يتناول أئمةُ الإسلامِ عِدةَ أمورٍ يَدعُون الناسَ إليها وتُوصف بأنها "فرائض على المؤمن". وهذه تنقسم إلى نوعين؛ "فرائضُ عين" والتى يتوجب على المؤمن أداءها دون غيره كالصلاة والصيام، و"فرائضُ كفاية" والتى إن أداها البعضُ عن الكُل تسقط عنهم كغُسل الميت مثلاً. ومن أهم الفرائض على المسلم نجد فِقه العقيدة وفِقه الواجبات. فى الأولى يجب على المسلم أن يتعلم أُسس عقيدته المبنية على التوحيد، وفى الثانية يجب عليه أن يتعلم "المناسك"، أو ما كان يسميه الشيخ الشعراوى "مُتطلبات الإيمان"، من صلاةٍ وزكاةٍ وصومٍ وحج. وعليهِ نتعلمُ من هذا كلهِ، أن الإيمان وَحدَه لا يكفى فكلنا على الأغلب مؤمنون بوجود الخالق الواحد الأحد، ولكننا مُكلّفون بأن نقرأ ونتعلم ونُبحر فى فلسفة العقيدة الدينية ليترسّخ الإيمان فى قلوبنا، ويكون مبنياً على أساس سليم، كما يجب أن نتعلم كيف نمارس شعائر الدين بطريقة سليمة بعيدة عن التشويه والانحراف الفكري. وفى زماننا هذا، نُدرك جميعاً ما يمر به كثيرٌ من شبابِ هذه الأمة من تَرهُّل فِكرى وخَواء فى الحِس الوطنى، فقد كانوا ضحية حُقبةٍ من الزمن غاب فيها الاهتمام بتربية المشاعر الوطنية وقوة الانتماء للوطن. فكم منا انخرط فى حوارٍ مع بعض الشباب، ليُدرك كم هم مبهورون بالغرب انبهاراً أعمى، وليُدرك ذلك الانفصال المُتأصِّل فى نفوسهم بين واقعهم وبين تاريخ وطنهم الذى أبهر وما زال يُبهر العالم، وهم عن هذا كلهِ غافلون. ولهذا الأمر سلبياتٌ عديدة، أهمها تَكالُب الشباب على الهجرة تاركين الوطن وراءهم، وواضعين قدراتهم وكفاءاتهم فى خدمةِ أوطانٍ غريبة، ناهيك عن وقوع البعض فى براثن الإرهاب لغياب الوعى وموت حب الوطن والانتماء فى نفوسهم. ومن هذا الفكر المنير والهَدى الإيمانى الذى تطرقنا إليه فى بداية المقال، يمكننا أن نقتبس الكثير فى شأن الوطن، فكما أن الإسلام وحده لا يكفى، بل يجب أن يقترن بالإيمان الصادق، وبالعلم الدينى السليم والوسطى والبعيد عن التطرّف، فكذلك أيضاً هو حب الوطن والذى يجب أن يكون حقيقياً صادقاً وأن يقترن بقوة الانتماء، وأن يُبنى على رصيد من الثقافة التاريخية، وإدراك لمعانى ومقومات الحضارة المصرية القديمة والحديثة، وكذلك على كثير من الوعى السياسى لحقيقة ما يجرى حولنا، من مؤامرات تستهدف النَيلَ من مِصرِنا وقُدرة هذا الشعب على النجاح والتطوير. لهذا كله يجب أن تُكَرِّس أجهزةُ الدولة كل الطاقات من أجل استعادة الحِس الوطنى فى نفوس الأجيال القادمة من الشباب، وتقوية روح الانتماء لمصر الحضارة والرقى والفن والأدب والعلم والدين. وهذا لن يتأتى بالتمنى دون بذل المجهود ووضع النظم التى تكفل تدريس ما كان يسمى (التربية الوطنية) ولكن على أسس سيكولوجية وتاريخية وتربوية، مما يجعل من هذا الأمر ممكناً، على أن يتم هذا على مراحل التعليم المختلفة بشكل تدريجى، فيأخذ الطالب من سنوات عمره الأولى، ليزرع فى داخلِه حب هذا الوطن، ويعزز إلمامَه بتاريخ بلده وسمو حضارته لينتهى به - بعد أن يتم دراسته - مواطناً حقيقياً أصيلاً معتزاً بذاته وعلى دراية بتاريخ بلده العظيم، مما يجعله رافعاً رأسه بين أقرانه فى دول العالم ومُسخِّراً كل جهده لخدمة وطنه ورفع شأنه. أما على مستوى المواطنين الذين تعدوا سن الدراسة، فالإعلام له الدور الكبير فيما ذكرنا، وعلى القائمين عليه فى القطاعين الحكومى والخاص مسئولية كبيرة فى هذا الشأن. فبدلاً من بث روح الإحباط لدى المواطن والتركيز على السلبيات وتضخيمها والتهرب من إظهار الإيجابيات، يجب عليهم أن يعملوا جاهدين لرفع معنويات المواطن وتعزيز انتمائه لوطنه، وافتخاره بحضارته وبث الأمل لمستقبل أفضل ولنهضة حضارية هى قريبة بلا شك. إن تربية العقول، لهى من المهام الجسام التى يجب أن تضطلع بها كل أجهزة الدولة، متعاونة مع المؤسسات غير الحكومية، لينصهروا فى بوتقة واحدة من أجل تحقيق هذا الهدف. وكما نتعلم فقه العقيدة وفقه الفرائض، دعونا نتعلم أيضاً "فقه الوطنية". تحيا مصر تحيا مصر تحيا مصر