري واقع العملية السياسية التي جعلها الاحتلال ومن معه قائمة على المحاصصة الطائفية والعرقية، كما أكّد أن من تولى زمام الحكم في العراق خلال السنوات العشر الماضية لا ينتمون إلى العراق أصلاً أو ولاءً، ولا تهمهم إلا مصالحهم. وفيما يأتي نص الرسالة كاملاً: إلى الأصدقاء في منظمة محاكم بروكسل المحترمين تحية طيبة، وبعد: فنظراً لحلول الذكرى العاشرة لاحتلال العراق من قبل أمريكا وحلفائها، وتقديراً لجهودكم الخيرة في خدمة القضايا الإنسانية، ومنها قضية العراق التي نالت قسطاً من اهتمامكم، نرسل إليكم الرسالة التالية راجين التعامل معها بما يخدم قضيتنا، وبقدر الإمكان. أيها الأصدقاء الأعزاء:- لقد حل بالعراق من الظلم والمصائب والويلات ما لم يحل بغيره من دول العالم في هذا القرن، الذي يُزْعم أنه قرن الحضارة والثقافة وحقوق الإنسان، وذلك على يد الاحتلال الأمريكي وحلفائه، فبعد أن أتمت أمريكا احتلالها للعراق عام 2003م، وبعد أن دمرته قامت بإلغاء دولته، وحلت قواه الأمنية والعسكرية، وقضت على الكثير من مراكز ثقافته، ومعالم حضارته، وسفكت دماء مئات الآلاف من أبنائه، وفتحت أبوابه لكل قوى الشر الإقليمية والدولية، الطامعة فيه والحاقدة عليه، وابتدعت صيغة جديدة للحكم فيه سمتها (العملية السياسية)، وهي عملية قائمة على المحاصصة الطائفية والعرقية، التي لم يعرف لها العراق مثيلاً من قبل، حيث وزعت فيها الحكم على فئات الشعب العراقي طائفياً وعرقياً، ووضعت لها دستوراً ممالئاً لبعض الفئات على حساب الفئات الأخرى، ووضعت فيه من الفقرات الملغمة التي ستؤدي في النهاية لتقسيم العراق، والقضاء على لحمة أبنائه وهي ألغام اعترف بها كل من اطلع على هذا الدستور وقرأه بإمعان، بل اعترف بها بعض المتحمسين له في البداية، والمشاركين في إقراره من أصحاب العملية السياسية، ومنهم رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي. وسلمت الحكم فيه إلى عدد من المعروفين لديها قبل الاحتلال، ممن لا ينتمي أغلبهم للعراق أصلاً، أو ولاءً، ولا تهمهم إلا مصالحهم، ومصالح أسيادهم، وأحزابهم، ومن خلال لعبة الانتخابات الزائفة التي أدارتها سلطات الاحتلال بنفسها، وأسهمت فيها بالأموال، والضغوط، والوعود الكاذبة بالتغيير والإصلاح، ووصفتها بصفة الديمقراطية المدعاة، مع أنها عملت على وأدها فيما بعد، حيث جعلت فيها المغلوب غالباً، وحاكماً مستبداً، ومرضياً لديها، ولدى حلفائها الإيرانيين، وأصبح العراق بذلك رهينة لهما، فهما المهيمنان عليه اليوم، وهما المتحكمان فيه، وفي مقدراته وقراره السياسي. أيها الأصدقاء الكرام:- وكانت نتيجة، ما فعلته أمريكا وإيران وحلفائهما في العراق، على مدى السنين العشر الماضية: أن دُمر العراق، وصودرت إرادته وقراره السياسي، وحيل بينه وبين أن يكون عامل استقرار في المنطقة، وضماناً للتوازن الضروري فيها، كما تسببت هذه الجريمة التأريخية الخطيرة في قتل ما يزيد على نصف مليون إنسان عراقي، واعتقال سجن ما يزيد عن سبعمائة ألف من أبنائه وبناته ممن يرزحون في السجون ويواجهون أبشع أنواع التعذيب، والأذى النفسي والجسدي، الذي أدى بالكثير منهم إلى الموت بالتعذيب، أو بالإعدام المعلن وغير المعلن، ومنهم ما يزيد على الخمسة آلاف امرأة وفتاة أنجب كثير منهن بسجون الحكومة الحالية السرية والعلنية، التي تزيد على أربعمائة سجن، عدا سجون ومعتقلات الأمن ووحدات الجيش والمليشيات فضلاً عن ملايين المرضى والمعاقين بسبب الحرب وما استخدم فيها من أسلحة دمار محرمة دولياً، ومنها ما ذكرته صحيفة الغارديان من أن الإحصاءات تقدر أن (400) طن من ذخيرة اليورانيوم المنضب ألقتها القوات الأمريكية والبريطانية في العراق بدءاً من العام 1991م، وحتى العام 2003، والكمية العظمى منها أُلقيت من القوات الأمريكية وغيرها من الأسلحة المحرمة الأخرى. هذا إلى جانب التهجير المستمر والخوف والرعب الذي يعيشه العراقيون من ارهاب الحكومة الحالية وأجهزتها الأمنية وميليشياتها الطائفية، وإرهاب الدول المتدخلة في شؤون العراق كأمريكا وإيران وغيرهما، وأجهزة مخابراتها وشركاتها الأمنية وعملائها في العراق، وما رافق ذلك من فساد مالي وإداري استنزف مئات مليارات الدولارات من أموال العراق وشعبه التي تذهب إلى البنوك الأمريكية والإيرانية وغيرها من البنوك في العالم، وإلى جيوب المسؤولين والسماسرة والشركات والشخصيات، وإلى العقود الفاشلة والوهمية والبضائع الفاسدة والكاسدة، ولا نبالغ حين نقول إن الشعب العراقي يعيش اليوم في أدنى مستويات العيش الإنساني. وختاماً نتمنى لكم السعادة والتوفيق في جهودكم لخدمة الإنسانية المعذبة، وتخفيف آلامها. وشكراً حارث سليمان الضاري الأمين العام لهيئة علماء المسلمين في العراق