قد تبدو بعض المؤسسات أو الشركات او الهيئات فى المجتمع ذاتَ بريقٍ جذاب لضخامتها وغناها وتكالب الناس عليها. وقد نرى أصحابها بادين للعيان كأَهْلِ علمٍ ودينٍ وأدب. وعليه يصنع الناس الأساطير عنهم وعن مؤسساتهم. وقد ينجذب البعض لينضم إليها طمعاً فى أن تستقيم أمور حياته، فى ظل تلك المثالية كما تبدو من ظاهرها. وما هى إلا شهور أو سنوات تطول وتقصر، حتى يلعب الزمن لعبته المعهودة ليخلع القشور الزائفة ويزيل الغَمامة عن البصر، فيجد الواحد منا أنها هياكل هشة من الأوضاع المتردية والمنظومات البذيئة والفساد بكل أشكاله. ونكتشف أن أصحابها، بصورتهم الزاهية من رُقى وأدب وتَمَسُّح بالدِّين، ما هم إلا جهلاء ضاربون فى أعماق الإثم والضلال، تنطق ألسنتهم بما لا تفقه وتدق قلوبهم بما لا تؤمن.
ومَثَل تلك المؤسسات والأشخاص الزائفة كمَثلِ المؤسسات الحاكمة لبعض الدول، مثل تلك الحاكمة لتركيا والتى تُوصم بتاريخها الاستعمارى البغيض، والذى تميز بالعنف والغباء وسلب ثروات الشعوب ونقلها أكواماً إلى خزائنهم، مما دفع بكل الشعوب التى احتلوها لأن تلفظهم تباعاً، ولم يشفع لهم أنهم ومن احتلوهم كانوا على نفس الدين، إلى أن تقلصت إمبراطوريتهم الهشة إلى دولتهم القابعةً بين آسيا، حيث نشأ أجدادهم من عرقها المغولى وأوروبا التى يتمسحون بها، ولا يقبلونها بينهم إلا لغرض.
إذا ما تغاضينا عن تلك التفاصيل التاريخية المشينة، فلا يمكن أن نتغاضى عن هذا الكم الهائل من التناقضات الأردوغانية - نسبةً إلى حاكمهم الحالى أردوغان- فبينما يتشدق بأنه أمير المؤمنين وسلطان السلاطين وحامى حمى المسلمين، ويلف أجسادَ حراسه بالعباءات، ويضع فوق رؤوسهم خوذاتٍ من صفيح، ليمشى بينهم مزهواً كالطاووس، نجده يحتضن بيوت الدعارة ويقنن وجودها، فهى تُدِر عليه من الحرام 3-4 مليارات دولار سنوياً، ويعمل بها ما يزيد على المائة ألف مواطن. بينما هو يبكى صحفياً قُتِلَ على أرضه، نجد أن أسوأ أشكال حرية الصحافة هى فى تركيا.
بينما يتشدق بمحاربته الإرهاب، نجده مقتحماً بجيشه حرمة أراضى العراق وسوريا، ليفرض سطوته ويحرق الأخضر واليابس، ويسرق النفط السورى، وينفق الملايين على منظمات الإرهاب الأسود فى ليبيا، ودافعاً بسفن مكتظة بالأسلحة عبر المتوسط، لتصل إلى مجموعات الإرهاب، ومنها إلى مصر لتنفذ عملياتها الدنيئة. هذا، ناهيك عن المئات من قادة الإرهاب الفارين من كل دول العالم، الذين يأويهم على أرضه يأكلون ويشربون، ويلهون ويبثوا سمومهم للعالم على فضائياته الحقيرة. إن النهج الأردوغانى، ما هو إلا التوالى الطبيعى لتلك الدولة الاستعمارية القميئة، طمعاً فى نهب الثروات وليس لنشر الإسلام كما يدعون. وكما غزتها كما تركتها دون أى أثر ثقافى يذكر، كما فعلت الحملة الفرنسية مثلاً.
ومما لا شك فيه أن مقومات التطور والحضارة والخير موجودة على الأرض التركية، فقد أنعم الله عليهم بنعمة الإسلام، فعليهم أن يفقهوه حقاً، وألّا يتركوه للتشويه والاستغلال وأن يطبقوه على أرضهم أولاً. وكما أنعم الله عليهم بالموارد والصناعات والموقع الجغرافى. فلماذا لا يُولى الأردوغان اهتمامه لرخاء شعبه، ويعطى الشأن الداخلى حقه ويتوقف عن التدخل فى شئون الدول. أليس الشعب التركى أولى بتلك الملايين التى ينفقها على الإرهاب وإيذاء الشعوب المحيطة؟! ألا يدرك هذا الأردوغان أن لكل فعل رد فعل، وأنك كما تدين تُدان، وأن جزاءه مردود إليه من فعله.
فما بين تركيا التى ينبغى أن تكون، وتركيا التى لوثها أردوغان، لا نجد اليوم إلا تركيا أردوغان تركيغان ... شُرُم بُرُم.