عماد أنور-هيثم حسن - عندما يعيش أكثر من خُمس الشعب المصرى فى فقر مدقع، وعندما يدفع هذا بالعديد من الأطفال إلى ترك منازلهم فى ظل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، فإن الحياة فى الشارع تصبح هى الملاذ الوحيد، لكنها فى نفس الوقت معقل الأضرار الذى لا علاج له خصوصا الفتيات الصغيرات فى ظل المجتمع الإسلامى المتحفظ اجتماعيا. فالانتهاكات الجنسية كما تؤكد كل البحوث والدراسات الاجتماعية هى ألف باء هذه الظاهرة. ليس فقط لبنات الشوارع بل للصبيان أيضاً". فحياة هؤلاء تمت استباحتها وباتت هناك مناطق كاملة تعيش خارج نطاق الحياة والسبب يبدأ بمشكلة اجتماعية سواء طلاق الوالدين أو سوء معاملة أحدهما أو غواية شاب أو صديقة أو إهمال الأسرة لأبنائها أو عرضهم لمن يدفع أكثر، والنتيجة سلوك عدوانى على الجميع بسبب فقدان الحنان خصوصاً مع الفتيات مما يجعلها تستمر فى طريق الخطأ. فالاغتصاب من أوائل التجارب التى تمر بها الفتاة عندما تخرج للشارع، وهنا يجب دق ناقوس الخطر فمع هذا الاغتصاب هناك طفل شارع جديد ملفوظ من المجتمع وملفوظ من الدولة، إذ يستحيل استخراج شهادة ميلاد له نظرا لأن الأب مجهول أو ينكر البنوة وملفوظ قبل كل ذلك من والدته نفسها التى ترى فيه ثمرة شقائها وعذابها وخطيئتها. هذا إذا اكتمل الحمل أساسا فغالبا حمل بنات الشوارع لا يكتمل إما عن عمد أو بسبب صعوبة حياة الشوارع فهن يتعاطين الكلة... وبعض أنواع الأدوية العادية التى قد تؤدى جرعات زائدة منها إلى حالات هلوسة ورغم إمكانية حصول هؤلاء للفتيات الحوامل على مساعدة أثناء الولادة إذا ذهبن إلى دار ايواء فإن ظروفهن تكون فى غاية الصعوبة وغالبا لا يعرفن طريقا لهذه الدور. وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية لعدد أطفال الشوارع فى مصر، فإن التقديرات تشير إلى وجود ما بين مليون ومليون ونصف مليون طفل مشرد، ربعهم دون سن الثالثة عشرة. وبالطبع الحكومة ليست غافلة عن وجود المشكلة، وتحديدا الجرائم التى تتعرض لها فتيات الشوارع، ففى مسح أجرته المراكز البحثية وتم نشره على أوسع نطاق أظهر أن نصف بنات الشوارع فى مصر يمارسن الجنس، وأن نسبة 45 بالمائة منهن يتعرضن للاغتصاب، ورغم ذلك فإن العالمين ببواطن الأمور فى هذا الملف تحديدا يؤكدون أن الأعداد أكثر من ذلك بكثير. أساتذة الطب النفسى مثل الدكتور يسرى عبد المحسن والدكتور فكرى عبد العزيز اتفقوا على أن جميع بنات الشوارع يشتركن فى شىء واحد ألا وهو الاضطراب النفسى الشديد، وهذا ما يجعلهن لا يستطعن التمييز بين الصح والخطأ، أو اختيار حياة أفضل لأنفسهن، خاصة أن التأهيل من جديد لمواجهة المجتمع ومحو ترسبات حياة الشارع عملية طويلة المدى فالحرمان العاطفى والمادى واهمال العامل التربوى المؤثث لشخصياتهم نتيجة الأسر المفككة التى انحدروا منها تجعلهم يلجأون جميعا سواء كانوا ذكورا أم إناثا إلى الأعمال الإجرامية والتخريب والاعتداء والعنف وذلك رغبة منهم فى الانتقام من المجتمع الذى سبب لهم كل ذلك. إسقاطات نفسية تشير الدراسات النفسية أيضا إلى أن فئة أطفال الشوارع هم فئة فاقدة للأهلية والإحساس والإدراك بدرجة تصل إلى الإسقاطات النفسية لأنها مضطربة وجدانيا ويصاحب سلوكها دائما عنف متعمد وتلذذ بإيذاء الآخرين، فالطفل سواء كان ذكرا أم أنثى يشعر بأنه مسير وليس مخيرا، لذلك يسهل استغلاله فى العمال السيئة والكارثة التى تنتظر المجتمع من وراء هذه الفئة هو أن هولاء الأطفال سيتحولون فى المستقبل إلى شخصيات سيكوباتية تحمل عدوانية تجاه المجتمع، فتتعمد