«المعارضة» كانت وستظل جزءا أصيلا من أركان أى نظام ومكونات البلد الأساسية، ولا يمكن بأى حال الاستغناء عنها لمصلحة الراعى والرعية، ودعا الإسلام إلى المعارضة، وأوجبها على المُستطيع، ونهى عن السكوت والخنوع، فقد لعن الله بنى إسرائيل فى القرآن لأنهم «كانوا لا يتناهَون عن منكر فعلوه»، ودعا نبيه محمد “صلى الله عليه وسلم " أتباعه إلى تغيير مَجرى الحياة بردها إلى الخير ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا “من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان". بل جعلَ النبى المُعارضَ النزيه الشريف مثالًا يُحتذى به، فقال صلى الله عليه وسلم: “سيد الشهداء حمزة ورجل قام عند إمام ظالم فأمره ونهاه فقتله"، وجاء خليفته أبو بكر الصديق ليؤكد ذلك فى أول بيان له بعد توليه إمارة المسلمين:"إنى قد وُليت عليكم ولسْتُ بخيركم، فإن أحسنتُ فأعينونى وإن أسأت فقوِّمونى". لذا لابد من الكف عن إشارات “التخوين “ التى تأتى ممن يعتقدون أن كل من يختلف مع سياسة الدولة، أو يتقدم بخطة بديلة، أو ينتقد قرارا، أو له مطالب عامة، بالضرورة لا بد أن يكون متمردا خائنا، ويريد هدم البلد! كما يجب التسليم بأن الخلاف أو الاختلاف بين النظام ومعارضيه لا يؤشر على وجود خلل، وليس شكلاً لانعدام الولاء والانتماء، خصوصا ونحن نعيش الآن عصر فوضى النخب السياسية الذى أصبح أشد مما سبق، وخلافاتهم أسخف مما كانت عليه فى أى زمن مضى، بعد أن تحولت علاقاتهم مع بعضهم ومع النظام إلى مجموعة “مكائد محكمة، مفعمة بروح الغدر والإقصاء والطعن فى الظهر". وإذا كنا ضد تخوين المعارضة وتجريمها، فإن على المعارضين عدم تحويل الاختلاف إلى سبب للهدم، وجعله خلافا على العناوين الأكبر التى نتفق عليها، بحيث يسلم البلد، وتسلم وحدته الداخلية، ويبقى مستقرا، بعيدا عن سيناريوهات الفوضى والدم. كما أن التصلب وعدم التحاور وتغيير الرأى الخطأ، ورفع شعارات تتعدى المواقف المقبولة، والاستقواء بالخارج والتحريض على حرق مقار رسمية، والنظرة إلى أن التيار الحاكم “ شعب درجة تانية “ تمثل ثغرات توظف الاختلاف كأداة لشق الداخل . أيضا على المعارضة النظر لجماعة الإخوان وحزبها بنظرة واقعية بعيدا عن دفن الرءوس فى الرمال والاعتماد على مقولة" السكر والزيت"، والاعتراف بأن الجماعة تملك تنظيما بشريا ، مرتبا وصاحب عقيدة، وتملك تكتيكات وخبرات لا يمكن إلا أن نتعلم منها، ونحترم قدراتها حتى نستطيع منازلتها فى ميدان الديمقراطية خصوصاً، ونحن مقبلون على انتخابات برلمانية حاسمة يجب أن توجد المعارضة فيها بعد أن أعطاها الشعب “الكارت الأحمر" فى الاستفتاء الأخير على الدستور! إن علينا جميعا كعرب أن نعلم أن الحلول مرتبطة بالزمن، فما كان يُجدى بالأمس تجاوزه اليوم، وما يُجدى اليوم قد يتجاوزه الغد، وأن سقوط نظام وميلاد آخر يعنى بالضرورة ميلاد “توأم المعارضة"، وأن هذه المعارضة تعتمد فى نوعها وسلْمِيتها ومدى حدّتها على مدى إنصاف وعدالة النظام الجديد، الذى كلما كان قادرا على تجاوز آلام الماضى وجراحاته، كانت هذه المعارضة “هامشية"، وهو درس يجب أن يتعلمه النظام ويعمل فورا على “مصالحة وطنية شاملة" تجمع بين جبر الضرر وعدم إفلات المجرم من العقاب. وإننى على يقين أنه لا يوجد مؤيّدون للنظام السابق، وإن وجدوا فهم قلة نادرة، ولكن يوجد “متورطون ومستفيدون وغافلون “، فأما المتورطون: فهم الذين ورطهم النظام، فى دمٍ أو فسادٍ، وهؤلاء علينا الإسراع بوضع الأسس القضائية اللازمة لمحاسبتهم ضمن آليات العدالة وآفاق المصالحة حتى يطمئنوا إلى عدالة الدولة الجديدة . وأما المستفيدون: فهم من استفادوا من الفساد المنتشر بحكم علاقاتهم بأتباع النظام السابق، وهؤلاء يجب تعريفهم بأن استفادتهم، “مجرّمة ومحرّمة،" ولابد من إعادة ما حصلوا عليه بطرق غير مشروعة. وأما الغافلون: فهم من غفلوا عن جرائم النظام السابق وأفراد أسرته ونظام حكمه، وإجراء المحاكمات العادلة، كفيل لتعريفهم بالجرائم والمآسى التى تعرض لها الشعب خلال الثلاثة عقود الماضية، هذه الحقائق ستُعرّى النظام السابق وتُبدى سوأته ظاهرة للناس أجمعين. .. وأخيرا حان الوقت لاسترضاء جميع الأطراف، ووقف تناحر اللاعبين السياسيين، وعقد مصالحات مع تيارات وفصائل الإسلاميين والليبراليين والمعارضة والكنيسة والقضاء، والالتفاف على وحدة الشعب واستقراره والاستقواء ب"الوطنية المصرية “، وليس ب"التبعية الأجنبية. يرى كثير من الباحثين أن “المنافقين والمبرراتية والمؤيدين “هم الذين يصنعون المُستبد، ولكن أثبتتْ التجربة المصرية الحديثة بعد ثورة 25 يناير، أن هناك صنفًا آخر يصنع المستبد بل يضطره إلى ذلك، يتمثلُ فى النيات الخبيثة لبعض المعارضين والصحفيين والإعلاميين الذين يريدون أن تحرق الأرض تحت الآخر المخالف دون مُراعاة لمصالح الوطن.