ها هو جدنا الأكبر، أبو البشر آدم عليه السلام راقدٌ جسدُه فى الجنة, وقد تجمع حولَه الملائكةُ يتعجبون من هذا المخلوق من طين، وقد ظل بلا روح من الأعوام أربعين. وحين خلقه الله، لم يقل له كن فكان كبقية الخلق، لكن خلقَه بيده ليُكَرِّمه ويُحصِّنه من إبليس فقبض تراباً من جميع الأرض، فجئنا نحن بنى آدم على أشكال وألوانٍ اختلفت كما تختلف الأرض فى أشكالها وألوانها، فجاء منا الأبيض، والأحمر، والأسود، وكذلك جاء منا الخبيث و الطيب. وكان الملائكة يفزعون من رؤيته، أما إبليس فكان يسخر منه فكان يضربه ويتساءل لما خُلق وتأكله الغيرة والحقد واعتاد أن يدخل من جوفه ويخرج ويقول للملائكة:"لا ترهبوا من هذا، فإن ربكم صمد وهذا أجوف، لئن سُلطت عليه لأهلكته". فلما أزفت الساعة التى أراد الله عز وجل أن ينفخ فى جسد آدم من روحه، قال للملائكة: إذا نفخت فيه من روحى فاسجدوا له، فلما نفخ فيه من الروح ودخلت الروح فى رأسه عطس، فقالت الملائكة: قل الحمد لله. فقال: الحمد لله. فقال له الله: رحمك ربك. فلما دخلت الروح فى عينيه نظر إلى ثمار الجنة، فلما دخلت الروح فى جوفه اشتهى الطعام، فوثب قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه متعجلاً إلى ثمارها. ولا عجب أن يأمر الله تعالى ملائكته أن يسجدوا لآدم، حيث السجود لا يكون إلا للإله الخالق، فقد استحق آدم هذه السجدة الواحدة لأن روحَه من رَوحِ الله. {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّى خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74)} «سورة ص». وهكذا فإن ذرية آدم من بعده فيهم من روح الله. كُلٌ منا فيه من روح الله ولهذا كرم الله الإنسان وجعله على رأس كل ما خلق. والإنسان حمل الأمانة - وهى حق الشرك والإيمان - وأبت أن تحملها السماوات والأرض فكان حسابه بمقدار الذرة إن خيراً يرى وإن شراً يرى، فهذا حقٌ على من يحيا وفيه من روح الخالق. {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} «الأحزاب : 72». وها هو رب العزة - جلّ فى عُلاه - يأمر آدم عليه السلام أن يذهب الى الملائكة ويسلم عليهم، فأجابوه "وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. فقال: يا آدم هذه تحيتك وتحية ذريتك من بعدك. فقال: يا رب وما ذريتي؟ فمسح الخالق سبحانه وتعالى على ظهر آدم وبسط كفه، فأظهر له ذريته التى من بعده إلى يوم الدين ، أى أظهر له كل من سيُخلَق بعده من ظهره، فقد كنت أنت وكنت أنا منهم. ثم أشهدنا الله على أنفسنا وأشهد علينا أبينا آدم والسماوات والأرض أنه الله الواحد الأحد الذى خلقنا كما خلق كل شيء، فلا نقول يوم القيامة إنّا لم نعلم بهذا، وألّا نشرك به شيئًا، وإنه - جل فى علاه- مُرسلٌ إلينا رسلًا، ينذروننا عهده، وميثاقه، وأنه مُنزُلٌ علينا كتابه. فقلنا، نشهد أنك ربنا، وإلهنا، لا رب لنا غيرك، ولا إله لنا غيرك، إقراراً له بالعبودية وبالطاعة. {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَن هذا غَافِلِينَ} «الأعراف :172» وكان من بين ذرية آدم أصحابُ وجوهٍ مُضيئة، فسأل ربه عنهم فأجابه الخالق -جلّ فى علاه- أنهم الأنبياء من بعده. وكان آدم أشدَّ إعجاباً بأحدهم فسأل ربه عنه فأخبره أنه نبى الله دَاوُد. قال آدم: كم أعطيته من العمر يا رب؟ أجابه الله تعالى: أعطيته من العمر ستين سنة. فطلب آدم من ربه أن يتمها له مائة ويستكملها من عمره هو. فأجابه ما طلب وأشهد عليه ملائكته. ولما جاءت ساعة موت آدم سأل ملك الموت؟ أو لم يتبق لى أربعون سنة، فقال : أو لم تعطها لابنك دَاوُد. فجحد آدم وجحدت ذريته من بعده. وهكذا نرى أن الله قد خلق الأرض والسماوات وكل المخلوقات وآدم وذريته من بعده وسمى أسماءهم فى نسق إلهى محكم وفى منظومة إلهية سابقة التجهيز كل ما فيها فى علم الله منذ أن كنا فى ظهر آدم وقبلها، وكل ما فيها معلوم عند الله - عالم الغيب والشهادة - ومجهول للعبد وهو له قدرٌ فى غيب لا يتغير إلا بأمر الله إن أراد و قد يكون قبولاً منه لدعاء مؤمن. هذه القدرة الإلهية فى الخلق والتكوين المُسبق لهذا الكون بما فيه، لهى مدعاةٌ إلى الانبهار بهذا الخالق - جلّ فى علاه - وهى مدعاةٌ لأن نفتخر بعبوديتنا له سبحانه وتعالى. وتذكروا أننا جميعاً كنا هناك قبل أن نكون هنا.