إيذاء الآخرين لترى فى عيونهم الألم الذى شعرت به فى طفولتها ومازالت تشعر به إلى اليوم. ومن هنا فإنه إذا تركت هذه الفئة بدون وعى أو تدخل المنظمات المعنية بشئونهم وتكاتف أجهزة الدولة لحل مشاكلهم فسيصبحون قنبلة جاهزة للانفجار فى أية لحظة ذلك أنهم يهددون أمن المجتمع واستقراره، وإذا لم يتم تقويمهم فسيصبح المجتمع كله ضحيتهم، فالطفولة إذا لم تشعر بالأمان أفرزت أعتى المجرمين. الثالوث السبب!! أما أساتذة علم الاجتماع فيرون أن الأسباب الرئيسية لوجود أطفال الشوارع هو الثالوث الشهير الذى هو عصب الضياع ...الفقر والتفكك الأسرى والجهل وإن كان المسئولون عن دور رعاية المشردين يؤكدون أن وجود الأطفال فى الشوارع مشكلة الأهل، فلو وجد الطفل الحنان والأمان داخل الأسرة لما اتجه إلى الشارع وكان هذا مصيره، تتساوى فى هذا الأسر الفقيرة والغنية. ففرار الأطفال إلى الشوارع يرجع بالدرجة الأولى إلى جهل الأهل بالتربية، وانشغال الأسرة عن أولادها بتحصيل الرزق، مما يؤدى إلى الهروب وانسياق الأطفال إلى حياة الشللية الموجودة فى الشارع الأمر الذى يحدث معه ظهور التحرش والمثلية والاغتصاب والممارسات الخاطئة بين الأطفال، فهم يعيشون بلا أسرة ولا محاسبة يعيشون فى مجتمع بلا قانون غير القانون الذى يضعونه، ولا يبقى خيار أمام البنت المغتصبة أو المتزوجة بقانون الشارع الخاص، إلا أن ترمى الطفل فى الشارع، ولو احتفظت به فهى تعلم جيداً أنها لن تكون سهلة الحركة مثل زميلاتها وبالتالى سيصعب عليها جلب المال . الكارثة الحقيقية أن هذا الجيل الذى نراه هو الجيل الرابع لأطفال الشوارع، إذن فهم ليسوا أطفالا فقط بل عواجيز ورجال ونساء أيضاً. لذلك لابد من تأهيل هؤلاء الأطفال اجتماعياً ونفسياً بطريقة صحيحة ليعودوا أعضاء منتجين فى المجتمع ولا خوف منهم خاصة الفتيات أو كما نطلق عليهم معمل تفريخ أطفال الشوارع الجدد لأن الفترة التى أمضتها الفتاة فى الشارع هى المتحكم الأول فى مدى تقبلها للإصلاح والتنشئة السوية، فإذا تم إيداع الفتاة فى إحدى دور رعاية أبناء الشوارع فى مرحلة الطفولة المبكرة تكون الفرصة أكبر فى إعادة تأهيلها كى تكون إنسانة سوية نفسيًا واجتماعيًا وتربويًا. أما إذا بقيت الفتاة فى الشارع حتى بلوغها مرحلة المراهقة والرشد، فمن الصعب جدًا على الإخصائى النفسى أو الاجتماعى تعديل أسلوبها فى التفكير. عالم.. أبحاث رغم أن جميع المواثيق والمعاهدات الدولية، وكذلك الدستور المصرى يؤكد كيفية التعامل مع الظاهرة إلا أن جهود مصر فى مواجهتها لاتزال ضعيفة.فالمشكلة الحقيقية تكمن فى عدم وجود آليات فاعلة تضم كل القوى الاجتماعية بدلا من الجهود الحالية التى تتسم بالعشوائية والارتجالية الشديدة.. وهذه المشكلة سوف تتفاقم خصوصا فى ضوء تنامى وزيادة ظاهرة الاتجار فى الأعضاء البشرية. وإذا كنا نطرح مشكلة فإننا نحاول أن نجد لها حلولا ولو مبدئية لذا فإن علاج ظاهرة أطفال الشوارع يعتمد فى المقام الأول على القضاء على عنصر الخوف الموجود لديهم سواء من الشرطة أو المستشفيات أو أية جهات رسمية يتعاملون معها.. فهم يخشون الإبلاغ عن أى شيء يتعلق بهم أو بسلوكياتهم، ومن هنا فإن المطلب الأساسى هو الحماية المجتمعية البعيدة عن “الترهيب" وهى نقطة الانطلاق الأولى للتعامل مع طفل الشارع، وكذلك توفير المساعدة الكاملة لإثبات هويتهم وإثبات هوية أبنائهم باتخاذ خطوات إجرائية سريعة بمشاركة المجتمع المدنى سواء الأهلى أو القطاع الخاص أو رجال الأعمال بهدف فتح مراكز استقبال نهارية من خلالها تتم عملية الرعاية والحماية.